#كيف_أضحت؟ (23).. قرطاج.. المدينة التي قالت لا لروما فانتقمت الأخيرة بإحراقها

آخر تحديث: الخميس 6 مايو 2021 - 10:21 ص بتوقيت القاهرة

منال الوراقي:

بين الكتب والروايات إلى الأفلام، ترددت مدن وأماكن تاريخية عديدة على مسامعنا وأعيننا، حتى علقت بأذهاننا ونُسجت بخيالنا، بعدما جسدها الكتاب والمؤلفون في أعمالهم، لكننا أصبحنا لا نعلم عنها شيئا، في الوقت الحالي، حتى كثرت التساؤلات عن أحوال هذه المدن التاريخية الشهيرة، كيف أضحت وأين باتت تقع؟

بعض هذه المدن تبدلت أحوالها وأضحت أخرى مختلفة، بزمانها ومكانها وساكنيها، فمنها التي تحولت لمدينة جديدة بمواصفات وملامح غير التي رُسمت في أذهاننا، لتجعل البعض منا يتفاجئ بهيئتها وشكلها الحالي، ومنها التي أصبح لا أثر ولا وجود لها على الخريطة، ما قد يدفع البعض للاعتقاد بأنها كانت مجرد أماكن أسطورية أو نسج خيال.

لكن، ما اتفقت عليه تلك المدن البارزة أن لكل منها قصة وراءها، ترصدها لكم "الشروق" في شهر رمضان الكريم وعلى مدار أيامه، من خلال الحلقات اليومية لسلسلة "كيف أضحت؟"، لتأخذكم معها في رحلة إلى المكان والزمان والعصور المختلفة، وتسرد لكم القصص التاريخية الشيقة وراء المدن والأماكن الشهيرة التي علقت بأذهاننا وتخبركم كيف أضحت تلك المدن حاليا.
…..

على شواطئ تونس وعلى بعد كيلومترات من عاصمتها، كانت تقع مدينة قرطاج، تلك المدينة التاريخية التي يعرفها العالم بتاريخها العريق، والتي أُطلق اسمها على القصر الرئاسي في البلاد "قصر قرطاج"، والتي صنفتها اليونيسكو كتراث عالمي منذ سنة 1979.

على مر التاريخ، عُرفت قرطاج بقائد تاريخي كبير هدّد روما في أوج قوتها هو حنبعل، القائد العسكري القرطاجي، الذي ينتمي إلى العائلة البونيقية العريقة، ويُنسب إليه اختراع العديد من التكتيكات الحربية في المعارك التي لا زالت معتمدة حتى اليوم، ومع ذلك فإن تاريخ قرطاج يعود إلى ما قبل قائدها حنّبعل، حسبما ذكر المؤرخون بموقع الرئاسة التونسية.

• أسستها الأميرة الهاربة

أسسها الفينيقيون في القرن التاسع قبل الميلاد، حينما هربت الأميرة عليسة، من أخيها ملك فينيقيا الجديد بعد وفاة والدهم، وانطلقت من مدينة صور اللبنانية برحلة حول حوض البحر المتوسط للبحث عن مكان تُقيم فيه مدينتها، فأسست مدينة قرطاج من غرب البحر المتوسط وصولا لسواحل الأطلسي من إفريقيا الوسطى، وأسمتها "قرط حدشت"، أي المدينة الحديثة، لتتحول بعد ذلك إلى "قرطاج".

انتقلت حاشية الأميرة معها إلى مدينتها الجديدة وكونوا شعبا وحياة للمدينة الجديدة، فبرعوا في التجارة والمعرفة بعالم البحار، وهو ما وسّع إمبراطوريتهم قرطاجة، وسرعان ما أصبحت مدينة قرطاج مركز إمبراطورية كبيرة حكمت شواطئ المغرب الكبير وصقلية وإسبانيا.

• قائدة التجارة عبر عالم البحار

برع شعب قرطاج في التجارة، ف​​نظم الفينيقيون رحلتين بحريتين كبيريتين، الأولى نحو إفريقيا جنوبا، والثانية نحو بعض الجزر البريطانية، وهناك أسسوا مستوطنات ساحلية جديدة ووسعوا تجارتهم البحرية، ووقعوا معاهدات مع الإمبراطورية الرومانية، كما امتلكوا أسطولا بحريا وجيشا كبيرا.

وشهدت قرطاج نهضة في الصناعات والفنون والعلوم، وباتت حضارة تقارع روما في الضفة الأخرى من المتوسّط، وهو ما لم يرُق لروما، التي خاضت معها حروبا قادها قائدها القرطاجي حنعبل.

• حنّبعل.. قائد حروبها ضد روما

خاض حنبعل برقا، أشهر قادة قرطاج العسكريين، حروب عديدة ضد روما، بسبب رغبة الأخيرة في السيطرة واحتلال قرطاجة، وهو ما رفضه، فخاض معارك كبرى ضدّها سجّلها التاريخ، أعظمها معركتا "كاناي" و"تريبيا".

و​​​​لم يتوقف القائد العسكري الشهير عند حدود قرطاجة في محاربته لروما بل ساق جيشا جرارا تتقدمه الفيلة نحو أراضيها، فقطع البحر الأبيض المتوسط وعبر جبال البيريني الأوروبية المثلجة وهزم روما في عقر دارها في معارك عديدة، لكنّ حملته فشلت في القضاء على أكبر امبراطورية عرفها التاريخ آنذاك.

• سقوط قرطاجة.. المدينة التي قالت لروما "لا"

وعندما عاد حنبعل إلى قرطاجة وجدها تحت حصار روما، وهو الوضع الذي استمرت عليه لمدة 3 سنوات، حتى انتهى الأمر بفرار القائد القرطاجي، فانتقمت روما بتدمير وإحراق قرطاجة بالكامل.

• انتقام جديد.. وقرطاج مرة أخرى

وحرص الرومان على ألا يبقوا شيئا من قرطاج، التي تجرأت على تحديهم، ولكن ​​بعد عشرات السنوات من تدميرها، قرر الإمبراطور الروماني الشهير يوليوس قيصر، أن يبني مدينة قرطاج جديدة، لكن هذه المرة ليسكنها الرومان لا الفينيقيون، وانتقم يوليوس بهذا انتقاما مرا مرة أخرى من المدينة المتمردة.

وصارت المدينة الجديدة تابعة للإمبراطورية الرومانية، وسماها الإمبراطور يوليوس قيصر "مستعمرة يوليوس قرطاج"، لكن رغم ذلك سجل التاريخ قرطاج، كما سجل قائدها حنبعل، في قائمة الذين قالوا "لا" لروما.

• قرطاج.. مدينة سياحية على قائمة التراث العالمي

واليوم، تقع قرطاج قرب مدينة تونس في الجمهورية التونسية بالشمال الشرقي للجمهورية، وبالقرب من العاصمة، ويحدها البحر الأبيض المتوسط شرقا، تحتوي على العديد من الأماكن الأثرية، التي جعلتها تصنف ضمن قائمة التراث العالمي التي وضعتها اليونسكو، بمقتضى قرار صدر عام 1985، وبصفتها مدينة سياحية يزورها ما يقارب مليون سائح سنويا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved