«الدستورية» تؤيد منح الرقابة سلطة سحب تراخيص الأفلام حماية للنظام والآداب العامة

آخر تحديث: السبت 6 يوليه 2019 - 12:53 م بتوقيت القاهرة

 محمد بصل:

قضت المحكمة الدستورية العليا برئاسة المستشار حنفي جبالي بتأييد دستورية المادة 9 من القانون رقم 430 لسنة 1955 لتنظيم الرقابة على الأشرطة السينمائية، والتي تجيز سحب الترخيص السابق إصداره بالعرض إذا طرأت ظروف جديدة، وذلك في القضية المحالة من محكمة القضاء الإداري عام 2014 الخاصة بوقف عرض فيلم "حلاوة روح" بعد منحه التصريح، والتي كانت محكمة القضاء الإداري قد ارتأت فيها وجود شبهة عدم دستورية في تلك المادة القانونية، وقضت آنذاك بأحقية منتج الفيلم في عرضه.
وتنص المادة التي أيدتها المحكمة الدستورية على أنه: "يجوز للسلطة القائمة على الرقابــــة أن تسحب، بقرار مسبب، الترخيص السابق إصداره فـى أى وقت، إذا طرأت ظروف جديدة تستدعى ذلك، ولها فى هذه الحالة إعادة الترخيص بالمصنف بعد إجراء ما تراه من حذف أو إضافة أو تعديل، دون تحصيل رسوم"
وقالت المحكمة في حيثياتها إن "المشرع أطلق حرية الإبداع الفنى، فى مجال الفـــن السينمائي، إلا أنه قيد هذا الإطلاق، بحدود بيَّنَها القانون على سبيل الحصر، هى حماية الآداب العامة، والمحافظة على الأمن، والنظام العام، ومصالح الدولة العليا، فضلاً عن حماية المقومات الأساسية للمجتمع التى حددها الدستور، وقيمه الدينية، والأخلاقية، والاجتماعية، بحيث إذا ما خرج المصنف السينمائى عن أحد هذه الحدود عُد خارجًا عن المقومات الأساسيـــــة الاجتماعية أو الأخلاقية أو السياسية، التى يحميها الدستور، والتى تعلو، وتسمو دائمًا، فى مجال الرعاية والحماية، على ما تتطلبه الحرية الفردية الخاصة".
وأضافت المحكمة: "لا ريب فى أنه من المبادئ الرئيسية التى تقوم عليها الدول المتحضرة، تضامن الأفراد، وتماسكهم، لتحقيق الغايات، والصوالح العامة، التى يستهدفونها فى نطاق إقليم الدولة، ومن أجل ذلك خوّل المشرع السلطة المختصة على الرقابة، كإحدى هيئات الضبط الإدارى، عند قيام المقتضى المشار إليه، بألا تسمح بعرض العمل السينمائى، وأجاز لها بعد الترخيص به أن تسحب، بقرار مسبب هذا الترخيص إذ طرأت ظروف جديدة، تستدعى ذلك".
واستطردت المحكمة: لا شك أن مقتضى التفسير المتناسق للنصوص يتطلب القول بأن تلك الظروف الجديدة، تتحدد من منظور أواسط الناس فى ضوء القيم الخلقية التى لا تقوم على معايير فرضية، وإنما يحكمها الواقع الاجتماعى والبيئى والزمانى، والذى تتحدد على أساسه المفاهيم الاجتماعية القائمة فى المنطقة الإقليمية التى يُوَزع ويُعْرَض فيها المصنف الفنى، والتى لا يحكمها معيار عام يسعها فى تطبيقاتها، وإنما تتغاير ضوابطها بتغير الزمان والمكان والأشخاص، ومن ثم كان لازمًا لمواجهة تلك الأوضاع والمعايير المتغيرة منح المشرع قدرًا من الصلاحيات فى إطار سلطته التقديرية فى مجال تنظيم الحقوق والحريات، سواء تلك التى كفلها الدستور أو قررها القانون، لمواجهة تلك الظروف والأوضاع المتغيرة، هذا وقد أجاز القانون لمن يسحب الترخيص الصادر له بعرض العمل السينمائى، أن يتظلم، من القرار الصادر بذلك، إلى لجنة إدارية، يضم تشكيلها عنصرًا قضائيًّا، تتولى البت فى أمر التظلم، ويكون لصاحب الشأن حق الطعن على قرار هذه اللجنة طبقًا للقواعد العامة أمام القاضى الطبيعى، وهو الحق الذى كفلته المادة (97) من الدستور للكافة.
وأكدت المحكمة أن المادة لا تخالف أحكام المواد (65، 67، 92، 94) من الدستور، كما لا تخالف أى مادة أخرى منه.
وصدر حكم المحكمة متفقاً مع الرأي الذي انتهى له تقرير هيئة المفوضين الذي أعده المستشار الدكتور طارق محمد عبدالقادر والذي أكد أن "حرية الإبداع الفني في المجال السينمائي كأحد روافد حرية التعبير، ليست حرية مطلقة من كل قيد، فممارسة هذه الحرية مقيدة بما يخوله المشرع من جهة الإدارة، من مكنات الضبط الإداري التي تمكنها من تقييد ممارسة تلك الحرية، دون مصادرة لها، تغليباً لاعتبارات المحافظة على النظام العام والأمن والآداب العامة، وهو الإطار الذي ينبغي أن تمارس من خلاله حرية الرأي والتعبير، والتي تمثل في ذاتها قيمة عليا لا تنفصل الديمقراطية عنها".
واعتبر تقرير المفوضين أن "الأصل في سلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق، أنها سلطة تقديرية، ما لم يقيدها الدستور بضوابط محددة تعتبر تخوماً لها لا يجوز اقتحامها أو تخطيها، ويتمثل جوهر هذه السلطة -على ما جرى عليه قضاء المحكمة الدستورية- في المفاضلة بين البدائل المختلفة التي تتزاحم فيما بينها وفق تقديره على تنظيم موضوع محدد، فلا يختار من بينها إلاّ ما يكون مناسباً أكثر من غيره لتحقيق الأغراض التي يتوخاها".
وكانت هذه القضية قد أثيرت أمام القضاء الإداري على خلفية إصدار وزير الثقافة قراره رقم 286 لسنة 2014 بتاريخ 17 أبريل 2014 بسحب ترخيص عرض فيلم "حلاوة روح" ووقف عرضه بجميع دور العرض السينمائي، وذلك بعدما كان الترخيص قد صدر في يناير 2014 بعرضه "للكبار فقط".
وأصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها في الشق العاجل من الدعوى، لصالح منتج الفيلم، وارتأت أن المادة 9 من قانون الرقابة 430 لسنة 1955 يتصادم مع بعض المواد في دستور 2014 ومنها: المادة 67 التي تنص على أن "حرية الإبداع الفني والأدبي مكفولة، وتلتزم الدولة بالنهوض بالفنون والآداب، ورعاية المبدعين وحماية إبداعهم، وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لذلك، ولا يجوز رفع أو تحريك الدعاوى لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية والأدبية والفكرية أو ضد مبدعيها إلاّ عن طريق النيابة العامة...."

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved