انطلقت فعاليات الأسبوع الثقافي الثالث من مسجد الفتح بميدان رمسيس في القاهرة، اليوم السبت، تحت عنوان: "حسن الأدب مع الله"، وذلك في إطار الدور التثقيفي الذي تقوم به وزارة الأوقاف.

وحاضر في فعاليات الأسبوع الثقافي الثالث الأستاذ الدكتور جمال فاروق عميد كلية الدعوة الإسلامية الأسبق، والدكتور خالد صلاح الدين مدير مديرية أوقاف القاهرة، وقدمها الأستاذ محمد مصطفى يحيى المذيع بإذاعة القرآن الكريم، وكان فيها القارئ الشيخ محمد عبد البصير قارئًا، والمبتهل الشيخ أحمد بري مبتهلًا، وبحضور الدكتور محمود خليل وكيل مديرية أوقاف القاهرة، وجمع غفير من رواد المسجد.

وقدّم الأستاذ الدكتور جمال فاروق عميد كلية الدعوة الإسلامية الأسبق - خلال كلمته - الشكر لوزارة الأوقاف على هذه الندوات التثقيفية التي تسهم في بناء الوعي، وتعمل على نشر صحيح الدين، موضحًا أن الأدب مع الله يتمثل في توحيده وتعظيمه وهو عنوان محبة الله وطريق الوصول إليه (عز وجل)، فتعظيم أوامر الله من الأدب مع الله، قال (صلى الله عليه وسلم): "إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم".

وأشار إلى أن الأدب مع الله يقتضي الرضا بقضائه وقدره، قال تعالى: "إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا إِلَّا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ"، ولفت إلى أن الله تعالى نبهنا إلى الأدب معه سبحانه وتعالى ومع نبيه (صلى الله عليه وسلم) في مفتتح سورة الحجرات، فقال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ".

وأوضح أن القرآن الكريم مليءٌ بمواطن الأدب مع الله تعالى، منها ما كان من سيدنا إبراهيم (عليه السلام)، إذ يقول سبحانه عنه: "الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ"، فنسب عملية الخلق للخالق تعالى: "وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ"، ونسب عملية الرزق لله تعالى: "وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ"، تأدبًا مع الله تعالى، مع أن الصحة والمرض بيد الله تعالى، ومن عند الله تعالى إلا أن أبا الأنبياء (عليه السلام) تأدبًا مع الله تعالى لم ينسبها له سبحانه، ونسب الجوانب الحسنة لله تعالى، ولما جاء في المرض قال: "وَإِذَا مَرِضْتُ"، ولم يقل وإذا أمرضني تأدبًا مع الله تعالى.

كما بيّن فضيلته تأدب الخضر مع الله تعالى في قصة السفينة والغلام، إذ قال تعالى: "أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا"، نسب عيب السفينة لنفسه، ثم قال: "وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا، فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا"، نسب عملية الاجتهاد في قتل الغلام إلى نفسه، ثم قال: "وأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرً" فنسب الخير إلى الله تعالى.

بدوره، أكد الدكتور خالد صلاح الدين، مدير مديرية أوقاف القاهرة -في كلمته- أن الأدب سلوك الأنبياء، وشعار الأتقياء، ودين الحكماء، وعلامة الألباء، وما استعمل عبد الأدب إلا ارتفع، وما جانبه إلا سَفُلَ ووُضِع، وإذا كان الأدب مع الخلق من أجل المهمات، فماذا عن الأدب مع الخالق - جل جلاله - عظيم الصفات، إنه أرفع مراتب الأدب وأعلاها، وأجلُّها وأزكاها، فما تأدب متأدب بأحسن من أدبه مع ربه وخالقه، وما أساء امرؤ الأدب بأشنع من إساءته الأدب مع سيده ورازقه.

وشدد على أن الأدب مع الله تعالى في الشدة والرخاء من القيم السامية في القرآن الكريم، وأن الأدب مع الله تعالى يقتضي توحيد الله وتعظيمه، وطاعة أوامره ونواهيه؛ قال تعالى: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ"، كما أكد أن الأدب مع الله يقتضي أن يكون العمل كله خالصًا لله، قال تعالى "فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا".

ولفت الانتباه أيضًا إلى أن الأدب مع الله يقتضي شكره على نعمه التي لا تعد ولا تحصى؛ إذ قال تعالى: "وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا"، مشيرًا إلى أن مِن الأدب مع الله أن يتلقى المسلم أقدار الله بالرضا والصبر، وليعلم أن ما قدره الله عليه إنما هو لحكمة عظيمة؛ قال تعالى: "وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ".

من ناحية أخرى، وفي إطار فعاليات اليوم الأول لدورة المكونات العلمية والتثقيفية (الشرعي واللغوي) للدفعة الخامسة من الدورة المتكاملة المشتركة للأئمة والواعظات بأكاديمية الأوقاف الدولية، عُقدت المحاضرة الثالثة للدكتور شريف عوض أستاذ علم الاجتماع كلية الآداب جامعة القاهرة، بعنوان: "علم الاجتماع"، وقدم المحاضرة الدكتور أشرف فهمي مدير عام الإدارة العامة للتدريب.

وخلال المحاضرة، أشاد الأستاذ الدكتور شريف عوض بالحاضرين من الأئمة والواعظات، مؤكدًا أن وزارة الأوقاف بها نخبة متميزة تتمتع بفكر وسطي مستنير من الأئمة والواعظات، وأن أكاديمية الأوقاف الدولية تخرج نخبة متميزة من هؤلاء الأئمة والواعظات المجتمع في حاجة ماسة إليهم، للاستعانة بهم في جميع الأمور الحياتية، مشيرًا إلى أهمية علم الاجتماع في مجال الدعوة.

وشدد على أن الداعية ينبغي أن يتحلى بعقلية وقدرات ومهارات الباحث الاجتماعي، بما يمنحه رؤية وقدرة على التحليل، وعلى التبصر بالمشكلات الحقيقية التي تؤثر في المجتمع المحيط فيتصدى لها بإظهار العلاج الصحيح.