قائد الجيش الثانى بحرب أكتوبر لـ«الشروق»: القوات المسلحة نفذت أروع عملية عبور لمانع مائي في التاريخ العسكري

آخر تحديث: الإثنين 6 أكتوبر 2014 - 1:49 م بتوقيت القاهرة

حوار أجراه: خالد أبو بكر

• عرفت خبر العبور من الراديو وأنا قائد المنطقة المركزية.. ومعركة «رأس العش» مفتاح نصر أكتوبر

• تدربنا على صد محاولات العبور الإسرائيلي في الدفسروار منذ 1968

• تطوير الهجوم كان غير موفق.. وكبَّدنا شارون خسائر فادحة عندما حاول دخول الإسماعيلية

عندما تجلس أمام الفريق عبدالمنعم خليل، الذى قاد الجيش الثانى الميدانى فى لحظات حرجة خلال حرب أكتوبر 1973، تشعر أنك بين يدى قائد أسطورى.. خاض حروب مصر المعاصرة بداية من الحرب العالمية الثانية، وصولا إلى حرب أكتوبر 1973.. عندما يشرع فى الحديث عن دوره فى هذه الحرب المجيدة تشعر أنه يقف أمام خرائطه فى غرفة العمليات.. يشرح لك قراراته التى اتخذها أثناء إدارته لأعمال القتال وكأنه للتو قد أعطاها لرجاله المنتشرين على خطوط النيران. عندما جلست بين يدى هذا القائد العظيم شعرت بفيض من المهابة تغلف شخصيته.. ورأيت تقاطيع الجدية والصرامة المحفورتين فى جبهته بالرغم من أنه «قائد هادئ الأعصاب حتى فى أحلك اللحظات» كما قال عنه المشير أحمد إسماعيل.. ما زال يحمل هموم الوطن الذى قضى فترات طويلة من حياته فى الخطوط الأمامية مدافعا عن ترابه وعزه وكبريائه.

اقرأ أيضًا:

إنفوجراف: قناة السويس من التحرير إلى التعمير.. «السادات» استرد الأرض و«السيسي» يعمرها بعد 41 عامًا

إسرائيل تفرج عن وثائق جديدة تروى تفاصيل الهزيمة في 6 أكتوبر

قبل أن أبدأ معه الحوار عن حرب أكتوبر قلت له كيف ترى مصر فى هذه المرحلة الدقيقة من تاريخها قال بهدوئه المعتاد «مطمئن عليها مع الرئيس عبدالفتاح»، ولم يقل السيسى، وأردف وهو يبتسم «أنا أحب أنا أناديه باسم عبدالفتاح.. وكل صباح أدعو الله له بأن يفتح عليه بنصر مبين على أعدائه.. أنا أعجبت به جدا ولم أكن أعرفه نهائيا لأنى خرجت من الجيش عام 1975، وهو لم يكن قد دخل الجيش بعد، إلى أن فوجئت به فى يونيو 2013 عندما كان قائدا عاما للقوات المسلحة يهاتفنى ويقول لى «مبروك لقد أصبحت فريقا، وقررت أكاديمية ناصر العسكرية العليا منحك درجة الدكتوراه الفخرية»؛ فشكرته جدا لأنه بعد 40 عاما أعاد لى حقى، وعندما قابلته قلت له «أنا أحب الفريق صدقى صبحى لأنه ضابط ممتاز»، فرد السيسى قائلا: «وأنا كمان أحبه».

يصر الفريق خليل على أن يبدأ قصة حرب أكتوبر «من أولها»، وأولها من وجهة نظره يبدأ من يوم 5 يونيو 1967، «فى هذا التاريخ كنت قائدا لقوات شرم الشيخ، ففى يوم 19 مايو 1967 استدعيت بصفتى قائدا لقوات المظلات إلى القيادة العامة للقوات المسلحة، وقابلت الفريق أنور القاضى رئيس هيئة العمليات واللواء بهى الدين نوفل نائبه، وتم تكليفى بناء على توجيهات المشير عبدالحكيم عامر بمهمة لم تكن فى الحسبان، ولم تكن ضمن مهام قوات المظلات وهى تأمين منطقة شرم الشيخ، بغرض حرمان العدو من الاستيلاء عليها، على أن تكون القوات فى مواقعها قبل أول ضوء يوم 20 من نفس الشهر».

يقول الفريق خليل «تم دعمى من قبل القوات الجوية التى نقلت أجزاء من قواتى إلى شرم الشيخ، ووصلنا بالفعل وأخذنا مواقعنا، وقمنا باستطلاع مضيق تيران وخليج العقبة والمواقع الحيوية فى المنطقة وتعيين القوات اللازمة للدفاع عنها إذا ما هاجمها العدو».

يضيف الفريق خليل جاء يوم 5 يونيو كانت «الأمور هادئة تماما فى منطقة شرم الشيخ، لكن إذاعات العدو وبعض الإذاعات الأجنبية تتحدث عن إيقاع خسائر كبيرة فى الطيران المصرى، بدأت أشعر أننا مقبلون على كارثة.. كان كل ما أفكر فيه فى هذه اللحظة هو تأمين رجالى من طيران العدو والاستعداد لملاقاته إذا هاجمنا بريا».

ويواصل «بعد ظهر يوم 5 يونيو وصلتنى برقية من المشير عامر تفيد بأن وضع الطيران سيئ، فتأكد لدى ما كنت قد سمعته فى الإذاعات، وقبل غروب يوم 6 يونيو صدرت لى الأوامر بالإنسحاب إلى الغرب، وأعددت خطة محكمة لذلك، وهو ما نجحت فى تنفيذه بقواتى، حتى وصلنا سالمين بمعداتنا إلى معبر الشط فى الساعة الخامسة من صباح يوم 8 يونيو».

بعد عودة الفريق خليل بقواته إلى غرب القناة تم تعيينه رئيسا لأركان فرقة مشاه فى الإسماعيلية، بعدها «فوجئت فى يوم 30 يونيو 1967 بأن اللواء أحمد إسماعيل قائد الجبهة وقتها (أصبح قائدا عاما فيما بعد) يطالبنى بأخذ 7 قواذف صاروخية «آر بى جى» للتوجه بها إلى منطقة رأس العش (نحو 12 كيلو جنوب بورسعيد)، للإشراف على القتال الدائر هناك بين مجموعة من الصاعقة المصرية والإسرائيليين، ذهبت أنا والسائق فقط.. وصلت الساعة الواحده صباحا.. ووجدت المعركة مشتعلة، وعرفت حقائق الموقف كاملا من قائد قوة الصاعقة الرائد سعيد الشرقاوى، وكان رجالنا يتشبثون بأرضهم شرق القناة ببسالة نادرة».

وأضاف «تلك المعركة كانت مفتاح النصر فى أيام كانت حالكة السواد، لأننا أوقفنا اليهود وردعناهم عن دخول بور فؤاد، وبالتالى حرمانهم من الاستيلاء على بورسعيد، وبتمسكنا بهذا الموقع أصبح لنا موطئ قدم شرق القناة، وهنا أذكر للتاريخ أن النجاح الباهر الذى حققه رجال رأس العش ينسب لهم وحدهم.. فقد سطروا بصمودهم وشجاعتهم هذه الملحمة التى رفعت معنويات القوات المسلحة فى أوقات عصيبة».

تأمين الدفرسوار

بعد رجوع الفريق خليل من رأس العش بفترة، تم تعيينه قائدا للفرقة الثالثة المشاه فى منطقة الدفرسوار (جنوب الإسماعيلية)، وهنا يتوقف مسترجعا الذكريات كأنها حادثة للتو «بعد قيادتى لهذه الفرقة عام 1968 جاءنى تقرير من المخابرات الحربية يفيد أن اليهود أجروا مناورة مثّل فيها تشكيل من قواتهم دور الجيش المصرى، على بحيرة طبرية وهى بحيرة عريضة مثل البحيرات المرة فى قناة السويس التى حدث بها الثغرة فى حرب أكتوبر 1973 والقوة الأخرى مثلت الجيش الإسرائيلى الذى تدرب على تنفيذ عملية اختراق للتشكيل الذى يلعب دور المصريين والذى يتمسك بالأرض خلف البحيرة كما تتمركز قواتنا على الشاطئ الغربى لقناة السويس، وكان هذا مؤشرا قويا لنا على أن اليهود إذا قرروا العبور لغرب القناة فستكون الدفرسوار هى موقعهم المفضل».

ويتابع «منذ وصلتنى هذه المعلومات بدأت فى التخطيط لإغلاق هذه المنطقة فى حدود ما لدى من إمكانيات، ودربت رجالى على هذه الخطة، وكان لدى مجموعة لواء جزائرى فكلفته بالمعاونة فى هذا التأمين وكان ضباط هذا اللواء وجنوده رجالا على قدر المسئولية».

عندما استشهد الفريق عبدالمنعم رياض، رئيس أركان حرب القوات المسلحة فى 9 مارس 1968 تم تعيين خليل رئيسا لأركان الجيش الثانى الميدانى، وبعد 6 أشهر تم تعيينه قائدا لهذا الجيش، وخلال هذه الفترة كانت حرب الاستنزاف مستعرة، «فى كل يوم يمر كان رجالنا يزدادون ثقة فى أنفسهم.. عندما واجه جنودنا جنود العدو وجها لوجه فى الإغارات والكمائن التى كنا ننصبها له شرق القناة كان يتيقن رجال مصر أنهم بشجاعتهم وإقبالهم على الفداء والتضحية قادرون على هزيمة هذا العدو المغرور» يقول الفريق خليل.

الفوز بأسرى إسرائيليين

وأشار الفريق خليل إلى أن رجال الجيش الثانى «أسروا عددا من الإسرائيليين، كان أولهم ضابط اسمه دانى أفيدان، وأسقطوا طائرات، وعبرت وحدات حتى مستوى كتيبة إلى الضفة الشرقية للقناة، واقتحمت مواقع، وتمسكت بالأرض ثم عادت مرة أخرى لمواقعنا غرب القناة، فى هذه الأثناء تأكد الضباط والجنود أن النصر حليفنا مع زيادة جرعات التدريب الواقعى على العبور، واكتشاف ضعف عدوهم وذعره عندما تكون المواجهة وجها لوجه، وأذكر هنا عملية 30 مايو 1970، التى أسر فيها رجال الجيش الثانى جنديين إسرائيليين، وكبدوا العدو خسائر فادحة فى الرجال والمعدات، والتى تم تنفيذها فى قطاع بورسعيد، والمعروفة عند إسرائيل بالسبت الحزين».

من أهم الأشياء التى يتذكرها الفريق خليل خلال حرب الاستنزاف «مجموعات القناصة التى تم تشكيلها بطول الجبهة.. كان لنا رجال مدربون على القنص بأعلى درجات الاحتراف.. أجبرنا الإسرائيليين المتغطرسين على الكف عن أعمالهم الاستفزاية لرجالنا.. كانوا يلوحون بإشارات بذيئة من الضفة الشرقية للقناة.. وبعد أن زاد نشاط رجالنا فى اقتناصهم تخفوا مثل الفئران».

الرئيس عبدالناصر كان دائم الزيارة لرجال الجيش الثانى بقيادة الفريق خليل، «فى إحدى المرات التى زارنى فيها الرئيس عبدالناصر، قلت له إن للضباط والجنود بعض المشكلات التى تحتاج إلى دعم، هم يقضون معظم أوقاتهم على خطوط النار، وعائلاتهم لها بعض الحاجيات المرتبطة بالعلاج وأحيانا بالسكن، فما كان من رئيس الجمهورية إلا أن قال لي: الحكومة برئيسها ستكون عندك يا عبدالمنعم لتلبية مطالب الرجال بأقصى ما تستطيع».

وبتأثر شديد يضيف الفريق خليل «من مفارقات القدر أن رئيس الوزراء ومعه 15 وزيرا و5 محافظين أتوا إلينا فى الجيش الثانى ونظمت لهم لقاءات مع الجنود فى كل المواقع على مدار اليوم، من الإسماعيلية إلى القنطرة، وعندما وصلنا بورسعيد أعلنت الإذاعة وفاة الرئيس عبدالناصر، فكان يوما حزينا على الجميع».

الاستعداد للعبور

بعد رحيل عبدالناصر، تولى السادات حكم مصر، وكان الفريق خليل على معرفة سابقة به «كنت مدرسا فى مدرسة المشاه من عام 1947 إلى 1954، وجاء أنور السادات للحصول على فرقة بالمدرسة رغم أنه كان فى سلاح الإشارة، لكن كانت هناك بعض الفرق الدراسية العامة التى يأخذها الضباط من مختلف الأسلحة، وتعرفت عليه من وقتها».

ويواصل قائلا: «مضينا نستعد للمعركة إلى أن وصلنا إلى 15 مايو 1971، التى أبعد فيها السادات بعض الشخصيات فيما سماه (ثورة التصحيح)، كان من بينهم الفريق أول محمد فوزى، وكان قائدا عظيما، وحل محله الفريق أول محمد صادق كقائد عام، وتولى رئاسة الأركان الفريق سعد الشاذلى، إلى أن جاء 30 ديسمبر 1971 وتم نقلى من قيادة الجيش الثانى، لأشغل قيادة هيئة التدريب وحل محلى اللواء سعد مأمون».

فى هذه اللحظة بالضبط تغيرت نبرة القائد المهيب.. عاد بذاكرته إلى حفل وداعه فى قيادة الجيش الثانى يوم 5 يناير 1972 «تمنيت أمام رجالى أمنيتين فى ذلك اليوم.. قلت للضباط والجنود أمنيتى الأولى إذا عبرنا القناة لتحرير الأرض أرجع لكم تانى.. مش شرط أرجع قائد أرجع جندى بينكم.. أكون معكم فى العبور.. والأمنية الثانية: أنى أموت شهيدا فى سبيل مصر، وسبحان الله تحققت الأمنية الاولى بعد 654 يوما، حيث رجعت قائدا للجيش الثانى اعتبارا من يوم 16 أكتوبر 1973بعد مرض اللواء سعد مأمون، لأكون بين هؤلاء الرجال الأبطال بعد أن عبروا القناة، وأتمنى من الله أن يحقق لى الأمنية الثانية ويعتبر موتى شهادة فى سبيله».

لم يستمر الفريق أول صادق قائدا عاما للقوات المسلحة، وحل محله الفريق أول أحمد إسماعيل فى 25 أكتوبر 1972, «عندما تعين إسماعيل قائدا عاما أتى بى قائدا للمنطقة المركزية فى 26 أكتوبر 1972، قبل الحرب بعام، حضرت خلاله جزءا من وضع الخطط، وكان عليّ تجهيز الاحتياطات الموجودة فى القاهرة للدفع بها إلى جبهات القتال متى اقتضت الضرورة، كما كلفنى الفريق أول إسماعيل باختبار جاهزية تشكيلات الجيشين الثانى والثالث للقتال، فمكثت أسبوعا فى كل جيش وتعرفت على المعنويات العالية للضباط والجنود عن قرب، وكانت فرصة جيدة لى أن أزور وحدات الجيش الثانى التى أعرف رجالها ويعرفونى جيدا».

تحطيم الأسطورة

«للتاريخ وللأجيال الجديدة أقول بفخر أنى وأنا قائد المنطقة المركزية العسكرية فى حرب أكتوبر 1973 كنت أعلم أن الحرب ستبدأ لكنى لم أعرف التوقيت، وعرفته مع أول بيان عسكرى أذاعته القيادة المصرية بعد ظهر يوم 6 أكتوبر.. أقول إنى فخور لأن مصر كانت لديها قيادة محترمة نفذت عملية عبور قناة السويس وتحطيم أسطورة خط بارليف ولم يعلم به إلا كل ضابط كانت له مهمة مباشرة فى تنفيذ هذا العبور». بهذه الكلمات بدأ الفريق خليل الحديث عن حرب أكتوبر.

ورغم ذلك يضيف خليل «تأثرت نفسيا بعد قيام المعركة ليس لأنى لم أكن أعرف الموعد ولكن لأنى كنت أريد أن أكون هناك بين الرجال ساعة العبور.. شعرت بحنين عجيب إلى رجالى فى الجيش الثانى.. تذكرتهم جميعا واحدا واحدا.. تذكرت فؤاد عزيز غالى قائد قطاع القنطرة، وكيف يمكنه التغلب على حصون خط بارليف المنيعة.. تذكرت العميد عبدرب النبى حافظ قائد قطاع الإسماعيلية وموقع الدفرسوار الحصين وما فيه من احتياطات مدرعة للعدو، لكنى كنت واثق أن «عبده» ــ هكذا كنت أناديه ــ قادر على التغلب على هذه العقبات، تذكرت العميد حسن أبو سعده والحصون الإسرائيلية التى تقابله عند المنطقة «نمرة 6» بالإسماعيلية، والفردان، والغرود التى ستواجه رجاله شرق القناة، وكثافة الضغط عليه من الطريق الأوسط الذى يركز العدو هجماته من ناحيته دوما.. تذكرت كل ذلك وأنا واثق من أنهم سيحققون النصر المبين لمصر».

وأكد أن «القوات المصرية «نفذت عملية من أروع عمليات العبور فى التاريخ العسكرى.. كان الرجال يعزفون سيمفونية النصر بكل أريحية.. بكل حيوية.. بكل إبداع فى تحقيق الأهداف المنشودة من القتال.. قاموا بذلك فى العبور يومى 6 و7 أكتوبر، وفى صد الهجوم المضاد الرئيسى للعدو يومى 8و9 أكتوبر.. وسار القتال كما تمنته وخططت له مصر حتى يوم 14 أكتوبر».

صباح يوم 14 أكتوبر نفذت القوات المصرية عملية تطوير الهجوم نحو خط المضايق الجبلية الاستراتيجية (50 كيلو شرق القناة) بناء على الأمر السياسى الذى أصدره الرئيس السادات وعارضه الفريق سعد الشاذلى، ووافق عليه الفريق أول أحمد إسماعيل، وتم التطوير بدفع الاحتياطى المدرع فى الجيشين الثانى والثالث الى المضايق، ولم يكلل هذا التطوير بالنجاح.

الفريق عبدالمنعم خليل يؤيد الرأى المعارض لعملية تطوير الهجوم وفى هذا يقول «لكى تطور الهجوم لابد أن تكون قادرا على التطوير، والقدرة هنا تتوقف على الطيران والدفاع الجوى، ونحن كنا ضعافا فى الطيران، والدفاع الجوى لم يكن يؤمن قواتنا إلا فى حدود 15 كيلو شرق القناة، بفعل حائط الصواريخ الذى أنشأه الفريق فوزى.. بعد هذه الـ15 كيلو لا نستطيع تأمين دفع قواتنا لمسافة كيلو متر واحد؛ وبالتالى لن نصل للمضايق.. وأى تطوير سيكون فاشلا وهو ما حدث.. لو لم نقم بتطوير الهجوم كانت إسرائيل انتهت.. كانت ستقف عاجزة.. لن تستطيع العبور للغرب الذى يعج بقوات مدرعة كفيلة بسحق أى محاولة لاختراق خطوطنا».

عودة للجيش الثانى

مرض اللواء سعد مأمون قائد الجيش الثانى ظهر يوم 14 أكتوبر، ولما تأكدت القيادة أنه لن يكون قادرا على القيام بمهامه بسبب ظروف المرض، قررت إرسال الفريق خليل ليحل محل اللواء مأمون، «فى الساعة 12 ظهر يوم 16 أكتوبر استدعانى الفريق الشاذلى رئيس الأركان لمركز العمليات.. وقال لى هناك 7 دبابات اسرائيلية عبرت القناة فى اتجاه الغرب، وسعد مأمون مريض.. عايزك ترجع الجيش التانى وده على مسئوليتي؛ لأن الفريق أول أحمد اسماعيل والرئيس السادات فى مجلس الشعب الآن».

فى هذه الأثناء كانت القيادة العامة بدأت تشعر بالعبور الإسرائيلى للغرب فى منطقة الدفرسوار والمعروفة باسم «الثغرة»، بعد أن اكتشف العدو المفصل بين الجيشين الثانى والثالث، وبعد أن تم دفع الاحتياطى المدرع الموجود بالغرب والمكلف بتدمير أى محاولة للعبور الإسرائيلى للقيام بأعمال تطوير الهجوم.

ويستطرد خليل: «وصلت قيادة الجيش التانى الساعة الرابعة عصر يوم 16 أكتوبر، وأول شىء قمت به كتبت الخريطة الكبيرة الآية الكريمة (ربنا افرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين)، وأرسلت اشارة للقوات انى رجعت وقابلت العميد عبدالحليم غزالة، قائد مدفعية الجيش، ورئيس أركان الجيش تيسير العقاد، وكان تواجد العدو فى الغرب أكثر من 7 دبابات، كانت له تشكيلات بعدد أكبر».

ويضيف «ظللت أجمع المعلومات، وأقاوم العدو فى حدود ما لدى من إمكانيات.. لم يكن لدى احتياطى بعد دفع الفرقة 21 المدرعة للقيام بتطوير الهجوم، وهى المدربة على صد اختراقات العدو، وتعرف طبيعة الأرض غرب القناة أكثر من غيرها.. حدثت الفريق أول أحمد اسماعيل وطالبته بقوات لتعمل كاحتياطى لقائد الجيش، فقال لى لديك قوات، فقلت له: لا يوجد عندى احتياط كاف، القوات موزعة فى مناطق أخرى، وفكرت فى سحب اللواء 15 المدرع من «القنطرة» بقيادة ضابط كفء اسمه تحسين شنن، وكان هذا اللواء على دراية واسعة بطبيعة الأرض ومدرب على سد الثغرة من الغرب، لكن طلبى تم رفضه، ولو تم التصديق على سحب هذا اللواء أنا واثق أنى كنت سأهزم اليهود غرب القناة فى هذا الوقت المبكر من عبورهم القناة».

«فى الخامسة من عصر يوم 18 أكتوبر حضر الفريق الشاذلى إلى قيادة الجيش الثانى ــ يواصل الفريق خليل ــ سعدت جدا بقدومه، لأنه قائد جيد وملم بكافة التفاصيل، جلس معى، وقال إن الموقف خطير، حيث إن اليهود ركزوا الهجوم على الإسماعيلية وكان الموقف خطيرا، حاولنا بقدر ما هو متيسر من قوات معنا صد قوات العدو المتفقة ناحية الإسماعيلية، وكبدناهم خسائر فادحة بفضل قوات الصاعقة والمظلات ورجال المدفعية».

عاد الشاذلى مساء يوم 20 إلى القيادة العامة، واستكمل خليل إدارة المعركة، حتى يئس العدو بقيادة شارون من إمكانية دخول الإسماعيلية، فحول اتجاهه صوب السويس، التى قاومت مقاومة باسلة التحم فيها الشعب والجيش. وظل الفريق خليل قائدا للجيش الثانى بعد وقف إطلاق النار يوم 27 أكتوبر، وأخذ يعمل على إعادة التوازن بين قواته شرق القناة وغربها، وأعاد تجميع الفرقة 21 المدرعة التابعة له فى مواقعها الأصلية غرب القناة، وشارك فى وضع خطة القضاء على الثغرة مع اللواء سعد مأمون الذى كلف بذلك، والذى وضع خطة كانت كفيلة بسحق الإسرائيليين بالفعل وتدربت القوات على تنفيذها، وفى يوم 12 ديسمبر 1973، تم تعيين الفريق خليل مساعدا لوزير الدفاع، وتعيين اللواء فؤاد عزيز غالى قائدا للجيش الثانى الميدانى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved