ذكرى انتصار أكتوبر.. اللواء مجدي شحاتة يروي أسرار 7 أشهر خلف خطوط العدو

آخر تحديث: الخميس 6 أكتوبر 2022 - 7:12 م بتوقيت القاهرة

أحمد عجاج

ــ المهمة كبَّدت العدو خسائر فادحة فى الأفراد والعتاد.. إشارة الانقضاض عليهم كانت «الله أكبر»
ــ الكتبية المصرية تكونت من ٤٠ مقاتلا فى مواجهة 500 مقاتل

لا تكاد تذكر حرب أكتوبر المجيدة إلا يأتى الحديث حول بطولات الضباط والجنود المصريين التى لم تُنشر حتى الآن رغم ما تحمله من العديد من القصص البطولية، وتخبئ فى طياتها مواقف إنسانية تتجلى فيها الشجاعة.
كان العميد أ. ح مجدى أحمد شحاتة فى المرحلة الثانوية وقت نكسة 5 يونيو 1967، مما زاده إصرارًا على اللالتحاق بالكلية الحربية وتخرج منها برتبة الملازم فى نوفمبر 1969، وانضم إلى وحدات الصاعقة فور تخرجه بناء على رغبته وشارك فى حرب أكتوبر برتبة نقيب، ضمن أبطال الكتيبة ٢٨٣ صاعقة، حيث قضى مع زملائه نحو ٢٠٠ يوم خلف خطوط العدو بواقع ٧ شهور، إلى أن عادوا وقابلوا المشير أحمد إسماعيل، الذى كرمهم على مجهودهم فى الدفاع عن أرض الوطن.
بـ«شعار لا صوت يعلو على صوت المعركة ويد تبنى ويد تحمل السلاح»، بدأ الاستعداد لحرب الكرامة والتحرير وذلك بعد حرب يونيو 1967م مباشرة وعلى جميع مستويات القوات المسلحة ومختلف أجهزة الدولة، وحققت المعارك البطولية التى خاضتها قوات الصاعقة نتائج إيجابية كثيرة منها إعادة الثقة فى قواتنا المسلحة وإحداث ارتباك فى صفوف العدو وتكبيده الخسائر، وكان تدريبًا عمليًا يتم الاستفادة من نتائجه للاستمرار فى التدريب الجاد وصولا لأرقى المستويات.
كان شحاتة فى مهمة داخل الأراضى الليبية وتم استدعاؤه قبل ثلاثة أشهر من انتهاء المهمة، وفى شهر سبتمبر 1973 لاحظ تكثيف التدريب للوحدات كافة وفى نهاية هذا الشهر تم إعادة نقل تمركز الكتيبة من الإسكندرية إلى منطقة الزعفرانة بالبحر الأحمر، وأوضح: «كان الجميع يستعد ويتشوق لليوم الذى يسمع فيه وقت إعلان الحرب».
وبعين لامعة وبشموخ الفرسان يتذكر شحاتة أحداث يوم 6 أكتوبر 1973: فى صباح ذلك اليوم المجيد، التقى قائد المجموعة العقيد أ.ح كمال الدين عطية برجال الكتيبة فى تشكيل سرايا القتال وألقى كلمة معنوية أعلن فيها اقتراب ساعة الكفاح والثأر، مؤكدًا اقتراب ساعة الصفر، وفى ظهر يوم العاشر من رمضان تحركت الكتيبة إلى منطقة الإقلاع انتظارًا لوصول الطائرات الهليكوبتر وفى تمام الساعة الواحدة صدرت لنا الأوامر بالإفطار وتم توزيع وجبة ساخنة من الدجاج الرومى وهنا أدركنا أننا دخلنا فعلا فى العد التنازلى لساعة الصفر وقد صمم بعض الأفراد على استكمال الصيام حتى إذا كتب الله لهم الشهادة فإنهم يلاقوا الله تعالى صائمين وقد حاول قائد الكتيبة إقناعنا بأننا فى جهاد وهذا يبيح الإفطار بناء على فتوى الأزهر وحتى يتمكن الفرد من تحمل مشاق القتال، ثم سرعان ما جاءتنا أخبار قيام قواتنا الجوية بتنفيذ الضربة الجوية ضد مواقع وحشود العدو فى سيناء وبدء التمهيد النيرانى للمدفعية ونجاح قواتنا فى اقتحام قناة السويس والوصول للضفة الشرقية للقناة.
ويكمل: فى تمام الساعة الثانية والنصف بعد الظهر توجهت ومعى قوة الطائرة الأولى (21 فردا) للصعود إلى الطائرة والتى أطلقوا عليها اسم الطائرة الانتحارية وقبل صعودى للطائرة وأثناء قيامى بالتلقين النهائى للأفراد وتأكيد المهام ورفع روحهم المعنوية اقترب منى مقدم طويل وعرفنى بنفسه مقدم رجائى عطية من قوة الخدمة الخاصة وكان معه دليل من البدو والذى سيرافقنى فى الطائرة لإرشادى لمنطقة المهمة ويدعى عودة الحرامى.
تابع قائلا: «كانت مهمتنا عمل كمائن خلف خطوط العدو وعرقلة تحركاته بالقرب من مطار أبو رديس بجنوب سيناء، ونفذنا عمليات خلف خطوط العدو أهمها عملية السبت الحزين التى أوقعت بالعدو خسائر فادحة خلال حرب الاستنزاف، حيث دمرنا دبابتين وخمس سيارات لنقل الجنود وأسرنا مجندا إسرائيليا».
واستطرد: وصلتنا تعليمات بضرورة نقل الكتيبة قبل إعلان ساعة الصفر إلى منطقة نائية بالقرب من الزعفرانة ومنطقة الكريمات لتلقى التدريبات هناك، وهذا بالتزامن مع تأكيد رفيق الدرب وأحد أهم أبطال الصاعقة اللواء عبدالرءوف جمعة بأنه تم تسريحه من الجيش هو وعدد كبير من الجنود وهو ما علمنا بعدها أنه كان نوعا من التمويه، وبعد أقل من شهر تمت إعادته هو وباقى زملائه إلى صفوف الكتيبة فى الزعفرانة.
ويوضح: مهمتنا كانت عمل كمين على الطريق السريع لحظة الوصول إلى المكان المحدد، ننتظر حتى مرور قوات العدو فنقطع عليهم الطريق والإشارة هى (الله أكبر) لكى نبدأ فى إطلاق عدد كبير من الرصاص على العدو أو الله أكبر مع ضرب دفعة فى معدات العدو، وهذا ما حدث حينها».
ويستمر فى الحديث: بالفعل تحركنا فى محاور عدة، لكل محور منهم طائرات عدة، وكنت ضمن المجموعة التى توجهت إلى وادى سدرة فى أبو رديس، وبعد أن وصلت فى أول طائرة انتظرت بقية الطائرات، وبعد طول انتظار لم تصل سوى طائرة واحدة فقط، استمر الانتظار لمدة ثلاثة أيام ولم يكن هناك أى تحركات على الطريق الرئيسى وكانت مهمتنا قطعه وعمل كمين عليه».
ويشير إلى مدى تلهف أبطال الصاعقة للاشتباك مع عدوهم، متشوقين للنصر أو الاستشهاد، وإذ هم يراقبون الطريق وبعد انتظار الأبطال للاشتباك مع العدو، فجأة ظهرت من بعيد أنوار وسمع صوت عالٍ يعمه الهرج والمرج، كما يقول: إنها كانت مؤمنة بأكثر من 15 سيارة وأصواتهم مرتفعة جدا كما لو كان يهللون وضحكاتهم ترج المكان والجبال من حولنا وصوت الأغانى توزعه السماعات على ثنايا الجبال فيما يشبه الفرح، ولم يكونوا يعرفون أنهم ذاهبون إلى جحيم رجال الصاعقة المصرية، الذين ينتظرونهم بالأحضان لينتقموا منهم شر انتقام».
ويروى: اتجهت إلى زملائى وقلت بصوت عالٍ صيدا ثمينا.. الخطة كما هى.. كل منكم فى مكانه حتى إشارة الانقضاض عليهم، «الله أكبر مع دفعة فى المليان»، الإشارة تحولت إلى واقع والأبطال حينها كانوا متلهفين للثأر، وبالفعل انهالت النيران على عربات العدو ليشعروا وكأنهم فى جحيم، كان فى مقدمة مجموعة العدو عدد 2 أتوبيس، ويعتقد أن الركاب كانوا على قدر من الأهمية، لذلك قرر قائد المجموعة اللواء مجدى شحاتة ضرب هذه الأتوبيسات أولا، ومع أول صيحة «الله أكبر» انهال وابل من الأعيرة النارية وقذائف الآر بى جى والقنابل اليدوية باتجاه الأتوبيسات وباقى المجموعة، حتى دمرت بشكل كامل خلال دقائق، فقد تم تنفيذ العملية بنجاح، يكمل شحاتة: «سببت العملية مشكلة للعدو وقرر أن يراجع حساباته».
يواصل حديثه: أرسل العدو قوات أجرت مسحا شاملا للمنطقة بحثا عن أبطال الصاعقة المصرية، توصلت إليهم فى صباح اليوم التالى، كان عددنا لا يتجاوز ٤٠ مقاتلا ويحاصرنا العدو بحوالى ٥٠٠ معهم الأدوات القتالية من دبابات ومدفعية وطائرات، ومارس العدو حربا نفسية على الأبطال كى يعلنوا استسلامهم ويأخذونهم أسرى، إلا أن قوة الإيمان والصبر والثبات وعزيمة الرجال جعلتنا نقاتل فى معركة شرسة، تجددت مع إصرار العدو على الثأر، تكبد فى المعركة الثّانية خسائر فادحة، جعلتهم يتراجعون عن الضرب بعد أن استمرت المعركة حتى نفذت ذخيرة الكتيبة، واستشهد جميع جنود المجموعة، لم يتبقَ منهم سوى مجدى شحاتة الذى ظل أكثر من ١٢ يوما فى مطاردة مع العدو بحثا عن أى ناجٍ من الفرقة ينقذه من العدو ولكى تشاء الأقدار أن يحمل هذه الملحمة البطولية للأجيال القادمة.
يروى شحاتة: بعد استشهاد زملائى أصبحت وحيدا وقررت التوجه إلى الشمال للانضمام إلى باقى القوات باتجاه وادى بعبع، وهو المكان الذى يوجد به اللواء عبدالحميد خليفة ومجموعته من كتيبة الصاعقة، وبعد ثلاثة أيام من المطاردة العنيفة وملاحقة قوات العدو لى تقابلت مع عدد من البدو وصفوا لى طريق الوصول إلى وادى بعبع.
انتهت المعركة وعاد البطل مع زملائه والتقى المشير أحمد إسماعيل وزير الدفاع وقتذاك لتكريمهم، وعبر لهم عن امتنانه وتقديره للعمل البطولى الذى قاموا به خلف خطوط العدو لمدة ٧ شهور ساهمت فى رفع رأس كل مصرى وعودة الكرامة للشعب بعد الاحتلال والغدر الذى مارسه العدو.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved