تامر شيخون يكتب: الساعة التي حَرَمَتْنا الأوسكار

آخر تحديث: الخميس 6 أكتوبر 2022 - 4:51 م بتوقيت القاهرة

في مواجهة بين ريتشارد قلب الأسد و صلاح الدين الأيوبي، احتدم النقاش، فَلَوَّحَ الأول للثاني وليته ما فَعَل!

إذ لمعت الساعة الذهبية حول معصمه فانعكس وميضها على الكاميرا حتى لمحه أحد أعضاء لجنة تقييم الأوسكار الذي لفت بدوره انتباه باقي أعضاء اللجنة إلى الخَلَل الجَلَل.

قررت اللجنة بالإجماع استبعاد فيلم "الناصر صلاح الدين" من مسابقة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي عام 1963 وهكذا حُرِمَت مصر من فرصة أول فوز تاريخي بالجائزة.

أسطورة طريفة، انتشرت بتنويعاتها المختلفة كالوباء في عصر ما قبل ثورة الإنترنت.

أما بعد دخول الإنترنت مصر، تطورت الأسطورة إلى نسختها العصرية المواكبة للحقبة الرقمية، إذ انتشر مقطع فيديو على كل وسائل السوشيال ميديا للقطة ليلية داخلية خاطفة من الفيلم يظهر فيها معصم أحد جنود الصليبيين مُطَوَّقَاً بسوارٍ أسود، مصحوباً بتوصيف "المشهد الذي تسبب في خسارة الفيلم جائزة الأوسكار بسبب الساعة".

سردية الفيديو لا تقل سذاجة عن النسخة الأصلية للأسطورة.

أولا، لأن الرباط الأسود في المشهد لا يبدو كساعة يد عصرية حول الساعد. ثانيا، مثل تلك الأخطاء العابرة، لا يخلو منها أعظم الأفلام الكلاسيكية نجاحا ولا يمكن أن تكون سببا "رسميا على الأقل" يُعتَد به في استبعاد فيلم من منافسة الأوسكار.

الأهم، أن فيلم الناصر لم يمثل مصر أصلا في المسابقة!

بل أنه لم يتنافس في أي مسابقة سينمائية عالمية سوى مهرجان موسكو السينمائي، ولم يحصد أو يترشح خلاله لأي جائزة!

ربما كَثُرَ الحديث الآن عن تلك الأسطورة بعدما أثاَرَ امتناع اللجنة المُكَلَّفَة من نقابة المهن السينمائية عن إرسال أي فيلم مصري للتنافس في الأوسكار هذا العام على جائزة "أفضل فيلم عالمي"، أثاَرَ شجون مُحْبِي السينما المصرية فانقلبوا يشكون حظنا العَثِر مع التاريخ وحال السينما المصرية التي كانت يوما سلاحنا الناعم الأقوى تأثيرا.

لنا كل الحق أن نحزن ونقلق على حال الصناعة في مصر وما آلت إليه اقتصاديا وفنيا واستراتيجيا.

أما عن تاريخنا "المُنْعَدِم" مع الأوسكار، فلنا وقفة.

الحق أن مصر لم تُرْسِل فيلما يمثلها في العديد من الأعوام السابقة، بل لم تُرْسِل أي فيلم، آخر عامين تحديدا. إذن، مالجديد؟

منذ نشأة الجائزة عام 1945، أرسلت مصر ما يقارب الثلاثين فيلما "فقط" خلال 77 عاما. لم يصل أيٌ منها إلى القائمة الطويلة "أفضل خمسة عشر فيلما" وعليه لم يصل طبعاً أي فيلم مصري إلى مرحلة القائمة القصيرة "الخمسة أفلام المرشحة للجائزة".

إذن لم تمتلك السينما المصرية حتى في أوج عصرها الذهبي سجلاً قويا مع الأوسكار.

أما عن الأفلام العربية، فقد وصلت إلى القائمة القصيرة مرات معدودة لا تتخطى العشر، كان للجزائر "عادة من خلال إنتاج أوروبي مشترك" نصيب الأسد فيها بخمسة أفلام، تلتها لبنان بفيلمين والأردن بفيلمين.

الفيلم "العربي" الوحيد الذي نجح في حصد الجائزة هو الفيلم الجزائري الفرنسي المُشْتَرَك "Z" عام 1969.

أما آخر الأفلام العربية التي وصلت القائمة القصيرة "كفر نحوم" للمخرجة اللبنانية نادين لبكي عام 2018.

فهل في عَجْزِنا عن المنافسة على الأوسكار، دليلُ انحدار صناعة السينما في مصر وتردي مستواها الفني؟

بمعنى أصح. هل يجب أن ندق ناقوس الخطر بعد قرار اللجنة عدم إرسال فيلم يمثل مصر في الجائزة؟

كي نجب على السؤال بموضوعية، دعنا أولا نتفهم معا طبيعة الجائزة.

الأوسكار ليس مهرجانا سينمائيا عالميا مثل كان وفينسيا وبرلين. بل مسابقة تنظمها منظمة "الأكاديمية الأمريكية للأفلام وعلومها" منذ عام 1922. تمنح من خلالها، الأفلام الأمريكية "المُمَوَّلة من شركات انتاج أمريكية" والمطروحة تجاريا في عروض جماهيرية سينمائية بالسوق الأمريكية جوائز في كل أفرع السينما. يحكم الاختيار آليات صارمة للإقتراع السري من خلال لجان من الخبراء في كافة فروع الصناعة، تُكَلِّفُها الأكاديمية بذلك.أي أن الفعالية أمريكية خالصة بامتياز.

بعد مرور 23 عاما من انشاء المسابقة, أُضِيفَ إليها فرعٌ جديد استثنائي لتكريم الأفلام السينمائية العالمية "غير الناطقة بالإنجليزية"، المُنْتَجَة خارج الولايات المتحدة "جزئيا أو كليا"، بعد طرحها للعرض التجاري مدة أسبوع على الأقل. تُفَوِّض الأكاديمية الدول الراغبة في التقدم، تحديد آليتها الخاصة في تشكيل لجان اختيار الفيلم المُمَثِّل لكل دولة بحيث لا يزيد عدد الأفلام المُرْسَلَة عن فيلم واحد لكل دولة و أن يتم إرسال الفيلم إلى الأكاديمية رسميا قبل موعد التسليم الرسمي الذي تعلنه الأكاديمة كل عام. بعدها تبدأ عملية المفاضلة و الاقتراع السري من خلال اللجنة على مرحلتين.

المرحلة الأولى لإنتقاء القائمة الطويلة ثم الثانية لتصفية القائمة القصيرة وأخيرا الاقتراع على الفيلم الحائز على الجائزة.

فهل حرمتنا لجنة الاختيار المصرية هذا العام شرف المنافسة وفرصة تحقيق إنجاز تاريخي؟ أم جنبتنا فضيحة عالمية مثل فصيحة الساعة "المُتَوَهَمَة"؟

دعنا نفكر في الإجابة اللقاء القادم بإذن الله.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved