صناعات النخيل «ثروة قومية مهدرة».. وأمين صندوق «المهندسين»: الجريد يوفر لمصر 2 مليون دولار سنويا

آخر تحديث: الأربعاء 6 ديسمبر 2017 - 10:39 ص بتوقيت القاهرة

كتبت ــ هدير الحضرى:

اعتاد جاد عبدالمعز منذ سنوات طويلة على استخدام «جريد النخيل» فى محافظة الوادى الجديد بديلا للخشب، ليصنع منه منتجات خشبية بدائية وبسيطة مثل المقاعد والأطباق وبعض قطع الديكورالصغيرة والستائر وغيرها، والتى كان صنعها تقليدا ضروريا لمنزل العروس فى المحافظة. يبلغ جاد من العمر 63 عاما، ومنذ أدرك طبيعة الحياة فى بيئته الواحاتية، وهو يرى أهله يستخدمون عناصر النخيل لإنتاج أدوات بدائية خاصة بالمنزل، وبعد مرور كل هذا الوقت لم تمر مرحلة الصناعة تلك بتطورات كبيرة، فقط تعلم سكان الوادى إضافة خامات بسيطة إلى منتجاتهم البدائية.

ويمتلك جاد الآن ورشة تعمل بها سيدات ينتجن من جريد النخيل والخوص منتجات بدائية معبرة عن تراث الوادى، بعضهن يستخدمن ماكينات محدودة تعمل على تنظيف جريد النخل وتهيئته للتصنيع، وأخريات يصنعن أو يحملن المنتجات لتسويقها فى المحافظات المختلفة.

ويقول جاد لـ«الشروق»: إن تكلفة الخامات رخيصة جدا وهو ما ينعكس على قيمة المنتجات النهائية بخلاف الخشب العادى الذى يتكلف أموالا، ويتوافر الجريد بكثرة وبدلا من حرقه يتم استخدامه، مشيرا إلى أن الناس بدأوا يلتفتوا لقيمته منذ نحو 10 سنوات.

وأضافت حنان السنوسى، 38 عاما، تعمل على صناعة كل احتياجات البيوت من الأوانى وخلافها من عناصر النخيل، أنها تستفيد من 4 أجزاء فى النخلة الواحدة، الخوص الأبيض فى القلب، والمجدولة، والعرجون والليف الموجود حول النخلة.
منذ عدة أعوام، كانت حنان تعتمد فى تسويق منتجاتها على السياحة، وحين توقفت اضطرت هى وبقية السكان إلى التفكير فى تطوير صناعاتهم، حيث تعمدوا تقليل الأسعار وزيادة الإنتاج لتجد منتجاتهم فرصة للتسويق، لكن مع ذلك، لا يزال استخدام النخيل فى الصناعة محدودا جدا، على حد وصفها.

وتضيف: «صناعات النخيل بدأت تنقرض، ففكرنا كيف نحييها مرة أخرى وفى نفس الوقت لا يوجد لدينا وظائف حكومية متوافرة فلا بد أن نعتمد على منتجاتنا».

والخامات البدائية التى تستخدمها حنان فى منتجاتها متوافرة بسهولة، لكنها تعانى من ارتفاع أسعار الإضافات التى بدأت تستخدمها للتجديد، مثل «الخرز والكروشيه والإكسسوارات المختلفة».

هاشم مجدى، مدير إدارة التخطيط والمتابعة فى إحدى شركات تدوير المخلفات الزراعية، يقول لـ«الشروق»، إن النخيل يخرج عنه 3 أنواع من المخلفات وهى «جريد النخل وجذع النخل فى حالة تعرضه للتسوس أو الإهمال، ونوى البلح».
وأضاف أن نوى البلح أصبح الآن سلعة مهمة، وتقوم مطاحن فى الوادى الجديد بفرمه ليدخل فى صناعة الصمغ والورق، أما جريد النخل فتجمعه الشركة وتضعه فى ماكينات فرم بحجم معين تستطيع أن تفرم نحو 2 طن فى اليوم، لتخرجه فى النهاية بحجم 6 سم، وبعد ذلك تستخرج منه وقودا بديلا أو سمادا عضويا.

وأوضح مجدى، أنه إذا أردنا الوقود البديل، فالجريد يفرم مرتين، ثم يتم إرساله لمصنع أسمنت معين، ثم يمر بمرحلة «نخل» لفصل الرمال والأتربة عنه، ثم يدخل مع خلطة الأسمنت فى مصانع الأسمنت لتزويد الطاقة الحرارية، موضحا: «أى حاجة خشب فيها طاقة حرارية وبكده استخدام الجريد بيقلل من استخدام المازوت داخل المصانع بنسبة نحو 20 %».

وأشار إلى أن السماد العضوى يصنع من جريد النخل بعد فرمه إلى 6 سم ويتعرض لعملية ترطيب يومى لمدة 15 يوما، ثم يمر بمكنة تقليم وتقطيع ثم يضاف إليه «روث حيوانى» كمادة عضوية لتحلله، وتضاف مياه له كل 15 يوما لمدة 6 شهور.

وتابع أن استخدام مخلفات النخيل لصناعة الوقود بدأ فى التعرف عليه منذ عام واحد فقط، وهو مجال جديد ولا يزال حتى الآن يمر بتجارب عديدة، معلقا: «التحدى الأساسى إزاى أوصل الجريد للمصنع بعد جمعه ونقله.. النخلة الواحدة بتنزل 20 جريدة أى 120 كيلو ولا يوجد عمالة تستطيع تجميع كل ذلك، لذا تصنع الشركة معدات لتجميع جريد النخل واستخراجه».
يضيف مجدى أن ثروة النخيل مهملة فى مصر، فمثلا يوجد فى الوادى الجديد وحده 2 مليون و200 ألف نخلة، يهدر منها 85 ألف طن سنويا وتلقى على الأرض، فيما يتم استخدام طن أو 2 طن فقط تصنع بهم صناعات بدائية، مضيفا: «الباقى متخزن أو مرمى فى الصحراء أو الناس بتولع فيه.. فى نوفمبر من كل سنة سحابة الدخان تغطى الوادى الجديد وفى مرة النار مسكت فى مزرعة 150 فدانا مزروعة وقضت عليها».

ويرى مجدى أن شركته تحتاج إلى رسوم مقابل عملية تجميع جريد النخيل الذى لا يستطيع الفلاح العادى جمعه أو التخلص منه، والتى وصفها بأنها خدمة شاقة، تحتاج إلى «لوادر وحفارات ومكن»، وهى ذات تكلفة اقتصادية عالية، إضافة إلى تكلفة الروث الحيوانى الذى يضاف إلى الجريد لإنتاج السماد.

طالب مجدى برفع الضرائب عن شركات تدوير المخلفات الزراعية لتسهيل عملها ولتستطيع تحمل التكلفة.
من جانبه، قال أمين الصندوق المساعد فى النقابة العامة للمهندسين عبدالكريم آدم٬ إن النقابة عقدت مؤتمرا لصناعات النخيل خصيصا، وستسلم توصياته إلى الحكومة ممثلة فى وزارات البيئة والاستثمار.

وتابع عبدالكريم فى تصريحات لـ«الشروق»٬ أن مصر تستورد خشب «إم دى إف» بنحو 2 مليون دولار سنويا، فإذا تمت الاستفادة من جريد النخيل وتحويله إلى خشب، ستوفر الدولة الكثير من الأموال، موضحا: «يمكن تصديره أيضا لأن الخشب عليه طلب متزايد.. السعودية مثلا تستهلك 600 ألف طن والسودان 300 ألف طن.. ونحن نستهلك 300 ألف طن».

وأضاف، أنه إذا أولت الدولة اهتماما بالنخيل فى مختلف محافظات الجمهورية واستفادت منه فى الصناعات الغذائية وصناعة الكمبوست والعلف والخشب، ستحدث طفرة فى اقتصادها خاصة أنها تمتلك كل هذه الخامات الطبيعية، مشيرا إلى أنه لا يوجد فى مصر حتى الآن مصنع واحد يعمل على جريد النخيل، لكن هناك مصانع أخرى تعمل على صناعة الخشب من نشارة الخشب والقصب، موضحا أن مكنة فرم جريد النخيل نفسها تكلفتها منخفضة لا تتعدى 30 ألف جنيه.

وأشار إلى أن الصناعات القائمة من الخيل بدائية جدا لا تتناسب مع امتلاك مصر أكثر من 15 مليون نخلة، مضيفا أن تطور صناعات النخيل سيخلق الكثير من المنتجات ذات الجودة العالية والتكلفة المنخفضة فى المحافظات التى يوجد بها النخيل، كما سيحمى البيئة من التخلص الضار منها.

وطالب نقيب مهندسى الوادى الجديد عادل ربوح فى تصريحات لـ«الشروق»، وزيرة الاستثمار سحر نصر بتشجيع الاستثمار الصناعى فى النخيل، ومنح الأرض بالمجان لمن يريد الاستثمار، مضيفا: «اللى هديله الأرض بفلوس وبحق انتفاع ولو نجح وعمل مصنع وشغل ناس، أديله 200 فدان بالمجان يزرعهم نخل ودول يدوب يحفر عليهم بير.. وبعد 5 سنين الخامة تبقى عنده ويشغل مصنع ويبقى عنده احتياطى».

وطالب ربوح نصر، بتوفير منح لجمعيات تنمية المجتمع فى الوادى الجديد، لتطور من عملها فى مجال صناعات النخيل.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved