أحمد عبدالمنعم رمضان: حاولت إعادة تأمل العالم من زوايا مغايرة فى «قطط تعوى وكلاب تموء»

آخر تحديث: الجمعة 7 أبريل 2023 - 7:59 م بتوقيت القاهرة

حوار ــ أسماء سعد

ــ يهمنى حقا أن تكون كتابتى صادقة وحقيقية وتعكس مشاعر الشخصيات دون افتعال
لا يميل للانغماس الكامل فى الواقع، تعكس نصوصه رغبة فى إعادة تأمل العالم من زوايا مغايرة، هو الكاتب القاص والروائى أحمد عبدالمنعم رمضان، والذى حرص فى أحدث إصداراته « قطط تعوى وكلاب تموء»، الصادرة عن دار الشروق، على تشكيل عالم غنى بالقصص والتفاصيل والأفكار الجذابة.

يرى رمضان أن خلق عوالم افتراضية وهمية والانغماس فيها، وعدم الانحسار فى المنظور الواقعى الضيق، يليق تماما بشعور الاغتراب المسيطر على الإنسان حاليا، قبل أن يكشف فى حوار له مع الشروق، عن شديد اعتنائه بدور التفاصيل فى البناء القصصى، ومقدار أهمية صبغ الصدق والحقيقة فى المشاعر التى يعكسها المبدع على نصوصه.

> مجهودك القصصى تراوح بين الخيال الجامح والواقعية الاجتماعية، لماذا استخدمت هذا المزيج؟
ــ أرى أن المساحة بين الواقع والخيال الفانتازى تضم العديد من الأطياف المتباينة والألوان المختلفة من الرؤى والإبداع، ساحة شاسعة تحوى عددا لا نهائيا من أشكال الكتابة، ما بين الواقعية السحرية والأسطورة وكتابة الأحلام والعديد من التنويعات، تعطى للكاتب حرية وأرضا خصبة لإبداعه، وعلى الرغم من أن تلك المساحة بين الواقع والفانتازيا تحمل كل هذه الأشكال، فهى من زاوية أخرى تبدو كمساحة ضيقة جدا، حيث إن الحد الفاصل بين الواقع المعاش وأكثر أشكال الخيال تطرفا بات غائما، لا تكاد تراه، كل شىء بات ممتزجا إلى حد الخلط بين الحلم والحقيقة، الواقع والكابوس، الهذيان وما تراه العين.
وللسببين معا، ضيق المساحة واتساعها فى آنٍ واحد، أميل للكتابة فى هذا الشكل الذى يسمح لى بتناول أفكار ورؤى متعلقة بالحياة اليومية وبنفسى وبالعالم من حولى دون الإغراق فى الواقعية، ويسمح لى بطرح أسئلتى عن الحياة دون الوقوع فى فخ المباشرة.

> استخدام «الحيوانات» فى القصة يحيل القارئ إلى الرمزية، ما هو مقدار أهمية الترميز بالنسبة إليك؟
ــ ليست القصص فى «قطط تعوى وكلاب تموء»، شبيهة بـ (كليلة ودمنة) وكذلك فهى أيضا ليست (مزرعة الحيوان) لجورج أورويل، ولكن الحيوانات فى المجموعة عنصر من عناصر صورة كاملة لحياة باتت أكثر قسوة ووحشية، حياة تتحول إلى غابة مفتوحة، لا يمكن فصل الحيوانات عن هذه الصورة العامة والنظر إليها بشكل منفرد كرمز لشىء بعينه، فالراوى يستقيظ ويخرج من بيته ليجد قرودا تتقافز فى الشارع، وأسدا يطارد إنسانا، وخنازير تلاعب الأطفال، كل هذا يحدث أمام عين الرجل بشكل يكاد يكون حقيقيا، لا يبدو له أو لنا كشىء متخيل أو رمزى.

> بطل قصص مجموعتك وإن اختلف عمره فى بعض القصص، هل له ظل فى الواقع؟ أو يمثل شخصا ما؟
ــ الكتابة بالنسبة لى هى النقيض التام للتمثيل، فالممثل يتخفى وراء صور الشخصيات التى يلعبها والأقنعة االتى يلبسها، بينما يحب الكاتب التعرى، يهتم بإظهار كل ما لديه، كل أفكاره، تفاصيل حياته وجوانب شخصيته، فينفث من روحه فى الشخصيات، يعطيها من أفكاره، يسبغ عليها ملامحه ويغذيها بقصصه، فالكتابة فعل مغرق فى الذاتية والشخصية، حتى وإن بدا غير ذلك.
ولذلك غالبا ما يكون للشخصيات التى أكتب عنها أو على لسانها أصلا فى الواقع وامتدادا فى الخيال، ربما قريب، صديق، رجل قابلته صدفة، وربما أنا. قسمت تلك المجموعة القصصية إلى قسمين، القسم الثانى اسمه، أعتقد أن «قطط تعوى وكلاب تموء» أشبه بمتتالية قصصية، فصوت الراوى يكاد يكون واحدا فى قصص هذا الجزء، وربما نضيف إليها بعض قصص الجزء الأول أيضا، هذا الراوى التائه فى الغابة فيه ظل منى ومن أحلامى وكوابيسى، وجزء متخيل لنفسى فى عالم آخر أو فى حيوات موازية.

> لمسنا تركيزك على حالة الاغتراب وشعور الإنسان بعدم الانتماء للمكان سواء كان غابة أو مدينة؟ هل ترى أن ذلك أقرب ما يكون إلى مرض العصر حاليا؟
ــ هذا العصر ملىء بالأمراض، بشكل مجازى وبشكل حقيقى، من ضمنها هذا الشعور بالاغتراب، لا أدعى أننى أعرف مرض العصر الأول أو الأهم، هل هو القلق أم الاكتئاب أم الاغتراب أم افتقاد القيمة، ولكن هذا الشعور بالاغتراب يصيبنى وكثيرا ما يحاصرنى، كما أننى ألمسه فى كثيرين من حولى، الاغتراب زمانيا أو مكانيا، مما يدفع الناس إلى خلق عوالم افتراضية وهمية والانغماس فيها، ويدفع آخرين لإغلاق دوائر ضيقة حول أنفسهم، لا يخرجون منها ولا يعرفون شيئا عما يدور خارجها، فتحولت المدينة / الغابة إلى دوائر صغيرة متجاورة وملتسقة ولكنها منفصلة، قد يصل قطر بعض تلك الدوائر إلى قطر حجرة النوم أو السرير الشخصى. ولأننى أعتقد أنى شخص عادى يحيا حياة تقليدية بلا غرابة، فأظن أن ما يصيبنى من مشاعر يصيب كثيرين غيرى، ولذا أكتب عنه متأكدا أن ما أشعر به سيدق أبواب الكثير من القلوب.

> قمت بتصميم عالم غرائبى ورسم شخصيات غريبة الأطوار، حدثنا عن ذلك وأهميته فى الاستحواذ على انتباه القارئ؟
ــ لا أميل للانغماس الكامل فى الواقع، فالواقع موجود فى كل لحظة وعلى بعد خطوة واحدة منا، ليس مطلوبا منك سوى أن تفتح باب شقتك لتصبح فى قلب قصة واقعية مفعمة بالحياة. أما الأجواء المختلفة، التى قد تسمى بالغرائبية، فهى تسمح لنا بإعادة تأمل العالم من زاوية أخرى، نرى الأشياء بشكل مغاير وبنظرة أوسع، ومن المفارقة أن العالم قد يبدو أكثر وضوحا من هذه الزاوية (الغرائبية).

> هل تتفق مع الرأى الشائع بأن باقى الفنون الأدبية تراجعت أمام الرواية؟ وهل هناك لون معين تميل إليه أكثر من غيره؟
ــ هذا يتوقف على المقصود بكلمة (التراجع). فالروايات الكلاسيكية التى تعتمد على أساليب السرد التقليدية كانت وما زالت وستظل الأكثر رواجا، لأنها قابلة للوصول إلى أعداد أكبر من القراء، على عكس الروايات التجريبية أو القصص القصيرة أو الشعر، تلك الألوان الفنية التى تتطلب ذائقة خاصة، ذائقة مدربة ومعتادة على هذه الفنون، مثلها مثل الفن التشكيلى والنحت والموسيقى الخالصة، فهذه الأشكال الفنية بطبيعتها تخاطب شرائح أقل من المتلقيين، ولذا فأننى لا أرى أن هذا الرواج النسبى مقياس صالح للحكم على التقدم والتراجع، وأُفضل الحكم على الشكل الفنى من خلاله هو نفسه، عبر النظر إلى تطوره ومواكبته للأزمان، ومن خلال أسئلة مثل: هل ما زال كتابه قادرين على التجديد فيه والوصول إلى مواطن جديدة والتعبير عن رؤى مختلفة، أم أنهم يدورون فى دوائر الماضى دون أن يجدوا لأنفسهم صوتا حقيقيا؟ هذا فى رأيى هو المعيار للحكم على الحالة العامة لأى شكل فنى، وليس صندوق المبيعات الخاضع لحسابات أخرى.
بالنسبة لى فتتراوح كتاباتى بين القصة والنوفيلا والرواية، وأظن أن كل فكرة تراودنى تجتذب الشكل الفنى الأنسب لها، غير أنى بطبيعة الحال محكوم أيضا بتفضيلات وقدرات شخصية، فلا أعتقد أنى سأكتب فى يوم ما رواية ذات كعب عريض مثلا، فهذا لا يبدو مناسبا لى.

> هل ترى أن الاستعانة بأكبر قدر من التفاصيل فى أحدث مؤلفاتك، يكون له قدرة على إدهاش القارئ على الدوام؟
ــ أوصانى القاص الراحل سعيد الكفراوى بالبناء القصصى، وأوصانى أبى باللغة وبالتجديد، وأوصانى أستاذ محمود مدرسى فى الإعدادية بالاهتمام بالتفاصيل، وأوصونى جميعا بالصدق. ما يهمنى حقا أن تكون كتابتى صادقة وحقيقية، أن تعكس مشاعر الشخصيات دون افتعال، دون مبالغة ودون نقصان أيضا، أن أنقل تفاصيل الصورة التى أراها عندما أغمض عينى واستعرضها فى مخيلتى، دون أن أفرط فى التوصيف إلى حد الملل.

> هل ترى أن عالمنا اليوم يشبه فى تفاصيله بعض أجواء المجموعة القصصية، وتحديدا أن يألف الإنسان مشاهد شديدة الغرابة من حوله؟
ــ أقرأ الأخبار والحوادث فى الصحف والمواقع الخبرية، وأتساءل أيهما أكثر غرابة، الواقع أم القصص، لا أعرف، فكثير من الوقائع الحقيقية تصلح للصياغة كقصص توصف بالغرائبية، اختلط العبث بالجد بالمأساة. انتشار تلك الحوادث الغريبة وتكرار هذه الأخبار المخالفة لتصورنا عن الواقع يدفعنا لاعتيادها وتقبلها حتى تصبح مجرد حوادث عادية غير مثيرة للتعجب، ويصير الشاذ عاديا ومقبولا، ولذا أحاول التمسك بنصيحة أوردها الكاتب الأمريكى بول أوستر فى روايته ( فى بلاد الأشياء الأخيرة) عندما نُصح أحد شخصياته بألا يعتاد أى شئ، لأن الاعتياد أمر مهلك، حتى لو كنت تواجه الأمر نفسه للمرة المئة، يجب أن تواجهه وكأنما لم تعرفه البتة من قبل. لا يهم كم من المرات، ينبغى أن تكون على الدوام المرة الأولى. هذا مستحيل، ولكنه القانون المطلق.

> هل يمكن أن تحدثنا عن قادم أعمالك؟
ــ كنت قد بدأت فى كتابة رواية قصيرة منذ عدة سنوات إلا أن الكورونا وما تبعها من أحداث شخصية وعامة عطلانى عن إتمامها، أخطط للعودة إليها من جديد على أمل الوصول لنهايتها خلال هذا العام. تختلف الرواية عن المجموعة القصصية الأخيرة فيما تتناوله من هموم، فإذا كانت (قطط تعوى وكلاب تموء) تعكس بشكل ما الشعور بالاغتراب والانفصال عن الزمن وتأزم الراوى أمام قسوة الحياة وحيوانيتها، فإن الرواية التى أعمل على كتابتها تتناول هموما أكثر عمومية، والراوى فيها يأتى من الجانب الآخر، من قلب الغابة، غير أن الرواية لا يوجد بها حيوانات حقيقية فيها هذه المرة، ربما بشر يشبهون الحيوانات، ولكن بها الكثير من الذباب!.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved