دراسة: «نمو عهد مبارك» لم يمنع انتشار سوء تغذية الأطفال فى مصر

آخر تحديث: السبت 7 نوفمبر 2015 - 11:20 ص بتوقيت القاهرة

إعداد: راندا موسى:

- سوء التغذية يعود إلى ممارسات خاطئة وليس الحرمان فى دولة يعانى شبابها السمنة
شهدت مصر ارتفاعا نسبيا فى معدلات النمو الاقتصادى خلال السنوات الأخيرة من حقبة الرئيس الأسبق، محمد حسنى مبارك، والذى أطاحت به ثورة 25 يناير عام 2011، لكن هذا النمو لم يؤثر على معدل انتشار نقص تغذية الأطفال وخاصة فى صعيد مصر، مقارنة بدول أخرى فى المنطقة حققت نموا مماثلا، وفقا لدراسة حديثة.
لكن سوء التغذية فى مصر لا يعود إلى الأسباب التى قد يتوقعها البعض، كالحرمان ونقص الطعام، بل إلى ممارسات خاطئة، كما كشفت الدراسة الانجليزية.
«نوعية التغذية غير كافية، إضافة إلى ضعف تثقيف الأمهات حول ممارسات التغذية المناسبة لتحسين صحة الأطفال»، أوضحت الدراسة، وهى الأولى من نوعها عن علاقة النمو الاقتصادى بسوء التغذية عند الأطفال.
الدراسة التى أعدها الباحثان المصريان مصباح شرف، أستاذ الاقتصاد المساعد بجامعة ألبرتا فى كندا، وأحمد شكرى رشاد، المحاضر بمدرسة التمويل والإدارة بجامعة ماربورج بألمانيا، استندت فيما توصلت إليه من أن النمو الاقتصادى القوى فى مصر لم يكن كافيا للحد من سوء التغذية لدى الأطفال، إلى عوامل أخرى قالت إنها تسببت فى المشكلة.
«هناك أدلة كثيرة على أن سوء التغذية لدى الأطفال فى مصر ليست فقط مشكلة الحرمان والجوع وانعدام الأمن الغذائى، أولها أنه على اختلاف مستويات الدخل فإن نقص التغذية فى مرحلة الطفولة قاسم مشترك بين مختلف الفئات الاجتماعية والاقتصادية»، توضح الدراسة.
ثانى تلك الأدلة، أن مصر تعتبر دولة متوسطة الدخل، حيث إن نسبة السكان التى تعيش تحت خط الفقر أى ما يعادل دولار واحد يوميا لا تتجاوز 3.5٪، وفقا للدراسة التى أشارت إلى دليل ثالث هو أن مشكلة نقص الوزن بين البالغين «مشكلة بسيطة جدا»، بل أن مصر تمر بمرحلة عالية جدا من معدل السمنة وزيادة الوزن والتى تزيد على 70٪ بين البالغين.
«هذا يعنى أن هناك بعض الأطفال مصابون بسوء التغذية يعيشون تحت سقف واحد مع آباء يعانون من السمنة»، قالت الدراسة.
الدليل الرابع، أن مصر لديها واحد من أكبر برامج الدعم الغذائى، حيث أنفقت الحكومة المصرية نحو 4 مليارات دولار فى دعم المواد الغذائية عام 2008، أى ما يمثل نسبة 2٪ من الناتج المحلى الإجمالى.
الدراسة التى نشرت فى أكتوبر الماضى، اختارت حالة مصر لتقييم أثر النمو الاقتصادى على الأوضاع الاجتماعية التى سبقت الثورة فى مصر والتى نادت بالعدالة الاجتماعية.
وأظهرت نتائج إحصاءات المسح الديموغرافى لعام 2008 أن 70٪ من الرضع تلقى التغذية التكميلية فى الأشهر الستة الأولى، وأن متوسط المدة الزمنية للرضاعة الطبيعية هى 6 أشهر فقط.
وتعتمد التغذية المناسبة للرضع والأطفال الصغار على إدخال المواد الغذائية قبل سن ستة أشهر، مع زيادة تدريجية فى كميات الغذاء، والحفاظ على الرضاعة الطبيعية المتكررة حتى سن سنتين.
وأظهرت البيانات أن 41٪ فقط من الأطفال، تلقى الحد الأدنى من المتطلبات المناسبة لتغذية الأطفال والرضع. بالإضافة إلى أن ثلث الأطفال بين سن 6ــ8 أشهر لا تقدم لهم أى أطعمة أخرى بجانب حليب الأم، وغالبية الأطفال لا يأكلون أى أغذية أخرى غنية بالفيتامينات.
وبشكل عام، هناك علاقة متبادلة بين النمو الاقتصادى وسوء التغذية، حيث إن الفقر وانعدام الأمن الغذائى يمكن أن يؤدى إلى سوء التغذية، وسوء تغذية الطفل بدوره له عواقب على الأجيال المتعاقبة التى قد تبطئ معدلات النمو الاقتصادى.
كذلك، يمكن أن يساعد النمو الاقتصادى فى الحد من سوء تغذية لدى الأطفال من خلال زيادة فرص العمل، وزيادة مستويات الدخل والثروة، التى تعمل على توفير الأمن الغذائى الأسرى، وتحسين التغذية والرعاية الصحية، إضافة إلى تحسين تعليم الأمهات.
النمو الاقتصادى أيضا يعمل على توسعة القاعدة الضريبية ويزيد من الإيرادات العامة، والتى تتيح بدورها زيادة الإنفاق العام على الصحة والرعاية الاجتماعية، مثل الإنفاق على البطاقة التموينية. ويمكن أن يستفيد من الأفراد وإن كان بشكل غير مباشر من خلال زيادة الإنفاق العام على البنية التحتية مثل الطرق والمدارس والمستشفيات.
يذكر أن تحليلا لمؤشرات الدول صدر عن البنك الدولى، أشار إلى أنه غالبا ما ترتبط فترات انخفاض النمو الاقتصادى بسوء التغذية لدى الأطفال، وأوضح أن النمو الاقتصادى شرط ضرورى لمكافحة سوء التغذية لدى الأطفال.
لكن الدراسة أثبتت أن هذا ليس شرطا كافيا فى حد ذاته، فاختلاف النتائج فى الحالة المصرية التى أظهرت أن الخصائص على مستوى الأسرة، أكثر أهمية من الأوضاع الاقتصادية الكلية لتفسير معدلات سوء التغذية.
ووفقا لصندوق الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) فإن انتشار نقص التغذية مرتفع بشكل خاص فى مصر، حيث يوجد أكبر عدد من الأطفال يعانون من ضعف النمو فى الشرق الأوسط، نحو 2.7 مليون طفل.
وتقدر التكلفة الاقتصادية والاجتماعية لسوء التغذية فى مصر بـ20.3 مليار جنيه مصرى أى ما يعادل نحو 2٪ من الناتج المحلى الإجمالى المصرى، وفق بيانات مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار عام 2013.
يذكر أن الدراسة ركزت على الفترة ما بين 1992 و2008، حيث تشير الإحصاءات إلى أنه فى العقود الثلاثة الماضية تنامى الاقتصاد المصرى باستثناء بعض الانتكاسات السلبية.
ونما الناتج المحلى الإجمالى الحقيقى للفرد الواحد من 895 دولارا فى 1992 إلى 1456 دولارا فى عام 2008. وفى عام 2004، أطلقت الحكومة المصرية برنامجا للإصلاح الاقتصادى لتحفيز النمو من خلال تبسيط الإجراءات البيروقراطية والروتينية. وتنفيذ الإصلاحات الضريبية التى خفضت معدلات التهرب الضريبى وعملت على سهولة الوصول إلى العملة الأجنبية، بالإضافة إلى السياسات الإصلاحية التى عملت على تشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية المباشرة بشكل ملحوظ.
علاوة على ذلك، أدى ازدهار النفط فى المنطقة إلى زيادة تدفق التحويلات، إلى جانب انتعاش السياحة، وتدفق رءوس الأموال من منطقة الخليج. إلى قفزات فى معدلات النمو، فارتفع الناتج المحلى الإجمالى إلى 7.1٪ و7.2٪ فى عامى 2007 و2008 على التوالى وفق إحصاءات البنك الدولى عام 2007.
وتصنف منظمة الصحة العالمية درجات سوء تغذية الطفل إلى أربعة مستويات: منخفضة، ومتوسطة، وعالية، وعالية جدا. وصنفت فى مصر «عالية»، حيث يوجد فى مصر أكبر عدد من الأطفال الذين تأخروا فى النمو.
ويمكن إرجاع ذلك إلى التحول العالمى نحو الوجبات السريعة، وارتفاع نسب النشويات والدهون والسكريات، وبالتالى قد تكون الوجبات السريعة هى المكون الرئيسى للأغذية التكميلية، إضافة إلى ما أظهرته نتائج إحصائيات المسح الديموغرافى للصحة من زيادة استهلاك العصائر الصناعية والشاى الأسود من قبل الأطفال.
وأخيرا، خلُصت الدراسة إلى أنه هناك العديد من الخصائص للطفل وعلى مستوى الأسرة تفسر معدلات سوء التغذية فى مصر، أكثر أهمية من الأوضاع الاقتصادية الكلية مثل: عمر الطفل، ونوعه، وفترة ولادته، وإن كان توأما أم لا، وتعليم الوالدين، والأوضاع الاقتصادية الأسرية.
وأوضحت أن غالبية النتائج أظهرت أن الوضع الاقتصادى للأسر المعيشية أكثر أهمية من مستويات الرفاهية فى الدولة، فلم تُشر العديد من النتائج إلى أن الدخل المرتفع يؤدى إلى وضع أفضل فى تغذية الأطفال فى مصر، بالإضافة إلى ذلك فهناك حاجة إلى دراسة تأثير المعايير الثقافية على نقص التغذية فى مصر.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved