د. محمد أبو الغار يستعرض كتاب خريطة عودتي.. مذكرات فلسطيني (1-2)

آخر تحديث: الأحد 9 نوفمبر 2025 - 5:43 م بتوقيت القاهرة

- آلام النكبة وآمال العودة.. كما يرويها الكاتب الفلسطيني سلمان أبو ستة

-يحكي قصة بطولة اللواء أحمد فؤاد صادق الذي رفض الانسحاب أمام إسرائيل لأن:" شرفه العسكري يقضي بألا ينسحب في هذه اللحظة".. وخاض اللواء فؤاد معركة رهيبة استمرت ٤٨ ساعة، قُتل فيها الجنرال الروسي قائد القوة الإسرائيلية، واضطرت القوات للانسحاب تاركين قتلاهم وأسلحتهم.

- لاأنقذ اللواء فؤاد وقواته احتلال غزة وخان يونس.. وتم تكريمه هو ومقاتلوه في القاهرة.

-  الكتاب يضم فصلا كاملا عن اللاجئين والمأساة الكبرى في حياتهم.. والخيام التي يعيشون فيها

- في منتصف الثلاثينيات سمحت بريطانيا بهجرة يهودية ضخمة إلى فلسطين وأصبح تعدادهم 30% من السكان

- يتحدث المؤلف بالتفصيل الدقيق عن معركة بير سبع والدفاع البطولي عنها أمام قوات ضخمة ودبابات.

- عاشت القوات المصرية مع فلاحى الفالوجة أثناء الحصار..وكانت الفلاحات الفلسطينيات يخبزن العيش للمصريين..وطوال الوقت يقذف الإسرائيليون القنابل عليهن لكنهم رفضوا الاستسلام.

«خريطة عودتي.. مذكرات فلسطيني» كتاب من تأليف سلمان أبو ستة، صدر من نيويورك عام 2016، وصدر حديثًا عن الجامعة الأمريكية في القاهرة في أكتوبر 2025. ووصف إدوارد سعيد الكاتب بأنه مهندس وعالم متميز وغير عادي. المؤلف وُلد في نهاية عام 1937، وأصبح لاجئًا وعمره عشر سنوات.

عائلة أبو ستة تعيش في قرية المعن القريبة من مدينة بئر سبع، وهي عائلة غنية تملك مساحة كبيرة من الأراضي الزراعية، وكانت حركة الوالد ومساعده الزير بين خان يونس وبئر سبع وغزة ودير البلح مستمرة، ويحكي عن طفولته السعيدة في مزارع أبيه. وكان يعمل لدى العائلة لعدة أجيال 30 إفريقيًا، لا أحد يعرف كيف انتقلوا إلى فلسطين، وكانوا يرعون البقر والماعز والخيول التي تملكها العائلة.

وفي الصيف كانت العائلة تذهب إلى التصييف في بيتهم بدير البلح على البحر الذي امتلكه جدهم الأكبر منذ عام 1840، وكان أبوه يملك أرضًا في مناطق بعيدة، وأيضًا في مصر، وقام ببناء أول مدرسة في القرية عام 1920، وكان يدفع أجر المدرسين.

التعليم هو الذي أحضرك هنا من بريطانيا لتحكمنا

وكان إخوته الكبار يدرسون في القدس حتى حصلوا على شهادة نهاية الدراسة الثانوية، وكانت الامتحانات تأتي من لندن. والدراسة تحت الانتداب البريطاني كانت تحوي التاريخ الروماني والأدب البريطاني وأعمال شكسبير، ثم كتب دانتي، ولم ندرس شيئًا عن تاريخ فلسطين وتاريخ العرب.

وحرصت بريطانيا على أن يستمع الناس إلى الإذاعة البريطانية، فقامت بتوصيل سلك، وأحضرت صندوقًا يمكنهم من سماع الإذاعة البريطانية من القدس وقبرص. وطلب أبوه من القائد البريطاني توصية حتى يدرس أبناؤه في أكسفورد أو كامبريدج، فأجاب الإنجليزي: لماذا يتعلمون هناك؟ ألن يصبحوا شيوخًا في المنطقة يرثون مكانك؟ فرد الأب: «إن التعليم هو الذي أحضرك هنا من بريطانيا لتحكمنا».

وُلد أبوه عام 1880 وعلّم نفسه بنفسه حتى أصبح يجيد القراءة والكتابة، وكان يقرأ طه حسين والعقاد. وهو طفل كان يسمع عن عرابي وثورته على الخديو توفيق وسيطرة الأتراك، ويتحدث عن العلاقة الوثيقة بين مصر وجنوب فلسطين. شيوخ غزة تعلموا في الأزهر، وعائلة الطحاوي هربت إلى فلسطين بعد خلاف مع الخديو عباس، وعادت بعد تغيير النظام.

زار مصر للمرة الأولى عام 1908 وانبهر بها، ويحكي أنه كان يجلس على القهوة في ميدان الأوبرا أمام تمثال إبراهيم باشا يقرأ الأهرام، وأصبح شيخ المنطقة وأحد زعماء قبيلة الترابين الممتدة من فلسطين وغزة وسيناء إلى محافظة الشرقية والبحر الأحمر ووصلت حتى البساتين بالقرب من المعادي.

ذهب كاتبنا إلى مدرسة داخلية في بئر سبع وعمره 8 سنوات، وما زال يذكر تفاصيل المكان بدقة. وحين عاش في بريطانيا والتحق بالجمعية الجغرافية البريطانية وجد خرائط ألمانية عن جنوب فلسطين عليها اسم جده أبو ستة في المنطقة التي كانوا يملكونها في أوائل القرن العشرين.

مع بداية القرن العشرين ظهرت أوروبا مرة أخرى في المنطقة بجيوشها الحديثة واحتلت المنطقة العربية، وكانت بريطانيا وأصدقاؤها من الصهاينة هما اللذان قاما باحتلال فلسطين وتسهيل إقامة دولة إسرائيل. ومنذ وصولهم إلى فلسطين لم تشهد المنطقة لحظة سلام واحدة.

وفي 15 نوفمبر 1914، وبناءً على الاتفاق مع الأتراك، قام 1500 فارس من بئر سبع بمهاجمة الإنجليز في معركة غير متكافئة من حيث الأسلحة، وقتل قائد الترابين عم والد الكاتب الذي كان من بين الفرسان المقاتلين.

تفاصيل خطة تأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين

وفي عام 1917 وضع الجيش البريطاني أول قاعدة عسكرية صغيرة عبرت من مصر إلى خان يونس. ويحكي عن تفاصيل هزيمة الجيش التركي بعد أن فشل الجيش البريطاني مرتين في دخول غزة. ودخل الجيش البريطاني بكتيبة أسترالية إلى بئر سبع في 31 أكتوبر 1917، وقد استطاعت القوات الأسترالية الاستيلاء على جنوب فلسطين وهزيمة الأتراك عن طريق الجاسوس العظيم الأب أنطون جاسون، المعروف عند العرب باسم القسيس ذي الحزام الأبيض، الذي طاف المنطقة لعدة سنوات وعرف كل حجر فيها، وبمساعدته وبمعونة الشيخ فريح أبو مدين، الذي اتفق مع باركر، مسئول المخابرات البريطانية في سيناء، استطاعوا الوصول بسهولة إلى بئر سبع وهزيمة الأتراك وسيطرة بريطانيا على كامل فلسطين.

وبعدها بيومين أعلن بلفور، وزير خارجية بريطانيا، في خطاب إلى زعماء الصهاينة أن بريطانيا سوف تساعد في إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين. وأصبحت فلسطين تحت حكم مدني بريطاني عن طريق المندوب السامي هربرت صامويل ذي الميول الصهيونية، الذي سهّل هجرة اليهود الأوروبيين إلى فلسطين، وخلال السنوات 1920 - 1925 كانت الهجرة الكبيرة من اليهود.

وصدر القانون الذي صاغه صامويل بفصل التعليم والبنوك والمصالح الحكومية والطاقة والخدمات الاجتماعية بين اليهود والفلسطينيين، وتسهيل الاستيلاء على الأراضي والسماح بتكوين وحدات مسلحة لليهود، وكل ذلك ضد رغبة أغلبية السكان من الفلسطينيين (90%)، وحدث أول صدام مع المهاجرين اليهود الروس في يافا عام 1921، وسمح الإنجليز لليهود بأن يفعلوا ما يريدون.

وفي عام 1921، بعد مؤتمر القاهرة، سافر تشرشل إلى القدس والتقى بزعماء الفلسطينيين ومنهم والد المؤلف، وكان والده مع الشيخ أبو مدين. وعندما سأل سلمان كاتبنا والده في آخر لقاء في عمان عام 1968 عن مقابلة تشرشل، أجاب بأن والده مع الشيخ فريح أبو مدين كانا في بلكونة قصر الحكومة في القدس ممثلين لجنوب فلسطين، فقال تشرشل: «السلام والأمن في أيديكم وليس في أيدي الإنجليز». وسأله: هل وعدكم بشيء؟ فقال: نعم، حكومتنا تعترف بقوانينكم وعاداتكم وحريتكم وتحافظ على أملاككم. وفي الواقع لم يصدر تشرشل في أي شيء.

ومع ذلك، وفي منتصف الثلاثينيات، سمحت بريطانيا بهجرة يهودية ضخمة إلى فلسطين وأصبح تعدادهم 30% من السكان. واتفق على أن يكون الحاج أمين الحسيني هو قائد فلسطين السياسي، واشتعلت الثورة الفلسطينية ضد الإنجليز، ولعبت بئر سبع دورًا كبيرًا فيها. وتم تحرير بئر سبع لمدة عام من حكم الإنجليز.

وقابل المؤلف بعد سنوات عبد الله قائد الثوار الذي أطلعه على تفاصيل الثورة. وبعد بحث طويل وجد المؤلف في بريطانيا عام 1991 الضابط البريطاني الشاب بيل، الذي كان في بئر سبع أثناء الثورة، وحكى له التفاصيل الكاملة لأحداث ذلك الوقت. ودعاه المؤلف إلى شقته في لندن، واستغرب عندما عرف منه أن تذكرة قطاره تم شراؤها بعد فترة الزحام لتكون رخيصة، واستغرب أن هذا البريطاني، الذي أصبح سكرتير عام الحكومة السودانية والممثل السياسي البريطاني في الكويت والحاكم العام لنيجيريا في سجله الوظيفي، لا يستطيع ركوب القطار إلا بتذكرة رخيصة، وقال: لو كان هو من بلادنا العربية وتولى هذه المناصب الهامة لأصبح من كبار الأغنياء.

ويتحدث عن رسول الملك عبد العزيز آل سعود إلى فلسطين ومقابلته للشيخ حسين والد المؤلف، ثم زيارة الملك للقاهرة ومقابلة روزفلت رئيس أمريكا على باخرة أمريكية في قناة السويس.

وبعد انتهاء الحرب بدأ هجوم الصهاينة على القرى الفلسطينية يشتد ويزيد، وأقاموا نقطة على بعد 20 كم من قريتهم، وحاولوا اغتيال الأب. ويذكر حكاية أخيه الذي ركب سيارة نقل مع اثنين متطوعين للدفاع عن فلسطين: د. طاهر الخطيب من القدس، والملازم عبد المنعم النجار الضابط المصري المتطوع، والسيارة الثالثة كان بها ثلاثة ألمان متطوعين قادمين من القاهرة. وحدثت معركة مع الصهاينة الذين أغلقوا الطريق. ويقول الكاتب: إن المتطوعين الألمان أنقذوا الموقف، ولو كنا مدربين مثلهم لكنا أنقذنا فلسطين.

 

 النكبة .. والأسلحة القديمة البالية

بدأت الأخبار من الشمال بأن اليهود يستولون على البيوت والقرى ويطردون السكان، وبدأ الأمر يصل إلى الجنوب، وحدثت معارك تقترب من بئر سبع، وسمع الجميع عن المذابح التي حدثت في القرى، والقتل المريع، ومقتل قائد المقاومة عبد القادر الحسيني. وكان الصهاينة يمتلكون دبابات وعربات مصفحة ومسلحة حديثة، بينما كان لدى الفلسطينيين أسلحة قديمة بالية. وهاجم اليهود قريتنا في ٨ و١٢ مايو.
يصف الكاتب تفاصيل الهجوم على القرى الفلسطينية، ويحكي حكايات بالأسماء والمآسي والبطولات التي حدثت.

وقال الأب للإخوة موسى وحامد أن يعودا إلى الجامعة في القاهرة ويأخذا معهما الأخ الصغير (وهو المؤلف)، وقال: ركبنا إلى خان يونس، وألقينا نظرة أخيرة على أماكن طفولتنا وبيتنا وأرضنا، ومشينا على الأقدام إلى محطة قطار رفح التي كانت مزدحمة. وركبنا القطار إلى العريش، وسألنا ضابط صغير عن الأوراق، ولم يكن معنا شيء، فقال إنه سوف يسلمنا للشرطة في العريش، وحدث ذلك. وكان الضابط سوف يضعنا في الحبس لولا تدخل شخص سأل عن اسم العائلة، وقال للضابط إنها عائلة محترمة، اتركهم وسوف يحضرون في الصباح. وفعلاً ركبنا في الصباح قطار المساجين المغلق وسط مجموعة من المجرمين، وفي القنطرة وُضعنا في السجن، وفي اليوم التالي ركبنا القطار إلى القاهرة. كانت الرحلة مرعبة، ويحكيها الكاتب بتفاصيل دقيقة، وفي باب الحديد تم تسليمنا إلى مديرية الأمن، حيث أخرجوا أوراقًا تثبت أننا طلبة في الجامعة، وتم الإفراج عنا بعد مغامرات.

وفي شقة إخوتنا التقينا جميعًا، وبدأنا نتحدث عن المساعدة المالية من مؤجر أرض العائلة في مصر، وساهمنا في تكوين اتحاد الطلاب الفلسطينيين. وزارنا في الشقة شاب نشيط حذرنا من التجسس علينا، وكان اسمه ياسر عرفات. وخلال أسابيع سقطت فلسطين، وحضر مئات الطلاب إلى مصر.

 

 حرب ١٩٤٨ مع الجيوش العربية

تم توقيع معاهدة بين القوات الإسرائيلية والقوات العربية من ١٨ يوليو إلى ١٥ أكتوبر، وصدر قرار بتقسيم الأمم المتحدة، وكانت القوات العربية قد دخلت فلسطين لمساندة الفلسطينيين.

قرر الأب أن يعود الابن لاستكمال الدراسة في خان يونس، وكانت المدينة تمتلئ بالهاربين من الميليشيات الإسرائيلية والأسر التي انفصل أفرادها عن بعض. وبدأ الإسرائيليون في استخدام الطائرات، لكن دون خسائر، رغم أنها كانت مرعبة.

وفي الأسبوع الأخير من أكتوبر ١٩٤٨ سقطت بئر سبع، وانسحبت القوات المصرية بقيادة اللواء المواوي إلى غزة، وخرج سكان ٢٥٠ قرية فلسطينية إلى غزة، وبدأت الغارات الجوية مرة أخرى، وسمعت حكايات عن أهوال كان الغرض منها إرهاب الفلسطينيين، ووصل الصليب الأحمر لتوزيع الغذاء، وأُلقيت قنابل قتلت المئات.

وقررت أخت المؤلف الصغرى أن يهربا سويًا إلى العريش، حيث تقيم الأم مع ابنتها المتزوجة وأولادها، وذهبا مشيًا على الأقدام في رحلة مرعبة وسط آلاف اللاجئين حتى التم شمل العائلة. وعلم الأخ والأب بما حدث، فأرسل صديقه المصري الشيخ عبدالله، الذي كان يعبر الحدود دون مشاكل، حيث أحضره إلى مصر ليكمل تعليمه، ويعيش عشر سنوات، ولكن فلسطين كانت دائمًا في باله وفكره.

بطولة اللواء المصري أحمد فؤاد صادق

وفي الإجازة الصيفية عام ١٩٤٩ أخذ القطار إلى غزة ليرى أمه وأخواته البنات، واستمع إلى الحكايات والأحداث ومحاولات الإسرائيليين الهجوم على العريش.

قامت قيادة الجيش المصري بتغيير اللواء المواوي، وتولى القيادة اللواء أحمد فؤاد صادق، الذي قاد قوة صغيرة وأقل تسليحًا من الإسرائيليين في معركة غير متكافئة من حيث عدد القوات ونوع التسليح.

وتلقى اللواء صادق أوامر من القاهرة بالانسحاب، وكانت المعركة على وشك أن تبدأ، فأجاب أن شرفه العسكري يقضي بألا ينسحب في هذه اللحظة. وخاض اللواء فؤاد معركة رهيبة استمرت ٤٨ ساعة، قُتل فيها الجنرال الروسي قائد القوة الإسرائيلية، واضطرت القوات للانسحاب تاركين قتلاهم وأسلحتهم. وكما يقول المؤلف: وهكذا أنقذ اللواء فؤاد وقواته احتلال غزة وخان يونس. وتم تكريمه هو ومقاتلوه في القاهرة، وأُعلن بعدها بن جوريون قيام دولة إسرائيل.


 اللاجئون والمأساة الكبرى

هناك فصل كامل عن اللاجئين والمأساة الكبرى في حياتهم، والخيام التي يعيشون فيها، والمشاكل العنيفة والصعبة. ويتذكر المؤلف "مستر مارشال" الأمريكي، المسؤول عن اللاجئين، وعن آدميته ومحاولته إنقاذ ما يمكن إنقاذه. ويقول المؤلف إنه بعد خمسين عامًا بحث عنه أثناء رحلة للولايات المتحدة وعثر على رقم هاتفه واتصل به، فقالت زوجته إنه في واشنطن، ولما اتصل ثانية رد عليه، فقال له المؤلف بالنيابة عن الفلسطينيين: «أود أن أشكرك على إنسانيتك»، وأخبره أنه كان طفلًا عمره عشر سنوات من عائلة "أبوستة".

فقال مستر مارشال: «أتذكر اسم العائلة»، ثم أضاف: «كنت أقابل نائبًا في الكونجرس في واشنطن لأحدثه عن غزة وضرورة المساعدة الإنسانية، لأن المأساة عظيمة وتحتاج إلى تدخل».

يوضح ذلك اهتمام الكاتب بجمع معلومات من أفراد شاهدهم منذ نصف قرن، وأن الإنسانية ليس لها دين ولا جنسية.

ويتذكر الكاتب أنه في عام 1945 كانت هناك قنصليتان عربيتان في القدس، المصرية والسعودية، وأن الشيخ حسين والد المؤلف أقام مأدبة غداء لـ200 فرد على شرف القنصل السعودي. كما يذكر زيارة "كيرميت روزفلت" من المخابرات المركزية الأمريكية لوالده، لكنه وجد أخاه فقط وكتب تقريرًا في صالح فلسطين.

ويذكر طفولته وهم يقذفون – كتلاميذ صغار – الأحجار على الجنود الإنجليز، وأنه تحدث مع ضابط بريطاني لم يبدِ اهتمامًا بإلقاء الأحجار على الإنجليز، وقال للمؤلف حين كان طفلًا إنه كان يفعل ذلك، وإنه أيرلندي، ثم أعطاه قطعة شوكولاتة.

بدأ الشباب الفلسطينيون في جمع الأسلحة ومحاولة إيقاف الصهاينة، ولكن الإنجليز كانوا في صف الصهاينة بقوة.

وقد أثارت مذبحة دير ياسين غضب وثورة الفلسطينيين، وأصبح الشيخ أمين الحسيني في القاهرة هو رئيس الهيئة الوطنية الفلسطينية، واللواء سليمان عبد الواحد المصري معينًا من جامعة الدول العربية قائدًا للقوات. وكانت الأسلحة المصرية قليلة وكفاءتها محدودة.

ويحكي المؤلف بالتفصيل الدقيق معركة بير سبع والدفاع البطولي عنها أمام قوات ضخمة ودبابات.

القوات العربية التي اشتركت في حرب فلسطين كانت كالتالي: 700 مقاتل من لبنان وصلوا إلى 1000 مقاتل، ولم يكن لهم تأثير في القتال، والقوات السورية 2000 مقاتل فشلوا في مهمة الاستيلاء على مستوطنتين جنوب الطبرية، و2500 مقاتل مدرب جيدًا من العراق كان يمكنهم بسهولة الدفاع عن جنين، لكنهم خسروا القرى المجاورة، ولم يقاتلوا بسبب الجملة الشهيرة: «ماكو أوامر» من القيادة في بغداد.

أما القوات الأردنية، وعددها 4500 مقاتل مدرب بقيادة بريطانية، فقد دافعوا ببسالة عن القدس الشرقية ومنعوا الاحتلال.
الجانب الأكبر كان من القوات المصرية التي بدأت بـ2500 مقاتل وارتفع العدد إلى 28500، وخسر اللواء المواوي قائد القوات الجزء الأكبر من فلسطين، واستطاع اللواء أحمد فؤاد صادق ببسالة إنقاذ قطاع غزة وسيناء والعريش بعد أن تولى القيادة في المرحلة الأخيرة.

وشارك في الحرب أيضًا 1109 سعوديين، و1675 سودانيًا، و4410 متطوعين خارج الجيوش الرسمية.

 

علاقة الكاتب بالثقافة والتاريخ بدأت بأنه كان يدفع مصروفه إلى بائع كتب قديمة في القاهرة، ويستعير الكتب ويعيدها مرة أخرى، فقرأ الأدب العالمي مترجمًا للعربية، وقرأ لطه حسين والعقاد والمازني وسيد قطب وخالد محمد خالد وآخرين.

وحكى له الشيخ محمد عوض – وكان عمدة قرية الفالوجة الصغيرة التي تبعد 30 كيلومترًا شمال غزة وقد فصله الإنجليز أيام الانتداب البريطاني لنشاطه الوطني – وكان صديقًا لوالد الكاتب، وقال إن الجيش الإسرائيلي بدأ يستولي على بير سبع وهاجموا غزة وحاصروا بقوات ضخمة قوة مصرية صغيرة في الفالوجة، وعاشت القوات المصرية مع فلاحى الفالوجة أثناء الحصار، وكانت الفلاحات الفلسطينيات يخبزن العيش للمصريين، وطوال الوقت يقذف الإسرائيليون القنابل عليهن لكنهم رفضوا الاستسلام.

وكان قائد المجموعة المصرية سيد طه، ضابط مصري من أصل سوداني، ولقب بـ"النمر الأسود"، وكان مساعده ضابط يدعى جمال عبد الناصر. وبعد إعلان الهدنة الثانية خرجت القوات المصرية بشرف وبأسلحتها، وودعها بالدموع أهل الفالوجة، ودخلت إسرائيل بعد خروج الجيش المصري، وانقضوا على الفلاحين الفلسطينيين وأخرجوهم من ديارهم.

وعاد عبد الناصر إلى القاهرة، قائلًا: «إن المعركة ليست في فلسطين وإنما في القاهرة».

ويقول الكاتب: «إن نفس الشيء حدث عام 1917 عند هزيمة الأتراك في بير سبع أمام الإنجليز»، فقال قائد الجيش التركي في سيناء مصطفى كمال أتاتورك ومساعده عصمت إينونو: «إن المعركة في إسطنبول، وليست في فلسطين».

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved