أبو الغيط: الأزمات في المنطقة العربية جذبت أطرافا دولية وإقليمية تُسهم في استمرارها
آخر تحديث: الأربعاء 8 فبراير 2023 - 11:23 ص بتوقيت القاهرة
ليلى محمد
أكد الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، أنه لديه اقتناع راسخ بأن المؤسسة العسكرية الناجحة هي تلك التي تفتح أبوابها للخبرات من كل اتجاه، مشيرا إلى أن العسكرية، أبعد وأعمق من التخصص في الحروب والأمن، فهي تبني على خبراتٍ من كافة المجالات والأنشطة الإنسانية، مستفيدةً من كافة الرؤى والأفكار.
واستعرض أبو الغيط، خلال كلمة ألقاها اليوم الأربعاء، أمام كلية الدفاع الوطني بسلطنة عُمان تحت عنوان "المتغيرات الإقليمية والدولية وأثرها على العمل العربي المشترك"، قراءته للوضع العالمي عبر 4 نقاط، في مقدمتها ولوج عصر الأزمة الممتدة أو المستمرة.
وأوضح أن الأزمة الممتدة يعني بها ما نواجهه اليوم على الصعيد العالمي ليس أزمة واحدة، ولا حتى عدة أزمات متداخلة، وإنما عدداً من الأزمات المستمرة أو المستديمة، والتي وصفها البعض بالإنجليزية باستخدام تعبير Permacrisis. ويعني ذلك أن الأزمة لا تصير حدثاً طارئاً يجري تجاوزه، وإنما واقعاً مستمراً يتعين التعايش معه والتعامل مع تبعاته.
وتابع: "لقد عبر العالم من قبل أزماتٍ اقتصادية خطيرة، مثل الأزمة العالمية في 2008 و2009. وأزمات جيوسياسية تُهدد الأمن والاستقرار، مثل الحرب على الإرهاب، ولكن هذه هي المرة الأولى منذ عقودٍ طويلة، التي يُعاني فيها العالم كله تقريباً من عددٍ من الأزمات المتلاحقة المتداخلة، سواء على صعيد الصحة أو المناخ، أو الاقتصاد العالمي أو الأمن. ومضى قائلا: "والأخطر أن تلك الأزمات لا يُنتظر لها حلٌ سريع أو مخرجٌ عاجل، بل صفتها الرئيسية هي الاستمرارية لفتراتٍ طويلة، مع تبعات ممتدة وعميقة الأثر".
أما عن النقطة الثانية فتمثلت في استمرار الأزمة الأوكرانية واحتمال تزايد مخاطرها، قائلا إن الحرب الروسية- الأوكرانية، التي توشك أن تدخل عامها الثاني، ليست مرشحة لحسمٍ قريب من وجهة نظري، ذلك أن سقف المطالب الأوكرانية، والغربية في واقع الأمر، ليس مقبولاً من موسكو، وكل طرفٍ لديه تصور بإمكانية إحراز وضع أفضل من خلال العمل العسكري.
وأشار أبو الغيط إلى أن النقطة الثالثة هي الأزمة الجيوسياسية الراهنة، موضحا أن "الناظر لقدر الاضطراب الذي أثارته الحرب الروسية الأوكرانية في الشبكة العالمية باتساعها، لابد أن يتحسب بصورة أكبر من أزمة أشد تعقيداً وتركيباً تتمثل في المنافسة، التي دخلت مرحلة أقرب إلى الحرب الباردة، بين قطبي العالم اليوم: الولايات المتحدة والصين. أقول يتحسب بصورة أكبر، لأننا نتحدث هنا عن القوتين الاقتصاديتين الأهم والأكبر والأكثر تأثيراً في الاقتصاد العالمي، والسنوات الأخيرة تمنحنا تصوراً مخففاً لما يمكن أن يُفضي إليه الصراع بين هاتين القوتين من اضطرابات ومخاطر لن ينجو منها أي مجتمع، ولن تكون أي دولة بعيدة عن آثارها".
أما فيما يخص النقطة الرابعة فقد طرح أبو الغيط سؤالا:" هو هل فشل النظام العالمي؟، مجيبا أن النظام العالمي يفشل عندما تختل قواعده الحاكمة، وتتعرض القوى المهيمنة عليه والضابطة لإيقاعه لنوع من الوهن أو الأفول، أو لتحدٍ مباشر من جانب قوى أخرى صاعدة ترغب في أن تحل محلها وتأخذ مكانها، مشيرا إلى أن "التهديدات التي تواجه الأسرة البشرية في مجموعها غير مسبوقة، وهي تهديدات أخطر وأكثر اتساعاً وعمقاً، ويستحيل مواجهتها في عالم منقسم إلى معسكرين أو إلى قوى متناحرة، وفي مناخ جيوسياسي متوتر وحافل بالصراعات بين القوى الكبرى".
وقال إن "تحدي التغير المناخ على سبيل المثال، يرتبط في الأساس بالتزامات متبادلة وأعباء تتحملها الدول جميعها لتخفيف آثار تغير المناخ، والحيلولة دون تفاقم ظاهرة ارتفاع درجة حرارة الكوكب.. وفي قمة "كوب 27" التي عُقدت بشرم الشيخ العام الماضي، و تم الاتفاق على إنشاء صندوق للخسائر والتعويضات للدول المتضررة من آثار التغيرات المناخية، ولكن الأمر يحتاج إلى مفاوضات مُضنية من أجل تمويل الصندوق، وليس صعباً علينا تصور مدى صعوبة هذه المفاوضات في عالمٍ حافل بالأزمات السياسية والانقسامات بين عواصم القرار الدولي.
واشار إلى أن التغير المناخي ليس هو التحدي الوحيد، ثمة تشكيلة متنوعة من التحديات العالمية تتمثل في التغير التكنولوجي السريع وآثاره على المجتمعات، وتزايد التفاوت في الدخول بين الدول وداخلها وأثره على الاستقرار السياسي والاجتماعي، واحتمالات تفشي الأوبئة وما يرتبط بها من تهديدات للاقتصاد العالمي على غرار ما شهدنا في وقت جائحة كورونا. والقائمة تطول.
كما أكد في السياق ذاته على فشل النظام العالمي في التعامل مع هذه الأزمات والصدمات، الذي يعد مؤشراً واضحاً على قرب تقويض هذا النظام وأفوله، وإن كان هناك من يرى أن هذا التغير في النظام العالمي قد بدأ بالفعل، وأننا نشهد بزوغ عالم جديد متعدد الأقطاب، وإن كنا لا نعرف معالم هذا العالم بعد، ولا نعلم الكثير عن قواعده الحاكمة والهياكل التي ستنظمه.
وأضاف: "الحقيقة أن أوضاع المنطقة العربية تعكس بدورها حالة من الأزمات المستمرة أو الممتدة، فالأزمات في سوريا وليبيا واليمن مستمرة منذ أكثر من عقد، مع كلفة بشرية واقتصادية واجتماعية هائلة على المجتمعات والدول. وللأسف فإن هذه الأزمات جذبت أطرافاً دولية وإقليمية تُسهم في استمرارها عبر مد الأطراف المتصارعة بالمال والسلاح والدعم السياسي.
وأخيرا أشار لاقتناعه أن استمرار هذه الأزمات يُشكل نقطة ضعف خطيرة في منظومة الأمن القومي العربي. ليس فقط بالنسبة للدول التي تُعاني منها، وإنما للدول العربية جميعاً، فالقوى الإقليمية تُمارس تدخلاتها غير الحميدة في المنطقة عبر هذه الثغرات والجراح النازفة في الجسد العربي، وهي تجد لنفسها مواطئ أقدام، ومناطق نفوذ في أجواء الفوضى والاضطراب الأهلي، بل إن بعض هذه القوى لا يتورع عن إذكاء نيران الفوضى وتأجيج الصراعات الطائفية تعزيزاً لمصالحه الخاصة، ودعماً لنفوذه الإقليمي كما يتصوره.