الرحلة الأخيرة في «الطريق إلى عشماوي»

آخر تحديث: الجمعة 8 مارس 2013 - 11:25 م بتوقيت القاهرة
تحقيق ــ أحمد عدلي

«قررت المحكمة بإجماع الآراء إحالة أوراق المتهم إلى فضيلة المفتي».. بهذه العبارة ينطق رئيس محكمة الجنايات فى العديد من القضايا، معلنا توقيع أقصى عقوبة على المتهم فى القانون المصري وهى الإعدام شنقا، لينطق بالحكم فى جلسة أخرى بعدما يصله رأى المفتي.

 

الفارق الزمنى بحسب القضاة بين إصدار الحكم فى أول مرة بالإعدام وتنفيذه، رحلة تستغرق عامين على الأقل، كى يكون الحكم باتا ونهائيا وواجب النفاذ، ليستقر فى يقين القضاة أن المتهم يستحق العقوبة وفقا لما ورد بقانون العقوبات. «الإعدام» أقصى عقوبة فى القانون المصرى، ولا يتم تطبيقها على المتهم إلا بعد 3 درجات من التقاضى يجمع فيها أعضاء هيئة المحكمة التى تنظر قضيته على وجوب تطبيق هذه العقوبة عليه، بحيث لا يتم تنفيذها إلا بعد تصديق رئيس الجمهورية على الحكم.

 

الفترة ما بين ارتكاب المتهم للواقعة وتوقيع عقوبة الإعدام عليه لا تقل عن عامين وقد تصل إلى 7 سنوات حسب طبيعة الدعوى وظروف نظرها، وفقا لعدد من شيوخ القضاة، الذين أكدوا أنه فى بعض الأحيان يتم توقيع العقوبة على المتهم بعد عدة سنوات، لأن المادة 470 من قانون الإجراءات الجنائية تنص على أنه «متى صار الحكم بالإعدام نهائياً وجب رفع أوراق الدعوى فوراً إلى رئيس الجمهورية بواسطة وزير العدل»، وذلك لإعطاء المحكوم عليه بالإعدام فرصة أخيرة نظراً لخطورة العقوبة، حيث يحق للرئيس أن يستخدم حقه فى العفو عن المتهم أو تخفيف العقوبة، وينفذ الحكم بالإعدام إذا لم يصدر الأمر بالعفو أو بإبدال العقوبة من الرئيس خلال 14 يوما.

فى هذا الصدد يؤكد المستشار عبد المنعم السحيمى، رئيس نادى قضاة طنطا السابق، أن هناك حالات يجوز فيها الحكم بالإعدام، من بينها ثبوت ارتكاب المتهم جريمة القتل بنية إزهاق الروح، وأنه جهز نفسه لارتكاب هذه الجريمة، بتحديد طريقة قتل المجنى عليه، مشيراً إلى ضرورة أن تكون لدى هيئة المحكمة قناعة كاملة بإجماع آراء أعضائها فى تعمد المتهم ارتكاب الواقعة.

 

وأضاف السحيمى أنه فى حال وجود خلاف بين أعضاء المحكمة حول تطبيق عقوبة الإعدام على المتهم لا يمكن إصدار الحكم ويتم تخفيضه للدرجة الأقل، وهى الأشغال الشاقة المؤبدة أو الأشغال الشاقة لمدة 15 عاما، مؤكدا أن الإعدام هو العقوبة الوحيدة التى لا يتم إصدار حكم بها دون إجماع آراء أعضاء المحكمة، وهو ما اشترطه المشرِّع نظرا لقسوة العقوبة.

 

وأشار إلى أن اشتراط استطلاع المحكمة لرأى المفتى، يأتى للتأكيد على أن الدين لا يعارض تطبيق العقوبة رغم قسوتها، موضحا أن رأى المفتى استشارى وليس إلزاميا للقاضى ولم يسبق أن رفض المفتى تطبيق عقوبة الإعدام على أى متهم تمت إحالة أوراقه له.

 

من جهته يوضح المستشار رفعت السيد، رئيس نادى قضاة أسيوط، أن قانون الإجراءات الجنائية وضع الكثير من الضوابط والأحكام التى تضمن عدالة حكم الإعدام، وتحقيق أقصى قدر ممكن من العدل قبل تنفيذ الحكم على المتهم، حيث تصدر محكمة الجنايات المشكلة من 3 مستشارين الحكم بموافقة جميع أعضائها. وأضاف أن المحكمة تقوم باستطلاع رأى المفتى فى صحة الحكم من الناحية الشرعية الدينية، وموافقة المفتى أو عدم موافقته لا تؤثر كثيراً فالمحكمة حرة فى أن تنطق بالحكم أو تعدل عنه فى اللحظة الأخيرة.

 

وأوضح السيد أنه من الوارد أن يعدل القاضى عن قراره قبل النطق بالحكم وبعد موافقة المفتى على توقيع عقوبة الإعدام، مؤكداً أنه يمكن أيضا لأحد أعضاء هيئة المحكمة العدول عن رأيه بشأن توقيع عقوبة الإعدام على المتهم التى قررها سلفا، حيث يمنحه القانون هذا الحق، طالما أن رئيس المحكمة لم يصعد على المنصة، وينطق بحكمه النهائى.

 

وأشار رئيس نادى قضاة أسيوط السابق، إلى أن هناك مراحل متعددة يمر بها الحكم بعد النطق به، وقبل تطبيق العقوبة على المتهم، تضمن ألا يتعرض لأى ظلم، وهو ما قصده المشرع عندما وضع هذه العقوبة وحدد ضوابطها، لكونها العقوبة التى لا يمكن العدول عنها بعد تطبيقها على العكس من عقوبات السجن، التى يمكن الإفراج عن صاحبها بعد قضاء جزء من مدته وظهور أدله تبرئه.

 

وأوضح أنه بعد صدور الحكم يتعين على النيابة العامة باعتبارها تمثل المجتمع، أن تطعن على الحكم أمام محكمة النقض لصالح المتهم المحكوم عليه، حتى لو لم يطعن المتهم نفسه على الحكم، وفى الغالب الأعم فإن محكمة النقض تأكيدا لضمانة صحة الحكم وسلامته توافق على إعادة المحاكمة.

 

وأكد السيد أن المشرع منح هذا الحق للنيابة باعتبارها خصما شريفا يسعى لتحقيق العدل فى المجتمع، وأن النيابة تطعن على الحكم حتى لو كانت هى صاحبة المطالبة بتوقيع عقوبة الإعدام على المتهم فى مرافعتها.

 

وأشار إلى أنه فى حال قبول الطعن أمام محكمة النقض، وإعادة المحاكمة أمام دائرة جنايات جديدة، وقضت المحكمة بنفس حكم الدائرة الأولى، فإن القانون يسمح بالطعن عليه للمرة الثانية أمام محكمة النقض، مشيرا إلى أنه فى حال قبول الطعن تنظر محكمة النقض الدعوى، وإذا رفضته يصبح الحكم نهائيا وباتا.

 

وأكد المستشار رفعت السيد أنه حال ما أصبح الحكم نهائيا، يرسل مشفوعا بمذكرة من المكتب الفنى لوزير العدل إلى رئيس الجمهورية للتصديق عليه، وفى هذه الحالة يحق للرئيس أن يوافق على الحكم أو يعدله إلى عقوبة أخف، فإذا وافق يتم تنفيذه حسبما ترى الجهات المعنية بالتنفيذ.

 

وأوضح أن رئيس الجمهورية يكون من حقه الموافقة على العقوبة أو تخفيضها إلى درجة أقل أو إصدار عفو عن المحكوم عليه، مشيرا إلى أن هذا الأمر كان يحدث دائما فى القضايا الخاصة بالجاسوسية حيث كان رئيس الجمهورية يرفض التنفيذ لأسباب سياسية، وهو نفس ما كان يحدث مع الأحكام الصادرة بحق قيادات جماعة الإخوان فى ظل النظام السابق.

 

وشدد المستشار رفعت السيد على أن رفض الرئيس التصديق على عقوبة الإعدام لا يعتبر عدم احترام لأحكام القضاء، نظرا لأن القانون منحه هذا الحق، لكبر العقوبة المطبقة، لافتا إلى أن المحكوم عليه غيابيا بالإعدام، أو أخلى سبيله على ذمة القضية وعوقب بالإعدام فيها دون أن يحضر أى من جلسات الدعوى يصبح الحكم بالنسبة له لاغيا، فور إلقاء القبض عليه ويتم إعادة محاكمته مرة أخرى.

 

من جهته قال المستشار إميل حبشى الرئيس بمحكمة الاستئناف سابقا، وعضو المجلس القومى لحقوق الإنسان، إن إلغاء عقوبة الإعدام فى مصر يحتاج إلى عدة سنوات لأن وجودها يعتبر رادعا لجرائم كثيرة، مشيرا إلى أن إلغاءها سيكون بعد التحول لنظام ديمقراطى بشكل كامل، يتفهم الشعب خلاله المعنى الحقيقى للديمقراطية، ويرتقى سلوك الأفراد، ولا يكون الأمر مجرد محاكاة لما قامت به الدول الأوروبية.

 

وأشار إلى أن المشرع أيضا منع تطبيق عقوبة الإعدام على من هم دون 18 عاما وقت ارتكاب الواقعة، حيث تخفض العقوبة تلقائيا لتكون الحبس المشدد لمدة 15 عاما نظرا لصغر سنه، لافتا إلى أن القانون يعامل من هم دون هذا السن باعتبارهم أطفالا ولا يجوز توقيع هذه العقوبة عليهم.

 

وأشار تقرير حقوقى أصدره المركز العربى لاستقلال القضاء حول عقوبة الإعدام، إلى أن المشرع المصرى أسهب فى استخدام هذه العقوبة القاسية، حيث لا تدخل العديد من الجرائم التى يعاقب عليها بالإعدام فى نطاق «الجرائم الأشد خطورة» وفقا لما ورد بالمواثيق والتشريعات الدولية.

 

التقرير أكد أن العديد من النصوص التى تقرر عقوبة الإعدام فى مصر، تشكل خروجا واضحا على مبدأ «شرعية الجرائم والعقوبات»، حيث لا تضع تعريفا دقيقا ومحددا للفعل الإجرامى المعاقب مرتكبه بعقوبة الإعدام، موضحا أن ثمة جرائم لم يحدد المشرع فيها السلوك المعاقب عليه بالإعدام تحديداً دقيقاً، وإنما اكتفى بوصفه بعبارات شديدة العمومية والاتساع، مثل ما ورد فى المادة 77 من قانون العقوبات التى تقضى بأن «يعاقب بالإعدام كل من ارتكب عمداً فعلاً يؤدى إلى المساس باستقلال البلاد أو وحدتها أو سلامة أراضيها».

 

خط سير القضية فى دار الإفتاء

 

يؤكد مصدر مسئول فى دار الإفتاء أن من المهام المنوطة بدار الإفتاء المصرية إصدار الفتوى فى قضايا الإعدام، حيث تحيل محاكم الجنايات وجوبا إلى فضيلة المفتى القضايا التى ترى بالإجماع وبعد إقفال باب المرافعة وبعد المداولة إنزال عقوبة الإعدام بمقترفيها، وذلك قبل النطق بالحكم، تنفيذا لقانون الإجراءات الجنائية.

 

وشدد المصدر على أنه نظرًا لحساسية هذه القضايا وخطورتها فقد تم اتخاذ مجموعة من الإجراءات والمراحل التى تمر بها، حيث تقوم دار الإفتاء بدراسة الأوراق والملفات الخاصة بالقضايا الواردة إليها كاملاً، ويذكر فى التقرير النهائى عرض للواقعة والأدلة التى تحملها أوراق الدعوى ومعاييرها فى الفقه الإسلامى على اختلاف آراء الفقهاء، ثم اختيار الرأى الذى يمثل صالح المجتمع من وجهة نظر فضيلة المفتى، وتسجيل التقارير بعد الانتهاء منها بالسجل الخاص بالجنايات.

 

مرحلة الإحالة

 

تحيل محاكم الجنايات وجوبًا إلى فضيلة المفتى القضايا التى ترى بالإجماع وبعد إقفال باب المرافعة وبعد المداولة إنزال عقوبة الإعدام بمقترفيها، وذلك قبل النطق بالحكم؛ تنفيذًا للمادة (381/2) من قانون الإجراءات الجنائية والتى تنص على أنه «يجب على المحكمة قبل أن تصدر هذا الحكم أن تأخذ رأى مفتى الجمهورية ويجب إرسال القضية إليه فإذا لم يصل رأيه إلى المحكمة خلال عشرة أيام التالية لإرسال الأوراق إليه حكمت المحكمة فى الدعوى».

 

الدراسة والتأصيل الشرعى

 

يفحص المفتى القضية المحالة إليه من محكمة الجنايات، ويدرس الأوراق منذ بدايتها وتصبح ضوابط الفتوى فى قضايا الإعدام هى الالتزام بعرض الواقعة والأدلة حسبما تحمله أوراق الجناية على الأدلة الشرعية بمعاييرها الموضوعية المقررة فى الفقه الإسلامى، وتكييف الواقعة ذاتها وتوصيفها بأنها قتل عمد إذا تحققت فيها الأوصاف التى انتهى الفقه الإسلامى إلى تقريرها لهذا النوع من الجرائم.

 

التكييف الشرعى والقانونى

 

يقوم بمعاونة المفتى فى هذا الأمر هيئة مكونة من ثلاثة مستشارين من رؤساء محاكم الاستئناف، تكون مهمتهم دراسة ملف القضية، لبيان ما إذا كان الجُرم الذى اقترفه المتهم يستوجب إنزال عقوبة القصاص حدًّا أو تعزيرًا أو قصاصًا، أو غير ذلك ثم بعد ذلك يقوم المستشارون بعرض القضية على فضيلة المفتي؛ لإبداء الرأى النهائى من دار الإفتاء فيها.

 

الطريق إلى عشماوى

 

بعد أن يصدق رئيس الجمهورية على حكم الإعدام يتم إيداع المحكوم عليه بالإعدام فى السجن بناء على أمر تصدره النيابة العامة، ويكون السجين مرتديا للبدلة الحمراء إلى أن ينفذ الحكم فيه، على أن يتم السماح للمحكوم عليه بالإعدام بأداء فروض دينه وتسهيل هذه الإجراءات له حيث يلتقيه أحد رجال الدين، كما يجوز له مقابلة أقاربه فى نفس يوم الحكم ولكن فى مكان بعيد عن مكان التنفيذ.

 

التنفيذ

 

يتم تنفيذ عقوبة الإعدام داخل السجن أو فى مكان آخر مستور بناء على طلب كتابى من النائب العام يبين فيه استيفاء إجراء رفع الأوراق إلى رئيس الجمهورية ومضى مدة 14 يوما، بحيث تقوم إدارة السجن إخطار وزير الداخلية والنائب العام باليوم المحدد لتنفيذ الحكم وساعته، لكى يقوموا بتجهيز مندوبيهم للحضور.

 

ويكون التنفيذ بحضور أحد وكلاء النائب العام، ومأمور السجن، وطبيب السجن، أو طبيب آخر تنوبه النيابة العامة على أن يتم تلاوة منطوق الحكم الصادر بالإعدام والتهمة المحكوم عليه بسببها، وذلك فى مكان التنفيذ أمام جميع الحاضرين وإذ رغب المحكوم عليه إبداء أقوال حرر وكيل النائب العام محضراً له ودون فيه هذه الأقوال وفقا لقانون الإجراءات الجنائية.

 

يتم تنفيذ عقوبة الإعدام شنقاً، على أن يحرر وكيل النائب العام محضراً بذلك، ويثبت فيه شهادة الطبيب بالوفاة وساعة حدوثها وتتولى الحكومة دفن جثة المحكوم عليه بالإعدام على نفقتها ما لم يكن له أقارب يطلبون القيام بذلك مع مراعاة عدم تنفيذ الحكم فى ايام الاعياد الخاصة بديانة المحكوم عليه.

 

الأمم المتحدة والإعدام

 

<  فى عام 1968 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا يحدد بعض الضمانات القانونية الواجب توافرها عند تطبيق عقوبة الإعدام، من بينها الطعن على الحكم وعدم تطبيقه على من هم دون الـ18 عاما.

 

< فى عام 2007 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار 62/149 بتاريخ 18 ديسمبر 2007، والذى أهابت فيه بالدول التى لا تزال تأخذ بعقوبة الإعدام أن تعلن وقف تنفيذ أحكام الإعدام تمهيدا لإلغائها، وصوت لصالح القرار 104 دول بينما رفضته 54 دولة وامتنعت 29 دولة عن التصويت.

 

< كانت مصر من بين الدول الرافضة لتطبيق القرار لتعارضه مع الدين والمعايير العملية والقانونية المتفق عليها، حيث أكد مندوب مصر فى الأمم المتحدة وقتها أن عقوبة الإعدام لا تستخدم إلا وفق الإجراءات القانونية ونصوص القانون الإسلامى.

 

<  يحظر القانون تطبيق عقوبة الإعدام على المرأة الحامل، حيث يتعين الانتظار حتى تضع مولودها ويمر عليها شهرين ثم يتم تطبيق العقوبة عليها.

 

 

 

 

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved