#كيف_أضحت؟ (26).. بعلبك.. أول ما بناه البشر.. مدينة لا تغيب عنها الشمس

آخر تحديث: الأحد 9 مايو 2021 - 2:34 م بتوقيت القاهرة

منال الوراقي

بين الكتب والروايات إلى الأفلام، ترددت مدن وأماكن تاريخية عديدة على مسامعنا وأعيننا، حتى علقت بأذهاننا ونُسجت بخيالنا، بعدما جسدها الكتاب والمؤلفون في أعمالهم، لكننا أصبحنا لا نعلم عنها شيئا، في الوقت الحالي، حتى كثرت التساؤلات عن أحوال هذه المدن التاريخية الشهيرة، كيف أضحت وأين باتت تقع؟.

 

بعض هذه المدن تبدلت أحوالها وأضحت أخرى مختلفة، بزمانها ومكانها وساكنيها، فمنها التي تحولت لمدينة جديدة بمواصفات وملامح غير التي رُسمت في أذهاننا، لتجعل البعض منا يتفاجئ بهيئتها وشكلها الحالي، ومنها التي أصبح لا أثر ولا وجود لها على الخريطة، ما قد يدفع البعض للاعتقاد بأنها كانت مجرد أماكن أسطورية أو نسج خيال.

 

لكن، ما اتفقت عليه تلك المدن البارزة أن لكل منها قصة وراءها، ترصدها لكم "الشروق" في شهر رمضان الكريم وعلى مدار أيامه، من خلال الحلقات اليومية لسلسلة "كيف أضحت؟"، لتأخذكم معها في رحلة إلى المكان والزمان والعصور المختلفة، وتسرد لكم القصص التاريخية الشيقة وراء المدن والأماكن الشهيرة التي علقت بأذهاننا وتخبركم كيف أضحت تلك المدن حاليا. 

 

كانت أول مدينة شُيدت في التاريخ، وظلت المدينة التي تغيب فيها الشمس سوى 65 يوما بالعام الواحد، حتى أنها لا زالت تقف بشموخ فوق قمة سهل البقاع بلبنان، كمدينة بعلبك التراثية، تزهر فيها أطلالها وتُظهر مدى قوة حضارتها واختلاف العقائد التي شهدتها عبر العصور المختلفة، حتى أضحت كنزا للعالم.

 

• بعلبك.. مركز العبادات ومهد الحضارات

 

وتُعتبر مدينة بعلبك أول مدينة شُيدت في التاريخ، وتحديدا في القرن العاشر قبل الميلاد، إذ أصبحت حجر الأساس للحضارات القديمة، ومكانا مُقدسا، ومركزا للعبادة في بلاد ما بين النهرين والقبائل الفينيقية، حتى بداية العصر المسيحي، بالقرن الثاني قبل الميلاد، حينما فتحها الإمبراطور قسطنطين الكبير، وضمها للإمبراطورية الرومانية، وبقيت هكذا، حتى الفتح الإسلامي بالقرن السابع الميلادي، وأصبحت المدينة حصن قوي للإمبراطورية العثمانية.

 

واليوم، تُعرف بعلبك اللبنانية، مدينة الشمس، بأنها واحدة من أهم مدن لبنان السياحية، وتزدهر بين مدن العالم كمدينة تراثية، كما يجب أن يكون التراث، تتمثل آثارها في هيئة أعجوبة أثرية، إذ تحتوي على آثار شاهقة، وأعمدة مُدهشة، جعلتها تُعتبر واحدة من أكثر الكنوز التاريخية في لبنان، حيث يزورها أعدادا كبيرة من سياح العالم.

 

• في التوراة والعهد القديم وكتب الرومان

 

وقد رد ذكر مدينة بعلبك في العهد القديم "التوراة" باسم "بعلبق"، وهو ما ذكره الباحث الفلكلوري اللبناني، أنيس إلياس فريحة، في كتابه "أسماء المدن والقرى اللبنانية"، فقد ذكر أن اسمها يعني "إله وادي البقاع"، في حين يرى بعض المؤرخين أن اسم المدينة يعود إلى الإله "بعل" إله الحرب عند الكنعانيين، وإله الشمس عند الفينيقيين، خاصة وأن له معبدا بناه الفينيقيون على أرضها.

 

وبمرور الزمان وتعاقب العصور، أطلق عليها الرومان "هيليوبولس" أي مدينة الشمس، وفي العصر الأموي حولها العرب إلى قلعة للحرب، لتستقر على اسم بعلبك، واليوم تقع في شمال سهل البقاع وشرق النهر الليطاني، تبعد عن بيروت حوالي 80 كيلومترا، تحدها سلاسل جبال لبنان من الجانبين الشرقي والغربي.

 

• ممر العالم ومفترق طرق التجارة

 

وقديما، انتعشت مدينة بعلبك تجاريا فأطلق عليها الرومان قديما "اهراءات روما" لوفرة محاصيلها الزراعية، حتى أنها أضحت مستودعا يمدهم بالقمح، وقد جعلها موقعها الفريد محط الأنظار عبر العصور، فكانت ممرا للقوافل التجارية القديمة، حيث كانت تقع في مفترق طرق تصل الساحل المتوسطي بالبر الشامي، وشمال سوريا بفلسطين.

 

• تاريخ بعلبك.. أقدم ما بناه البشر

 

وعن تاريخها، أظهرت النقوش المحفورة على جدران المعابد القديمة فيها، أن المدينة كانت عامرة بالبشر منذ 9 آلاف عام، حتى أن المؤرخ اللبناني، اسطفانيوس الثاني، بطريرك الكنيسة المارونية، قد ذكر في القرن السابع عشر، أن قلعة بعلبك أقدم ما بناه البشر في العالم، حيث أنشأها الفينيقيون في أوائل القرن العشرين قبل الميلاد، وكان أول هيكل في المدينة لإله الشمس "بعل".

 

وفي عام 50 قبل الميلاد، استعمر الرومان مدينة بعلبك في عهد يوليوس قيصر، الذي أمر ببناء الثالوث الروماني، جوبيتير إله الإله، وباخوس إله الخمر، بالإضافة إلى آلهة الجمال فينوس، ليكون رمزا لقوة وثروة الإمبراطورية الرومانية، واستمر التوسع في بناء الهياكل الرومانية، لمائتي عام، على يد أكثر من 25 ألف عبد، توالت عليه العديد من أباطرة الرومان، ليتركوا خلفهم تلك الآثار التي تميزت بدقة نقوشها وضخامتها، حتى أن الكثير من المؤرخين يستبعدون أنها من بناة البشر.

 

• الإمبراطورية البيزنطية وترسيخ المسيحية

 

لذلك، وبحلول نهاية القرن الثالث الميلادي، تزايدت الأطماع على المدينة، خاصة بعد أن انتشرت الفتن وبدأ الضعف يتخلل الجسد الروماني، ما دفع بعض فرق الجيش للتمرد وتنصيب قسطنطين، ببداية القرن الرابع، والذي نقل العاصمة من روما إلى بيزنطة، وقام بتوحيد الإمبراطورية تحت أمرته، وأصدر قرارات بإغلاق معابد بعلبك، وأمر بإنشاء كنيسة تكفيرا عن الخطايا وإصلاح الأخلاق الفاسدة، لتنتشر الديانة المسيحية بالبلاد.

 

الفتح الإسلامي وتعاقب الدول الإسلامية

 

ورغم محاولات الفتح الإسلامي لبعلبك، إلا أنها قد فتحت رسميا خلال الحكم الأموي بالقرن السابع الميلادي، ثم الحكم العباسي، مرورا بـ"الطولوني والفاطمي والأيوبي"، وصولا إلى المغول الذين عاثوا فيها فسادا، وأنقذها المماليك عام بالقرن الثالث عشر الميلادي، لتصل إلى الحكم العثماني وتستمر كإمارة تابعة لها منذ القرن الخامس عشر وحتى القرن التاسع عشر الميلادي.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved