سهير زكي حواس لـ«الشروق»: مشروع الحفاظ على القاهرة الخديوية مستمر لن يتوقف

آخر تحديث: الجمعة 8 أغسطس 2025 - 7:07 م بتوقيت القاهرة

مي فهمي

- تصريحات العبار لتطوير القاهرة الخديوية إرشادية ولم يشتر أو يطور مبنى واحدا
- الالتزام بالقوانين هو الأهم وليس جنسية المستثمر
- الإيجارات القديمة الزهيدة عائق أمام صيانة المبانى التراثية

 

وسط الزحام والتغيرات المتسارعة التى تشهدها مدينة القاهرة، تظل المناطق التراثية شاهدة على تاريخ طويل وحضارة غنية تستحق الحفاظ والاهتمام.

وتُعد القاهرة الخديوية من أبرز هذه المناطق، بما تحمله من طراز معمارى فريد وشوارع تنبض بعبق الماضى، لكن الحفاظ على هذا التراث لا يعنى فقط تجميده فى الزمن، بل يتطلب جهدا دقيقا لتطويره بما يتناسب مع احتياجات الحاضر، دون المساس بروحه الأصيلة، فى هذا السياق، كان لنا هذا الحوار مع الدكتورة والمهندسة المعمارية سهير زكى حواس، التى لعبت دورًا محوريًا فى مشروعات توثيق وتطوير القاهرة الخديوية، لتحدثنا عن أبرز التطورات التى تشهدها المنطقة وما الذى تعنيه فعلا عملية «تطوير» المبانى التراثية فى مدينة لا تنام.


 

< فى البداية ما آخر التطورات فى مشروع الحفاظ وإعادة الوجه الحضارى للقاهرة الخديوية وهل تم الانتهاء منه أم مازال مستمرا؟

ـــــ مشروع الحفاظ على القاهرة الخديوية مستمر لن يتوقف، طالما أردنا العمل بشكل صحيح، لأن هذا المشروع سيظل مستمرا ومرتبطا باستمرار حياة المنطقة، فحاليا يتم ترميم المبانى وإعادة توظيفها، لذلك لابد أن تستمر عملية الصيانة والحفاظ بشكل ممتد إلى مستقبل هذه المنطقة.
حاليا لم ينته مشروع الترميم ولن ينتهى فهناك عدد كثير من المبانى التى يجب العمل على ترميمها، حتى وإن وصل مشروع الترميم إلى النهايات وتم ترميم هذا الكم الهائل من المبانى التى لدينا، سنبدأ مشروعات الصيانة، فهذه العملية أشبه بالتطعيم فيتم استخراج شهادة للمبنى بأنه تم ترميمه فى هذا العام، ثم تطورات أعمال الصيانة من أسانسيرات وكل جزء فى المبنى حتى لا يحدث تلف أو تدهور مرة أخرى.

< ما رأيك فى التصريحات الأخيرة التى أدلى بها رجل الأعمال الإماراتى محمد العبار حول تحويل القاهرة الخديوية لمنطقة سياحية؟

ـــــ تصريحات العبار هى إرشادية لما يرى ما يجب أن تكون عليه القاهرة الخديوية، فهو يقصد أن هذه المنطقة يمكن أن توظف سياحيا وتجلب عائدا كبيرا إذا توفرت فيها الخدمات السياحية، لكن أنا لم ينم إلى علمى أن العبار اشترى مبنى من مبانى القاهرة الخديوية ولم يصرف على مبنى واحد فأعتقد أن هذا المجال ليس مجال استثمار له ولم نر منه اهتماما واضحا بالحفاظ على التراث وعلى هذه النوعية من المشروعات.

< وهل فكرة وجود مستثمر خارجى لتطوير القاهرة الخديوية فكرة صائبة؟

ـــــ طالما هذا المبنى التراثى يتم الحفاظ عليه فليس دورى من الناحية الفنية من يستثمر أو من ينفق الأموال، فهذه الأمور أحيانا تكون لصالح المشروع إذا توفرت الأموال حتى إن كان مصدرها من خارج مصر، فمن الممكن أن يكون المستثمر مصريا ويسىء استخدام المكان، وممكن أن يكون من جنسية أخرى ويحسن الاستفادة من هذه الأماكن، فالمهم هو الالتزام بالقوانين الخاصة بحماية هذه المناطق التراثية، ولكن كم يسعدنا أن يكون رجال الأعمال والمستثمرون المصريون فى صدارة المطورين لتراث مصر فهذا يضيف إلينا الكثير من السمعة الطيبة المتحضرة.

< هل لديك أرقام أو إحصائيات للمبانى التى تم ترميمها حتى الآن؟

ـــــ فى الحقيقة ليس لدى إحصائيات أو أرقام لأنه حاليا لا أشارك فى التعامل مع المبانى إلا من خلال المراقبة واعتماد الأعمال قبل التصريح ببدايتها ولأننى حاليا أشغل منصب عضو فى لجنة المناطق التراثية بالجهاز القومى للتنسيق الحضارى، لكن عندما كنت أعمل فى بداية مشروع التطوير عام ٢٠١٤ وكنت مسئولة عن إعادة الوجه الحضارى للقاهرة الخديوية عملنا تقريبا على ٢٠٠ مبنى ترميم وجهاته وما يزال المشروع مستمرا، فعلى سبيل المثال شركة «إدارة الأصول العقارية» تمتلك حوالى ١٠٠ مبنى فى وسط البلد، منها خمسون من المبانى التراثية المسجلة وهى بدأت بالفعل فى أعمال الترميم، وأيضا شركة «الإسماعيلية» تمتلك أيضا فى حدود ٣٠ مبنى تراثيا من المبانى المهمة فى نفس المنطقة، لكن عدد ما تم ترميمها وتكلفته بشكل واضح ليس لدى معلومة عنه.

< أشرتِ من قبل إلى ترميم مبنى تيرنج وشيكوريل فى العتبة إلى أين وصلت عمليات الترميم بهما؟

< ليس مبنى شيكوريل، هو كان مبنى تجاريا واحترق منذ فترة طويلة ومكانه ٣ شارع العتبة أمام مبنى تيرنج، وهذا المبنى من الداخل حالته رديئة جدا ولكنه مبنى طراز «أرت ديكو» من المبانى المسجلة والذى إذا أعيد تأهيلها سيصبح من أجمل المبانى الموجودة وسيعمل على إظهار مبنى تيرنج؛ لأنه مبنى عال نسبيا لذلك هذان المبنيان إذا تم ترميمهما سيرتقيان بالمنطقة المحيطة بهما بشكل واضح.
مبنى تيرنج جار ترميمه والعمل فيه بالفعل حتى إنه فى هذه اللحظة يمكننا أن نرى القبة الزجاجية الخاصة به بعد ترميمه.
أما بخصوص المبنى المقابل لمبنى تيرنج فالمالك بدأ بطرح مقترح لإعادة تأهيله لكن أعتقد لم يحصل على رخصة بالأعمال لأنه لم يعرض على لجنة المناطق التراثية حتى الآن، لأنه يجب قبل أن يتم البدء بالعمل فيه يتم مراجعة هذه الأعمال وأنها ستعيد المبنى إلى حالته الأصلية، وأنا أتمنى أن يأخذ هذا المبنى أولوية والاهتمام اللازم من الدولة من خطة التطوير لأنه من المبانى المهمة التى أصابها إهمال شديد جدا وتركت لسنين طويلة وآن الأوان أن نحييه من جديد ونعيد تأهيله مرة أخرى، ولا نفكر أبدا فى إخراجه من التسجيل طبقا لقانون ١٤٤ لسنة ٢٠٠٦ لأنه مبنى مسجل، وقيمة هذا المبنى المعمارية والتاريخية توضع فى أولويات أى افكار مطروحة.

< هل هناك مبان تراثية غير مسجلة؟

ــــ المبانى ذات القيمة التراثية يجب أن تكون مسجلة أو ربما ما زال جاريا تسجيلها من خلال اللجنة الدائمة لحصر المبانى ذات القيمة المتميزة المشكلة طبقا للقانون ١٤٤ سنة ٢٠٠٦، وهذه اللجنة تشكل بكل محافظة وتعمل جميعها بشكل مستمر، وهى دائمة العمل وتمر على كل مبنى فى مصر وتعمل فى كل المحافظات بشكل مستمر، وقد يكون أحد المبانى لم تره اللجنة ولم تسجله وبالتالى لابد دائما وهذا ما يحدث بالفعل أن أى مبنى قبل ما أن يتم استخراج تصريح له بالهدم، لابد أن يعرض على اللجنة الدائمة لحصر المبانى فى المحافظة المعنية لربما أن يكون هذا المبنى يستحق التسجيل ولم يأت دوره، فتقوم اللجنة بتسجيله ولا يتم هدمه، فأحيانا وقت عملى فى هذه اللجنة كان يتم معاينة مناطق عشوائية و«عشش» لأن ملاكها يطالبون بها، وكان يتم ذلك قبل التصريح لهم بالهدم ووقتها كنت رئيسة اللجنة الدائمة لحصر المبانى فى المنطقة الغربية بالقاهرة، فكان يجب أن تعرض علينا قبل استخراج رخصة الهدم، وهناك مبان تم إنقاذها فى اللحظة الأخيرة، كان هناك طلب بهدمها واستطعنا تسجيلها ومنع الهدم لها، على سبيل المثال، واحد من المبانى المهمة جدا فى يوم من الأيام طُلب له قرار هدم لكن اللجنة أقرت وقتها أن هذا المبنى لا يجوز هدمه كان تم فقده وهو مبنى هندسة السكك الحديدية المطل على ميدان رمسيس عند محطة مصر، وأيضا العقار رقم ٢٩ شارع هدى شعراوى ناصية هدى شعراوى مع طلعت حرب الذى يتواجد فيه كافيه ريش، طلب فى يوم من الأيام هدم أجزاء منه لكن رفضت اللجنة وتم التوضيح إنه مسجل لأنه مبنى طراز «أرنفو» ومهم جدا.

< من الذى يطالب بهدم المبانى؟

ــــ أحيانا مالك العقار هو من يطالب بهدمه ليقوم ببنائه مرة أخرى وهناك مبان مثل مبنى هيئة السكك الحديدية يكون تابعا للحكومة وكان الهدف من محاولة هدمه هو توسعة الطريق العلوى لكوبرى ٦ أكتوبر.

<هل ينقصنا قوانين للحفاظ على المبانى التراثية؟

ــــ لا ينقصنا قوانين بل ينقصنا الالتزام بالقوانين الموجودة وتفعيلها بشكل صادق وأمين.

< ما رأيك فى وجود المحلات التجارية بمنطقة وسط البلد؟ وهل الحل فى تطوير المنطقة هو إزالتها؟

ــــ ليس الحل فى إزالة المحلات التجارية من القاهرة الخديوية لأن هذه المنطقة عند تخطيطها ووضع اشتراطاتها البنائية قديمًا كان هناك حساب للأدوار الأرضية وأن تكون تجارية لكن يجب عدم السماح للمحلات التجارية بعمل ديكورات تزحف على الواجهة الخارجية أو إقامة واجهة عرض زجاج «فتارين» فى الدور الأول وهذا يحدث بالفعل حاليا فى وسط البلد حيث تمت إزالة جميع التعديات وعادت المحلات فى مواقعها، فبالعكس المحلات التجارية شىء ليس ضارا ولكن الضار هو أن المحل يفرض ديكوراته وبضاعته وتخرج خارج الحدود الخاصة بها.

< كيف نحفز ملاك العقارات التراثية بالحفاظ عليها؟

ـــــ أولا عبر تغيير قوانين الإيجارات القديمة، خاصة بند تحصيل إيجار زهيد عفا عليه الزمن وغير كاف، أن يقوم مالك العقار بعمل صيانة المبانى، فمن المفترض أن المبانى تكون إيجاراتها على الأقل كافية للصيانة الخاصة بها، فقوانين الإيجارات بالفعل تتغير، وملاك هذه المبانى يعلمون جيدا أهميتها، فطالما المالك يتلقى الدعم المادى أو دعم القوانين ويستطيع تحمل أعباء صيانة المبنى لن يقوم بالتفكير فى إزالته، بالإضافة إلى أن اشتراطات المنطقة الخاصة بالقاهرة الخديوية تنص على ألا يرتفع المبنى عن ١٩ مترا فأصبح ليس هناك مصلحة للمالك بهدم عقاره لأنه لن يتم السماح له ببناء برج أعلى من الموجود مما حدد الرغبة فى الإزالة والإحلال.

< ما الأمل الذى تنتظرينه فى مشروع الحفاظ على القاهرة الخديوية؟

ـــــ الأمل فى القاهرة الخديوية يتحقق أمامى حاليا، فهى فى يوم من الأيام كانت مهجورة ومتروكة للتعديات والاستعمالات التى تتلف هذه العمارات وكانت غير مرئية من كثرة الإعلانات والزحام والديكورات الحاجبة والمفسده للوجهات وهذه المخالفات يتم إزالتها وتعود المبانى حاليا إلى أصلها، ولكن أنا أتمنى أن يكون هناك خطة واضحة طويلة المدى مستمرة لصيانة هذه المنطقة لأنه ليس كافيا أن تسترجع الوجه الحضارى لها دون استمرار الصيانة فيما بعد لأنه تعودنا على بدء المشروع وعند الانتهاء يتم نسيانه وتركه، لكن هذه المنطقة يجب أن يكون لها مجلس أمناء للمراقبة والمحاسبة والحماية وأن تكون إدارة هذه المناطق غير متروكة للمحليات بشكل عام ولابد أن يكون هناك مجالس أمناء للمناطق ذات القيمة التراثية حتى يكون هناك اهتمام كاف وسيطرة عليها أما المحليات المسئولة عن كل ما يخص العمران فهذه مسئولية أكبر من دروها وأنها تعمل فى المناطق التراثية والمناطق غير التراثية فهذا دور كبير للغاية يحتاج للتعاون بين المحليات ومجلس الأمناء من أجل استمرارية هذه المناطق مثل ما هو متواجد فى العالم كله مثل فرنسا أو انجلترا فمجلس الأمناء لا يتكسب من مراقبة وحماية وعناية هذه المناطق.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved