شيوخ القضاة: أحكام «الإدارية العليا» بإباحة وتجريم الإضراب «غير متناقضة»

آخر تحديث: الثلاثاء 8 ديسمبر 2015 - 10:34 ص بتوقيت القاهرة

كتب ــ محمد نابليون:

• عطية: كان يجدر بالدائرة الرابعة إحالة الطعن الجديد إلى «توحيد المبادئ».. وحكماها السابقان لا يسريان على الإضراب السلمي

• فرغلى: اللبس بسبب عدم توضيح المحكمة فى السابق الفارق بين الحق الدستورى المشروط بالسلمية وأعمال البلطجة

فى أبريل الماضى أصدرت المحكمة الإدارية العليا برئاسة المستشار لبيب حليم، حكما بإحالة 3 مسئولين بالوحدة المحلية بقرية قورص بمركز أشمون إلى المعاش وتأجيل ترقية 14 آخرين لمدة عامين، لإدانتهم بالإضراب عن العمل وتعطيل سير المرفق عن أداء مصالح المواطنين، مستندة إلى أحكام الشريعة الإسلامية التى استنت قاعدة درء المفاسد المقدم على جلب المنافع، وقاعدة أن الضرر لا يزال بمثله، وأنه إذا كان الإضراب يؤدى إلى إلحاق الضرر بالمتعاملين مع «المرفق العام» فإن الشريعة الإسلامية لا تبيح هذا المسلك لما فيه من إضرار بالمواطنين.

ورسخت المحكمة فى ذلك الحكم مبدأ قضائيا اعتبرت فيه إضراب الموظفين العموميين عن العمل جريمة جنائية تستوجب الجزاء التأديبى، وفى 25 يوليو الماضى أصدرت المحكمة حكما آخر بفصل 4 موظفين فى مجلس الدولة استنادا إلى ذات المبدأ.

غير أن المحكمة ذاتها وبنفس تشكيلها الذى أصدر أحكام التجريم عادت فأودعت منذ أيام حيثيات حكم جديد أيدت خلاله حكم المحكمة التأديبية بالإسماعيلية بإلغاء قرار مجازاة موظفة بمحكمة استئناف الإسماعيلية لمشاركتها فى إضراب عن العمل، وأكدت فى حكمها الأخير أنه بموجب دستور ٢٠١٢ و٢٠١٤ لم يعد الإضراب السلمى منحة بل صار من الحقوق الدستورية المكفولة لكل فئات العمال بغض النظر عن طبيعة الجهة التى يعملون بها أى سواء بالقطاع الحكومى أو العام أو الخاص بمعنى أنه أضحى معترفا به كحق مشروع من حيث المبدأ ومنح المشرع واجب تنظيمه.

هذه المغايرة التى أظهرتها أحكام المحكمة لمفهوم الإضراب عن العمل، دفعت «الشروق» لاستطلاع رأى اثنين من شيوخ قضاة مجلس الدولة، حول سبب هذا التغيير ومدى تأثيره على الموقف القانونى لأى إضراب يحدث مستقبلا، وكذلك على الموظفين المقضى بإحالتهم للمعاش وفصلهم عن العمل، والذين أدانتهم المحكمة معتبرة الإضراب جريمة جنائية تستوجب الجزاء التأديبى، ثم عادت لتصدر حكما اعتبرت فيه الإضراب حق دستورى لا يتوجب العقاب.

من جانبه قال المستشار محمد أحمد عطية، وزير شئون مجلس النواب والنائب الأول لرئيس مجلس الدولة سابقا، إنه كان يجدر بالدائرة الرابعة بالمحكمة الإدارية العليا، طالما سبق لها وأن أصدرت أحكاما تُجرم الإضراب، أن تُحيل الطعن الجديد الذى ارتأت فيه أن تعدل عن مبدأها السابق وتعتبر خلاله الإضراب حقا دستوريا، إلى دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا لتتولى بدورها تأييد أى من المبدأين، وذلك وفقا لنص المادة 54 من قانون مجلس الدولة.

وتنص هذه المادة على أنه «إذا تبين لإحدى دوائر المحكمة الادارية العليا عند نظر أحد الطعون أنه صدرت منها أو من احدى دوائر المحكمة احكام سابقة يخالف بعضها البعض أو رأت العدول عن مبدأ قانونى قررته أحكام سابقة صادرة من المحكمة الادارية العليا تعين عليها إحالة الطعن إلى هيئة تشكلها الجمعية العامة لتلك المحكمة فى كل عام قضائى من أحد عشر مستشارا برئاسة رئيس المحكمة أو الاقدم فالأقدم من نوابه».

وحول ما إذا كان عدم اتخاذ المحكمة لذلك الإجراء يصيب أيا من أحكامها بالعوار من عدمه، أوضح عطية «أنه من الناحية القانونية تبقى جميع الأحكام صحيحة حتى وإن كانت بعض حيثياتها متناقضة» مؤكدا أنه «سبق لدائرة توحيد المبادئ أن أقرت مبدأ قضائيا يجيز لدوائر المحكمة الإدارية العليا أن تصدر أحكاما مخالفة لمبادئ أستقر عليها قضاء المحكمة، وتعتبر تلك الأحكام صحيحة، استنادا إلى أنه لا بطلان بغير نص، وباعتبار أن مسألة مخالفة الحكم لأحكام سابقة تقتضى أن تكون الوقائع بتفاصيلها وجزئياتها فى جميع الطعون متطابقة، الأمر الذى يصعب تحققه».

وأضاف عطية أن «الأحكام الثلاثة الصادرة من المحكمة بتشكيلها الحالى صحيحة ومتفقة مع أحكام القانون، باعتبار أن الوقائع الواردة فى الحكمين السابقين الخاصين بفصل موظفى الوحدة الصحية بقورص و4 موظفين بمجلس الدولة لإضرابهم عن العمل، تختلف عن الوقائع الخاصة بالحكم الأخير، كما أوردت المحكمة فى حيثيات تلك الأحكام بشأن لجوء الموظفين المفصولين للعنف».

وشدد عطية على أن «الإضراب يظل حقا مشروعا يكفله الدستور ولا يستوجب العقاب طالما بقى سلميا، بحيث يعبر مجموعة من الموظفين خلاله عن موقف معين باستخدام الوسائل السلمية المعروفة، أما حين يتجاوز الإضراب نطاق السلمية فكأن يغلق الموظفون قاعات المحاكم على القضاة والمستشارين ويطفئون الإضاءة الخاصة بها بغرض منعهم عن عمليه، فيعد ذلك بلطجة وليس إضرابا».

وتابع عطية:«المبادئ التى أقرتها المحكمة فى أحكامها الثلاثة لا تدور فى فلك واحد، حيث يتعلق بعضها بإضراب غير سلمى وبلطجة ويتعلق الآخر بإضراب سلمى، ومن ثم تكون المحكمة قد أصدرت حكمها الأخير فى ضوء القانون والدستور ولم تخالف خلاله أحكامها السابقة لأن الوقائع مختلفة» مؤكدا أن «سريان المبدأ الجديد الذى قررته المحكمة بشأن عدم تجريم الإضراب لا يؤثر على المبدأ القديم الخاص بتجريم الإضراب غير السلمى».

فى السياق ذاته يرى المستشار عادل فرغلى، رئيس محاكم القضاء الإدارى الأسبق، أن الأحكام الثلاثة الصادرة عن المحكمة لا تختلف فى طبيعتها، ولا تتضمن مبادئ قضائية متغايرة، معتبراً أن «ما أحدث اللبس هو عدم استطراد المحكمة فى الحكمين الخاصين بتجريم الإضراب غير السلمى، فى الحديث عن الإضراب السلمى المباح كحق دستورى والتفريق بينه وبين التظاهر المصحوب بأعمال العنف والبلطجة، لأن الإضراب لا يكون محظورا إلا لو ترتبت عليه أضرار».

وأكد فرغلى أنه «كان يجب على المحكمة فى الحكمين السابقين أن تفرق بين الإضراب والأضرار المترتبة على الإضراب، لكنها استغرقت فى هذين الحكمين للتنديد بوقائع العنف التى ارتكبها الموظفون خلال إضرابهم عن العمل على حساب التأسيس للمبدأ القضائى العام، والذى أوردته فى حكمها الأخير باعتبار الإضراب السلمى حقا دستوريا لا يستوجب العقاب، ولا يجوز المساس به، ولا تحتاج ممارسته لتشريع ينظمه».

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved