تاريخ الطعام (4): الكشري.. اخترعه الهنود وطوره الإيطاليون.. وأخرج المصريون شكله النهائي

آخر تحديث: الأحد 12 مايو 2019 - 1:11 م بتوقيت القاهرة

حسام شورى

عندما يوضع أمامك طبق من الطعام الشهي الذي تفضله وتبدأ في التهامه.. هل فكرت أن وراء هذا الطبق حكاية طويلة تضرب بجذورها أحياناً عبر آلاف السنين؟! فوراء كل نوع طعام يتناوله الإنسان الآن في مصر والعالم قصة لا تقتصر على تطور أدوات وأساليب الصيد والقنص والطهي.. بل يتأثر في محطات عديدة بالتاريخ السياسي والاجتماعي والديني للشعوب.

 

وفي هذه السلسلة "تاريخ الطعام" الممتدة طوال شهر رمضان المبارك.. تستعرض "الشروق" معكم حكايات أنواع مختلفة من الأطعمة المحلية والإقليمية والعالمية.. وتنشر الحلقة يومياً الساعة 12 ظهراً بتوقيت القاهرة.
----------------------
هل تحب الكشري؟ هل مررت يومًا أمام أحد المحلات التي تقوم بإعداده ولم تستطع مقاومة رائحته؟ هل تضعه ضمن جدولك الأساسي للطعام؟ هل تقترح الكشري على صديقك الأجنبي باعتباره وجبة مصرية أصيلة؟... هل فكرت يومًا في أن الكشري ليس مصري الأصل!

أصل الكشري:
نعم، هذا الطبق الشهير ذائع الصيت ليس مصريا؛ فتقول أغلب الروايات إن مصر عرفته عن طريق الهنود عندما أصطحبهم البريطانيون خلال الحرب العالمية الأولى لمصر، وفرضوا الحماية عليها في عام 1914.

الكشري الهندي:
كلمة كشري مشتقة من مصطلح فرنسي جاء من تعبير «ريز كاشير» ومعناها الأرز المضاف إليه عناصر أخرى، وكان الهنود يطلقون على هذه الوجبة «كوتشري»، كما كانت في اللغة السنسكريتية (الهندية)، والتي حرفت إلى «كشري» على لسان المصريين، خلال التبادل التجاري بين الهنود والمصريين.
وكان الكشري الهندي خليطا من الأرز والعدس أبو جبة، وهو عدس (بقشره)، يقال إنه أطلق عليه (بجبة)، في مصر، نسبة إلى علماء الأزهر الذين تظهر في أعلى جبينهم علامة الصلاة، ولأنهم يرتدون (جبة).
ويقال إن أول من ذكر الكشري في التاريخ المدون هو الرحالة والمؤرخ ابن بطوطة في «تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار» حيث قال فيه إن الهنود يطبخون المنج (الشعير) مع الأرز ويأكلونه بالسمن ويسمونه كشري، وعليه يفطرون في كل يوم.

لمسة إيطالية:
ومع اختلاط المصريين بالجنود الهنود من خلال عمليات البيع والشراء عرف المصريون هذه الوجبة وبدأت في الانتشار في أحياء القاهرة التي كان يسكنها إلى جانب المصريين أقليات إيطالية أحبت الأكلة أيضا، وأضافت لها المكرونة التي يعشقها الإيطاليون، وأحب المصريون تلك الإضافة.

الكشري المصري:
بذلك أصبح الكشري مزيجا من الأرز والعدس والمكرونة والشعرية، حتى قرر المصريون إعداده بطريقة مميزة، فأضافوا له الصلصة الحمراء، والدقة التي تتكون من الثوم المهروس الممزوج بالخل، والشطة الحمراء، كما أضافوا إليه البصل المحمر ورشوه على سطح طبق الكشري، بالإضافة إلى الحمص، ومن وقتها أصبح الكشري يقدم بنفس الطريقة كعلامة من علامات المطبخ المصري.

روايات أخرى:
هناك روايات أخرى عن أصل وتاريخ الكشري، فتقول إحداها إن رجل أجنبي دخل مطعم مصري في وقت متأخر من الليل وطلب طعاما بسرعة بسبب جوعه الشديد، ولم يكن موجودا في المطعم وقتها إلا بعض الأرز بالشعرية وبعض المكرونة والعدس، وقام الطاهي بوضع القليل من الصلصة فوقهم حتى يخبئ المكونات غير متناسقة الشكل، ثم قام بتقديمهم إلى الرجل فغضب الرجل ورفض تناول الطعام، فألح عليه صاحب الطعم أن يتناول الطعام ويتذوق حتى يدفع ثمنه فتناوله الرجل وأعجب به وقام صاحب المطعم بإطلاق عليه كلمة كشري، ما يعبر عن التكشير والغضب الذي يكون على وجه آكل الكشري الذي يفضل اللحم لأن الكشري لا يحتوي على لحوم.

ويقال إن الكشري ورد في كتاب الجبتانا أو أسفار التكوين المصرية وهو كتاب يحتوي على نصوص دينية خاصة بمصر القديمة وورد فيه أن أصل كلمة كشري هي «كشير» بمعنى طعام الآلهة.

الكشري في الشام:
واختلفت طرق إعداد الكشري من بلد لآخر؛ ففي الشام يسمى «المجدّرة»، ويطبخ ويقدم بطريقتين بالبرغل أو بالأرز، والطريقة الأولى وهي البرغل المخلوط بالعدس المسلوق، ويقدم حارآ أو باردآ، وعندما يطهى الأرز والعدس بزيت الزيتون بدلاً من السمن البلدي يفضل تناوله ساخنآ، و غالبا ما يتم تناول الكشري هناك مع اللبن الرائب أو بدون.

الكشري في العراق:
الكشري في العراق يطبخ بالأرز والعدس الأصفر المجروش (بدون قشر) وهو يتشابه مع الكشري الإسكندراني، ويقدم عادة مع كبة الحامض ويعتبر مكملاً لها.

تطور الكشري في مصر:
قديمًا قبل انتشار المحلات، كان الكشري يقدم على سيارات أو في أكشاك صغيرة، وكان يعد مسبقا في المنازل، وهي صورة نقلتها كثير من وسائل الإعلام في المسلسلات والأفلام التي تتحدث عن الأحياء الشعبية.
ولكنه أصبح يقدم دائما في محلات مخصصة له نظرًا لصعوبة إعداده في المنزل بسبب سلق وتحمير وإعداد كل مكون من مكوناته على حدى، ويعتبر الكشري أكلة منخفضة التكلفة عالية السعرات الحرارية.
كذلك أصبحت تقدم تلك المحلات مأكولات أخرى بجانب الكشري؛ فأصبح محل الكشري يسمى (كشري وحلواني) ليقدم مثل أطباق الأرز باللبن والعاشوراء والفطائر الحلوة.
وابتدع السكندريون (أهالي الإسكندرية) طريقة منزلية خاصة بهم في إعداد الكشري، لا تستغرق وقتا طويلا، يكون عبارة عن الأرز والعدس الأصفر اللذان يتم سلقهما معها، ثم يضاف عليهما البصل المحمر المقرمش (التقلية)، ويقدم كطبق جانبي بجانب الأسماك المشوية أو المأكولات البحرية حيث تتناغم نكهاته مع جميع المأكولات البحرية، أو يقدم بمفرده أومع أطعمة أخرى حسب الرغبة.
كما ظهرت مؤخرا أنواع مختلفة من الكشري، فتبتدع المحلات في تقديمه فهناك إضافات مثل الكبدة والسجق تضاف إلى الكشري المصري التقليدي.

وغدا حكاية طبق جديد.....

 

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved