#كيف_أضحت! (27).. فاس.. مدينة حفيد الرسول التي أصبحت أقدم مركز تعليمي في العالم

آخر تحديث: الأحد 9 مايو 2021 - 2:21 م بتوقيت القاهرة

منال الوراقي

بين الكتب والروايات إلى الأفلام، ترددت مدن وأماكن تاريخية عديدة على مسامعنا وأعيننا، حتى علقت بأذهاننا ونُسجت بخيالنا، بعدما جسدها الكتاب والمؤلفون في أعمالهم، لكننا أصبحنا لا نعلم عنها شيئا، في الوقت الحالي، حتى كثرت التساؤلات عن أحوال هذه المدن التاريخية الشهيرة، كيف أضحت وأين باتت تقع؟.

بعض هذه المدن تبدلت أحوالها وأضحت أخرى مختلفة، بزمانها ومكانها وساكنيها، فمنها التي تحولت لمدينة جديدة بمواصفات وملامح غير التي رُسمت في أذهاننا، لتجعل البعض منا يتفاجئ بهيئتها وشكلها الحالي، ومنها التي أصبح لا أثر ولا وجود لها على الخريطة، ما قد يدفع البعض للاعتقاد بأنها كانت مجرد أماكن أسطورية أو نسج خيال.

لكن، ما اتفقت عليه تلك المدن البارزة أن لكل منها قصة وراءها، ترصدها لكم "الشروق"، في شهر رمضان الكريم وعلى مدار أيامه، من خلال الحلقات اليومية لسلسة "كيف أضحت!"، لتأخذكم معها في رحلة إلى المكان والزمان والعصور المختلفة، وتسرد لكم القصص التاريخية الشيقة وراء المدن والأماكن الشهيرة التي علقت بأذهاننا وتخبركم كيف أضحت تلك المدن حاليا.
…..

يرى المغاربة أن لكل مدينة بمغربهم قصة وتاريخ، إلا أن "فاس" وحدها يمكن أن تكون مدينة المدن بالمغرب العربي، بجغرافيتها وتاريخها وأبوابها وأسواقها ومساجدها، وكونها أول منارة علمية بجامعتها التي سبقت جامعات العالم، وكونها باتت من أعتق وأعرق المدن، التي تأسست في مطلع القرن التاسع للميلاد، على يد حفيد رسول الله.

ففاس، هي ثالث أكبر مدن المغرب، والعاصمة العلمية للبلاد، والوحيدة التي تحمل هذا اللقب، سواء في المغرب العربي أو في غيره، لذلك اختارتها اليونسكو لتكون أحد مواقع التراث العالمي، في نهاية القرن العشرين، ومنها اختيرت عاصمة للثقافة الإسلامية بمطلع القرن الحادي والعشرين.

• أسسها حفيد الرسول لتكون أرض المهاجرين
تأسست مدينة فاس، في عام مائة واثنين وسبعين للهجرة، وسبعمائة وتسعة وثمانين للميلاد، على يد حفيد رسول الله، ثاني حاكم مسلم في إمارة الأدارسة، الملقب بـ إدريس الثاني، وهو إدريس الأزهر بن إدريس الأول بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء بنت الرسول محمد بن عبد الله، ليضمها إلى الدولة الإدريسية التي حكمت المغرب العربي، بالقرن الثامن وحتى العاشر الميلادي.

ومنذ لحظة تأسيسها، كان حظ المدينة المغربية أن تستقبل موجات هجرة مسلمي الأندلس، الذين كان لهم دور كبير بجانب القرويين في تشكيل نسيجها الاجتماعي والبشري والثقافي، وفق ما ذكر في كتاب وصف أفريقيا، المنشور بمنتصف القرن السادس عشر الميلادي، للمؤرخ والعلامة الحسن بن محمد الوزان الفاسي، الملقب بـ ليون الأفريقي.

• فاس.. واقعة تأسيسها وأول ضربة بالفأس
وقد سميت المدينة نسبة إلى واقعة بدء تأسيسها على يد المولى إدريس الثاني، عندما قدم إليها لأول مرة وأراد ومن معه أن يؤسسوا دولة في هذه المدينة، فضرب أول ضربة بالفأس على أرضها، إيذانا ببدء أعمال البناء، ومن هنا جاءت تسميتها "فاس" نسبة لضربة الفأس الأولى على أرض المدينة.

وتقسم مدينة فاس إلى ثلاثة أقسام رئيسية القسم الأول وهو المدينة الجديدة وتدعى بفاس الجديدة والقسم الثاني فاس القديمة وتدعى بفاس البالي وأخيرا القسم الحديث الذي أضافه الفرنسيين عندما احتلوا دول ومدن المغرب العربي في العصر الحديث.

• القاعدة الحربية وأم المراكز الأدبية والعلمية
ورغم أن تأسيس المدينة كاملة ينسب إلى إدريس الثاني، إلا أن بدء اختيار موقع المدينة العريقة يعود إلى إدريس الأول، مؤسس الدولة الإدريسية، حينما اختار موقعها ليكون قريبا من نهر فاس وتحديدا على ضفته اليمنى، وبعد أن انتهى إدريس الثاني من تأسيس المدينة، بدأت العائلات القروية والأندلسية بالتوافد عليها، وأسسوا القرى والأحياء.

وعندما انضمت فاس لدولة المرابطين، أمر قائدهم العظيم، يوسف بن تاشفين، بأن تكون المدينة قاعدة الدولة الحربية في الشمال المغربي، بجانب كونها أحد أهم المراكز العلمية والأدبية في المنطقة، فقد ضمت منذ نشأتها جامعة القرويين، التي تم تأسيسها في العام ثمانمائة وتسعة وخمسين للميلاد، والتي كان يقصدها الطلاب ليتعلموا علومها التي لم يكن لها مثيل في جميع أنحاء العالم.

• صراع الدول الإسلامية في فاس
وتاريخيا، كانت مدينة فاس أحد أهم محاور الصراع بين الأمويين الأندلسيين والفاطميين في تونس وليبيا ومصر، وقد بقيت المدينة تحت الحكم الأموي الأندلسي لمدة تعدت الثلاثون عاماً، وعند زوال نفوذ الأمويين الأندلسيين حكم المدينة أمراء زناتة، إلى أن استولت عليها دولة المرابطين ثم ضمتها دولة الموحدين، حتى استولى عليها بنو مرين، وفي عهدهم تم بناء فاس الجديدة.

وبحلول منتصف القرن السابع عشر الميلادي، صارت فاس مركزا لدولة العلويين المغربية، وبالوصول إلى بداية القرن العشرين، أصبحت المدينة عاصمة المملكة المغربية الحديثة، قبل أن تنتقل العاصمة إلى الرباط المغربية، وصارت فاس عاصمة البلاد العلمية.

• العاصمة الإسلامية والمدينة الأثرية
وتتميز فاس بالعديد من المعالم الأثرية التي اشتهرت بها أبرزها الأبواب والأسوار، كباب الدكاكين وباب المحروق وباب الخوخة وباب الفتوح وباب أبي الجنود وباب سيدي بوجيدة وباب شمس، والتي تعود في أصلها إلى زمن المرينيين، الذين حكموا المغرب من القرن الثالث عشر إلى القرن الخامس عشر ميلادي.

وتضم العاصمة الإسلامية العديد من المساجد الأثرية أيضا التي اشتهرت بها والتي من أشهرها جامع القرويين وجامع الأندلسيين وجامع الحمراء وجامع الرصيف، وفي داخل أسوار المدينة يوجد ما يقارب العشرة آلاف بناية من الأبنية الأصلية، والعديد من النوافير والتي تصل في عددها إلى أربعة آلاف نافورة، بالإضافة إلى المنازل القديمة والأبواب المزخرفة والبساتين المختلفة.

• متحف إسلامي شاهد على العصور والتاريخ
وقد اشتهرت وتميزت فاس بالحركة العلمية والثقافية الكبيرة والمتنوعة فيها، فكانت متحف حقيقي كبير لا زالت أدواته تستعمل وتعرض في آن واحد، إذ تحتوي المدينة على العديد من المعالم والرموز بجانب تاريخها العريق الممتد، لهذا يصفها المغاربة بأنها متحف إسلامي شاهد على العصور والتاريخ وبقعة هامة من أكثر بقاع العالم الإسلامي ازدهارا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved