حكايات القصور.. الحلقة 24: كيف ساوى محمد علي بين المسلم والمسيحي؟ «الكافر من يعصى أوامري»

آخر تحديث: السبت 9 يونيو 2018 - 1:12 م بتوقيت القاهرة

كتب- حسام شورى

تواصل «بوابة الشروق» نشر حلقات مسلسلة تروي طرائف ولطائف من حياة حكام مصر في العصر الحديث، من واقع حكايات موثقة كتبها أشخاص معاصرون لهم في مذكراتهم أو كتبهم السياسية، أو رواها الحكام عن أنفسهم.

ولا ترتبط «حكايات القصور» بأحداث خاصة بشهر رمضان، وإن كان بعضها كذلك، كما لا تقتصر «الحكايات» على القصص ذات الطابع الفكاهي، أو المفارقات التي تعكس جوانب خفية في كل شخص، بل يرتبط بعضها بأحداث سياسية واجتماعية مهمة في تاريخ مصر.

وإلى الحلقة الرابعة والعشرين:
----------------
محمد علي باشا هو من غير في مصر الكثير من الأفكار التي كانت السائدة في الشرق، على رأسها ازدراء المسلم للمسيحي باعتباره كافرًا، فقد ساوى محمد علي بينهما وساوى بين البك الكردي والبك الدري الأناظولي من كبار الإقطاعيين، وكسر الحاجز الذي كان الشرق قد غلف به نفسه؛ باستدعاء العنصر الأوروبي وتشجيعه على الإقامة في البلاد والاستقرار بها عن طريق تمليكهم الأرض للبناء والاستكشاف وأصبحت مصر بيئة مستنيرة.

وعندما استدعى الطبيب والمهندس والبحار والأوروبي احترمهم كي يحترمهم الناس، وكان هذا شيئًا هينًا لأنهم كانوا ضيوف وسادة، ولكن الصعوبة الحقيقية التي واجهها هي رفع شأن المسيحي كي يحترمه المسلم ويسير جنبًا إلى جنب مع البك والباشا التركي أو الشركسي، وأن تتم مساواته بالمسلم ويحظى بالاهتمام والتكريم، وكان ذلك بمثابة انقلابًا لكل المعتقدات والأفكار المتجمدة في البلاد!

ولكي ندرك ما حدث، لم يكن مسموحًا للرعية «المسيحي» بأن يبقى على ظهر دابته إذا التقى بتركي أو مسلم؛ حيث كان يتحتم عليه الترجل كرمز للاحترام والخضوع، ثم يمر أمامه حاملًا نعليه في يديه!

وفي هذه الفترة علق الكثيرين على أن مستشار محمد علي الوحيد لسنوات طويلة، بوغوص بك، خال نوبار باشا، والذي كان يستمع لرأيه كان مسيحيًا! كذلك شقيق نوبار وبكري بك وزير المالية، وكان الثلاثة من بين أوائل الموظفين الذين حصلوا على لقب بك، وقدرهم واحترمهم محمد علي.

وحدث ذات يوم أن أمر محمد علي، كبير السياس أن يرسل فرسًا إلى أحد أمناء سره، وكان مسيحيًا، ثم اكتشف محمد علي بعد ذلك أن الفرس به عيب، فنادى عليه في الديوان وقال له: «كيف اخترت فرسًا معيبًا لتعطيه لفلان، بينما أمرتك أن تعطيه فرسًا جيدًا؟!»، فرد عليه كبير السياس: «لكن الذي اخترته يا سيدي حسن جدًا بالنسبة لكافر!»، فقال له محمد علي: «إن الكافر هو الذي لا ينفذ أوامري»، وأمر أن يعاقب كبير السياس في الحال وأن يضرب بالعصا على قدميه.

وهناك موقف آخر يدل على كيف كان ينظر المصريون إلى المسيحيين في هذا التوقيت؛ فحدث ذات يوم جريمة في الإسكندرية ارتكبها مراكبي مسلم، وكان الضحية شابًا مسيحيًا قتل وتم إلقاء جثته في الماء، ثم اكتُشف القاتل وصدرت الأوامر بالقبض عليه وإرساله إلى السجن لحين تنفيذ حكم الإعدام فيه ونصبت المشنقة بالقرب من عامود بطليموس.

فسارت جموع غفيرة من الناس خلف المحكوم عليه بالإعدام في أثناء اقتياده لتنفيذ الحكم وهي تشعر بالمهانة وتردد همسًا: «كيف يشنق مسلم لأنه قتل كافرًا؟!»، «ألم يعلمنا أساتذتنا في القانون أن حياة المسلم تساوي حياة عشرة من الكفرة؟!.. إذا تم شنق هذا الرجل فعلينا إذن أن نقتل تسعة آخرين من هؤلاء المسيحيين الكلاب!».

ولكن بمجرد أن أعلن طاهر بك، رئيس البوليس، أن الوالي أمر بشنق أي شخص تسول له نفسه لإبداء أقل ملاحظة، إلى جانب القاتل، ما أدى إلى صمت الجموع وانصرافها!.

ومن ضمن المواقف التي دلت على مدى تقدير محمد علي للمسيحين، عندما توفي بوغوص بك في 1844، وهو مستشار محمد علي وناظر الخارجية، شارك في جنازته سكان الإسكندرية فقط، إلى جانب بعض الأهالي والأجانب.

وبعد ثلاثة أيام، وهي فترة التي كانت تستغرقها وصول الخطابات من وإلى الإسكندرية، أمر الوالي ووجهه قائد قواده في رسالته قائلًا: «إلى ابني المبجل جدًا السيد المحظوظ جدًا اللواء عثمان باشا، إنك حمار، إنك غبي، كيف لا تصطحب أنت والقوات التي تحت إمرتك الرجل الذي أخلص لك وقام بتربيتك إلى مثواه الاخير؟، عندما يصلك هذا الأمر توجه في الحال أنت وكل الضباط في حامية الإسكندرية إلى كنيسة الأرمن وقم بإخراج جثمان بوغوص ودفنه مرة أخرى في جنازة عسكرية وتشريفة، أحذرك أن تعصى الأوامر».

- المصدر: «مذكرات نوبار باشا»، دار الشروق

أقرا أيضا

-حكايات القصور.. الحلقة 22: ميلاد القطن المصري.. درويش سوداني وموظف تركي ومهندس فرنسي

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved