تقرير: مجلس الأمن الدولي.. بين مطالب الإصلاح والهيمنة السياسية

آخر تحديث: الأربعاء 9 يوليه 2025 - 2:04 م بتوقيت القاهرة

الدوحة - قنا

يواجه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة منذ تأسيسه عام 1945 عقب الحرب العالمية الثانية وتأسيس منظمة الأمم المتحدة دعوات عديدة، على مدى عقود، تطالب بإصلاحه وتغيير آلية اتخاذ القرارات السياسية والعسكرية والاقتصادية التي تتحكم فيها خمس دول دائمة العضوية، وتتمكن عبره من تسيير شؤون العلاقات الدولية وإدارة هيكل القوة العالمية، وتتمتع بما يعرف بحق النقض الفيتو.

ومع تغير موازين القوى الاقتصادية والجيوسياسية في العقود الثلاثة الأخيرة وتراجع الدور الأوروبي في مصير السياسات المفصلية العالمية، باتت الدعوة لإضافة دول مؤثرة من قارات العالم المختلفة للهيكلية الدولية الرسمية ضرورة ملحة، تراها بعض الدول سبيلا أساسيا لتحقيق العدالة في توزيع الواجبات واكتساب الحقوق ضمن نظام عالمي متعدد الأقطاب.

ومن هنا جاءت آخر الصيحات من ريو دي جانيرو البرازيلية، على لسان الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي عقب لقائهما على هامش اجتماعات منظمة "بريكس"، التي تضم عددا من دول العالم المؤثرة سياسيا واقتصاديا بينهما الصين وروسيا، حيث أكدا ضرورة إحداث إصلاح شامل لمجلس الأمن الدولي، وهي دعوة يتشاطرها الكثير من الزعماء والدول التي ترى أن احتكار القرار من خمس دول فقط رغم مرور 80 عاما على تأسيس الأمم المتحدة قضية عفا عليها الزمن.

وفي هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى صعود بعض الدول التي باتت تشكل رقما صعبا في المعادلات الدولية، فالهند باتت على مشارف أن تتبوأ المرتبة الرابعة في الاقتصاد العالمي وتجاوز اليابان، وفقا لأرقام صندوق النقد الدولي الذي تشير توقعاته إلى أن الناتج المحلي الإجمالي للهند سيصل إلى 4.187 تريليون دولار في السنة المالية 2025-2026، متجاوزا اليابان التي يقدر ناتجها المحلي الإجمالي بـ4.186 تريليون دولار.

في حين حققت البرازيل خلال العقدين الماضيين طفرة كبيرة، وباتت قدوة للدول النامية في مشاريعها الاستراتيجية، أصبحت بفضلها ثامن أكبر اقتصاد في العالم، وتحوز معدلات نمو وصل متوسطها السنوي إلى 5%، وبلغ الناتج المحلي وحده ثلث الناتج المحلي الإجمالي لقارة أمريكا الجنوبية بأكملها، وباتت الخزينة العامة بحوزتها سادس أكبر احتياطي في العالم من العملات الأجنبية.

وليست الهند والبرازيل وحدهما اللتان تطالبان بضرورة التغيير في هيكلية القرارات ومسارات العمل في منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، فهناك دعوات من دول في قارات مختلفة، منها اليابان صاحبة الاقتصاد الرابع عالميا وشركاتها العابرة للقارات، وتركيا التي باتت عملاقا عسكريا واقتصاديا بفضل صناعاتها المتميزة وموقعها الجغرافي المؤثر وسياستها التي تمثل حلقة الوصل بين معسكري السياسة الدولية وسط النزاعات المعقدة، وهي تتزعم دعاوى انضمام دولة مسلمة ضمن الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن، بالإضافة إلى دولة جنوب إفريقيا العملاق الاقتصادي الأبرز في القارة السمراء.

وفي خضم الجدل بشأن الإصلاح وتعقيدات السياسة، ثمة انقسام بين الدول الكبرى تجاه دعوات الانضمام للدول دائمة العضوية وتفضيلات لدول بعينها دون أخرى، فالولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا تتنازع الصلاحيات وتختلف في تأييد دعوات التغيير، وتتهم من بعض الدول باستخدام الفيتو بانحياز لمصلحة حلفائها دون آلية تضبط وقف زخم الحروب والصراعات الخطيرة والأزمات الإنسانية والتوترات الاجتماعية التي تفاقمت جراء المشاكل الاقتصادية العالمية، التي تسببت بها تلك الدول العظمى نفسها.

فالنزاع العربي الفلسطيني مع الكيان الإسرائيلي الممتد منذ ثمانية عقود والعدوان الشامل على قطاع غزة منذ أكثر من عام ونصف، يمثل واحدا من أوجه الانحياز الدولي التي تدعو لوقفة حازمة تجاه النزيف الفلسطيني وحرب الإبادة والمجاعة، وعلى الجانب الآخر ثمة نزاع مستعر منذ ثلاث سنوات في أوكرانيا وسط استنزاف عسكري بين روسيا والولايات المتحدة والدول الأوروبية، لا يبدو أنه يرى ضوءا في نهاية النفق، فضلا عن الاشتباك الأخير بين الهند وباكستان ومثله القصف المتبادل بين إيران والكيان الإسرائيلي اللذين كادا أن يدخلا منطقة الشرق الأوسط في أتون حرب طاحنة وأزمة اقتصادية واجتماعية وبشرية ذات كلف باهظة.

ولا تتعلق الخلافات بالأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي فحسب، بل تتعداهما إلى أهمية التمثيل في أهم المنظمات المالية والاقتصادية؛ مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، مثلما تقدمت الصين على لسان رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ خلال أعمال القمة الـ17 لمجموعة بريكس قبل بضعة أيام، والذي حث على إحراز تقدم في مراجعة الأسهم بالبنك الدولي، وتعديل حصص صندوق النقد الدولي؛ إذ تسعى الصين إلى الحصول على حصة تصويت أكبر داخل صندوق النقد، مما يمنحها وزنا أكبر في اتخاذ القرارات المتعلقة بالسياسات المالية والاقتصادية العالمية.

إصلاح مجلس الأمن موضوع يثير نقاشا مستمرا في الأمم المتحدة، بهدف جعله أكثر تمثيلا وفعالية في مواجهة تحديات السلام والأمن الدوليين، ويرى البعض أن المجلس لا يعكس التوزيع الجغرافي الحالي للقوة العالمية، مع نقص تمثيل للدول النامية ودول آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية.. كما يواجه المجلس انتقادات بسبب بطء اتخاذ القرارات وتعطيل عمله من قبل الدول ذات حق النقض، خاصة خلال الأزمات.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved