مينا ناجي يكتب لبوابة الشروق: «ماسبيرو» غيرت الوعي.. ورموز الأقباط يعودون بنا للدائرة المغلقة
آخر تحديث: الخميس 10 أكتوبر 2013 - 2:59 م بتوقيت القاهرة
بوابة الشروق
في ذكرى موقعة ماسبيرو، طلبت «بوابة الشروق» من الكاتب والشاعر مينا ناجي أن يكتب لنا عن إحساسه وشعوره بما جرى قبل عامين، وعما يمكن أن نتعلمه من التجربة القاسية.. يكتب مينا عن أن إحياء ذكرى مذبحة ماسبيرو لابد أن يكون درساً مهماً، ومنبهاً قوياً للوعي القبطي الموضوع حالياً في مأزق صعب ومعقد في المقال التالي:
كتبتُ مسبقاً عن مذبحة ماسبيرو. في تلك الأوقات كانت الكتابة أسهل. الصدمة أشعلت الغضب والغضب انصب في كلمات على الرؤوس، في سياق كان أكثر وضوحاً وسهولة وأقل تعقيداً بكثير عن اليوم.
أصبحتُ أتحاشى اليوم الكلام عن الشأن السياسي قدر الإمكان، بعدما أورثني حزنا بلا هدف محدد أو جدوى؛ فما الفائدة اليوم من أن أقول إن مذبحة ماسبيرو من أعمق الجروح في الوعي القبطي الحديث، دون التكلم عن الوعي القبطي نفسه وعما يفعله داخل الإطار الأوسع اليوم؟
أو حين أرى "تذكر ماسبيرو" عند مروري البارحة أمام كنيسة سانت - فاتيما، بمصر الجديدة، بنفس الطلاء الأسود الذي كُتب على سور الكنيسة شتائم في المسيحيين وتهديدات لهم. ما معنى الحزن حين يؤخذ منك ويتم استغلاله في موقف أنت تعرف جيداً إنه ضدك في المطلق؟ أو حين يتم تناسي ذلك الحزن وإغفال مرتكبيه قصداً، من ناحية أخرى، لكي يلائم حالة الوعي تلك نفسها؟
مذبحة ماسبيرو كحدث شاسع (شاسع في عدم تكافؤ الطرفين المؤسسين للحدث وفي عدم وجود مبرر لحدوثه، وأيضاً في بشاعته الصادمة) تجعل الاختيارات السياسية للوعي القبطي تبدو كلها انتحاريّة أو بائسة. لكنه مع ذلك تفرض علامات إرشاديّة ومنيرة للكنيسة القبطية وللأقباط في علاقتهم التي تتكون مرة أخرى مع السلطة والمجتمع وفي مشاركتهم في إعادة التأسيس الدستوري والقانوني الحاصل وفي النظر إلى حالتهم الوجودية نفسها كأقباط. التذكر يجب ألا يكون سلبياً، بل بالعكس، عليه أن يكون عاملاً لإعادة التشكيل والتصرف، أو بتعبير لاهوتي: للقيامة.
من هذا المنطلق لابد أن يتم التذكر وإعادة الذكرى، وأن تكون عملية التذكر أو إحياء الذكرى تلك عملية نقدية، فهذه الذكرى تضع الأمور في نصابها بالنسبة للعلاقات الموجودة حالياً والتي تنبني مرة أخرى على غرار الأوضاع القديمة في تجنب أمر واقع، هو أن حدثاً كهذا قد حدث. فبعد سلسلة الحوادث التي تعرض لها الأقباط في المحافظات المتفرقة في مصر، بشكل انتقامي وطائفي موسع، اختار الوعي القبطي أن ترجع الأمور إلى شكلها القديم، أي الرجوع إلى هوية سابقة قوميّة وطنيّة وسطيّة جامعة مفترضة، دون حتي إلقاء النظر في أن تلك الهوية المفترضة هي ما أفرزت تلك التيارات المتشددة والمتطرفة، وأنها هي التي حرمت الأقباط من كونهم مواطنين كاملين في بلد يفتقر بشكل حقيقي إلى مبدأ المواطنيّة، وتحت كنفها كان يتعرض الأقباط إلى العنف المنظم من الدولة في تمييزات قانونية وإجرائية كثيرة، كما كانوا يحرمون في نفس الوقت الأمان من العنف المجتمعي المادي والثقافي، على أساس طائفي.
كان لا بد للوعي القبطي أن يكون هو الهامش الذي يفكك تلك الهويّة ويطورها إلى هويّة تعدديّة حقيقيّة تهتم بحقوق الإنسان وحريته الشخصية في اختياراته الحياتيّة والعقائديّة، كأن تتبنى مبدأ العلمانيّة ومبدأ الشفافيّة بصورة حقيقيّة، ويكون الجميع سواسية أمام القانون ومع الدولة بغض النظر عن هويتهم. الآن نرى أن الرموز القبطية تساعد على إغلاق الحلقة مرة أخرى على الأوضاع السابقة الظالمة والتمييزية لمن يشاركونهم هويتهم، ولغيرهم ممن هم ليسوا ضمن المتن الرئيسي، في سبيل تحالفات أثبتت تاريخياً وعملياً فشلها.
إحياء ذكرى مذبحة ماسبيرو لابد أن يكون درساً مهماً ومنبهاً قوياً للوعي القبطي الموضوع حالياً في مأزق صعب ومعقد، كي يكون عاملاً حيوياً وأساسياُ في عملية التطوير والتحديث لا الانغلاق والنكوص للخلف. أما بالنسبة لي، فأفضل أحزاني شخصيّة.
اقرأ أيضًا:
«غادة نجيب» من داخل الحجز: رائد جيش خلع حجابي وشدني من شعري لعربية الترحيلات