عصفور الشرق الذي طار إلى فرنسا خوفا من الانخراط في السياسة.. الحكيم يروي تفاصيل رحلته

آخر تحديث: الأربعاء 9 أكتوبر 2019 - 11:42 م بتوقيت القاهرة

منى غنيم

الحكيم للكُتاب الجدد: «السياسة لعبة خطرة»

 

نحتفل في 9 أكتوبر من كل عام بذكرى ميلاد توفيق الحكيم، الأديب المصري السكندري خفيف الظل الذي كان يخفي أمواله في "علبة النظارة" ويطالب المجلات بـ"حقوق نشر ذقنه" كما فعل عندما قامت مجلة المصور مرة بنشر صورة له بذقن طويلة، والذي كان رائدًا من رواد الرواية في العالم العربي ورائدًا للمسرح الذهني، والذي طالما افتخر بكونه قارىء نهم يقرأ في شتى الموضوعات لأن الحياة نفسها متنوعة ومختلفة على حد تعبيره.

وقد حكى مرة عن قصة طريفة حدثت له في إحدى المرات التي كان فيها مريضًا واضطر لتناول شَربة، وكان يحاول أن يشتت ذهنه عن أوجاعه فوجد قصة بوليسية أجنبية مترجمة فقرأها واندمج في أحداثها حتى زاره صديقه الطبيب والشاعر إبراهيم ناجي فلمح الحكيم وهو يحاول إخفاء الكتاب تحت المخدة فأصر أن يعلم ماذا يقرأ الأديب الكبير، ففوجى بكونها قصة بوليسية رخيصة من التي تباع على الأرصفة فقال له الحكيم "أمال عايزني أقرا كتب فلسفية عويصة وأنا واخد شربة؟".

وقد فتح الحكيم قلبه في لقاء إذاعي شهير مع مذيعة الإذاعة المصرية نادية صالح امتد لـ15 دقيقة، حيث تحدث أنه شعر بالندم لفترة بسبب إحجامه عن الاختلاط بمشاهير السياسة وصناع القرار في مصر من أمثال الملك فاروق و النحاس باشا وعبد الناصر، وقال إنه فعل ذلك خوفًا من أن يُلصق باسمه تهمة التقرب من أصحاب السلطة لتحقيق مآرب شخصية؛ فهو كاتب حر ولكن إذا ما صادق الرجال الذين يملكون مصائر العالم بين أيديهم، فهذا يجعله بشكل ما ينتمي إليهم ومن ثم يؤثر بشكل مباشر في رأيه فيهم لأنه سيكون حينها مقيدًا بأغلال الصداقة، ولكن ندمه الوحيد كان أنه فقد جانبًا عمليًا كان سيثري بالتأكيد شخصيته الأدبية؛ لأن الكاتب يجب أن يكون ملاحظًا نهمًا أيضًا.

ولهذا نصح الحكيم أي كاتب شاب يحاول التقرب من السلطة أن يأخذ في اعتباره أنه يلعب لعبة خطرة، والتقرب من الحكام، كما أضاف الحكيم، مسألة قديمة وموجودة في العالم كله، فلنأخذ على سبيل المثال فولتير الذي قضى فترة من حياته في البلاط الألماني في مدينة بوتسدام من أجل تحقيق مكاسب شخصية، والمتنبي الذي ملأ الدنيا بقصائد في مدح سيف الدولة لأنه كان يتلقى منه العديد من المكافآت والجوائز بينما هجى كافور الأخشيدي عندما جاء إلى مصر في زمنه، بل وسب شعب مصر بأكمله لأن الأخشيدي لم يوله اهتمامًا.

كما وجه الحكيم نصيحة أخرى لمن يحاول تجربة قلمه في الكتابة: وهي ألا يكون قارئًا نهمًا في المطلق، فهناك الكثيرون ممن أكثروا القراءة وجاء إنتاجهم شحيحًا جدًا، القراءة يجب أن تكون لتكوين آلة الكتابة والتفكير والإبداع لدى الكاتب فحسب، وعن الموضوعات التي ستقدم للكاتب إضافة، وليس مجرد حشو رأس بالمعلومات وقال الحكيم إنه لم يقرأ إلا الكتب التي قدمت له إضاقة، ودخلت في حصيلة مراجعه التكوينية ، وليست التعليمية.

وحين سئل الحكيم في المقابلة عن الطريقة التي أتقن بها اللغة الفرنسية أجاب أنها بسبب حياته في فرنسا لمدة 4 سنوات حين كان يكثر من القراءة هناك باللغة الفرنسية والكتابة أيضًا؛ لأن التعليم المصري لم يكن كافيًا بالنسبة له لإتقان اللغة، وأضاف ردًا عن سؤال لماذا لم تتم ترجمة كل كتبه إلى اللغتين لإنجليزية و الفرنسية؛ بأن ليس كل شىء يصلح للغرب؛ فهناك موضوعات لا تفيد القارىء الأجنبي في شىء، فهو لن يفهم ولن يتفاعل إلا مع تيمات إنسانية عالمية، أما الأعمال المحلية الغارقة في "المصرية" فهي تخصنا نحن فقط، فإذا ما حاولنا مثلًا ترجمة أعمال بيرم التونسي بلهجتها العامية الجذابة إلى أي لغة أجنبية لن يفهم القارىء الغربي شيئًا بينما سنشعر نحن بالغبطة والسرور عند قراءة الأعمال؛ لأنها قادمة من أعماق ثقافتنا، وأورد مثال على كتابه "يوميات نائب في الأرياف" الذي صدر له 5 طبعات في فرنسا، قائلًا إنه يتذكر قيام ناقد أجنبي بالتعليق على الجوانب المملة التي وجدها في القصة وهي "الجوانب الإصلاحية" من وجهة نظره، أي عندما كان الحكيم يتحدث عن إصلاح الريف المصري بشكل معين لأن هذا لا يعنيه في شىء، ولكنه أشاد جدًا بالشخصيات المصرية التي خلقها الحكيم في الرواية كالعمدة والشيخ عصفور لأنها قدمت له صورة إنسانية خصبة مختلفة عن ثقافته ولكنه يستطيع فهمها والتواصل معها أثناء القراءة، وهذه هي المحلية التي يفهمها الغرب.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved