ترك المحاماة ليدرس الأدب والفنون.. محطات فارقة في حياة «الحكيم»

آخر تحديث: الأربعاء 9 أكتوبر 2019 - 11:11 م بتوقيت القاهرة

محمد بلال

«عودة الرّوح، يوميّات نائب في الأرياف، أهل الكهف شهرزاد، عصفور من الشّرق، حمار الحكيم»، أعمال ما إن تذكر حتى يتبادر إلى الذهن اسم الأديب توفيق الحكيم. بما له من دلالات داخل وعينا الجمعي، وأثر لا يزال يؤثر في وجدان كل من قرأ أعماله أو شاهدها كعمل فني، فلأعماله الأدبية تأثير واضح على أجيال مختلفة من الأدباء، فهو من أبرز رواد فن الرواية في الأدب العربي، والمؤسس لـ"المسرح الذهني".

ولد «الحكيم» بعروس البحر الأبيض عام 1898 في مثل يومنا هذا التاسع من أكتوبر، لوالد يعمل في القضاء وأم من أصول تركية. سافر إلى القاهرة ليستكمل تعليمه الثانوي، وهى الفترة التى بدأ فيها تكوينه الحس الفني من خلال الاهتمام بالموسيقى والتمثيل والمسرح. وبعد الحصول على درجة البكالوريا التحق بكلية الحقوق بناء على رغبة والده، وبعد تخرجه عمل فترة كمحامي متدرب.

ظهرت محاولات الحكيم الأولى في التأليف المسرحي أثناء عمله بالمحاماة، وكتب عدد من المسرحيات مثل "الضيف الثقيل، العريس، المرأة الجديدة، وخاتم سليمان" وغيرهم. وكان ذلك سببا في أن يرسله والده إلى باريس لينال شهادة الدكتوراة، ليترك دراسة القانون مرة أخرى ويتعرف فيها على فنون المسرح الأوروبي، واكتشف أنه يعتمد على أصول المسرح اليوناني القديم، حتى شعر والده أن باريس لم تغير في ابنه شيء، فقام باستدعائه مرة أخرى إلى القاهرة، بعد 3 سنوات فقط من إقامتة بعاصمة الثقافة والنور.

رجع «الحكيم» إلى مصر عمل وكيلًا للنائب العام في المحاكم المختلطة والمحاكم الأهلية، ثم عمل مدير التحقيقات بوزارة المعارف، ثم مدير لمصلحة الإرشاد الاجتماعي بوزارة الشؤون الاجتماعية، إلى أن استقال من الوظائف العمومية، ليعمل في جريدة "أخبار اليوم"، ثم مديرًا لدار الكتب الوطنية، وذهب مرة أخرى إلى باريس، ليعمل بمنظمة اليونسكو، قبل أن يعود إلى مصر ويعمل بالمجلس الأعلى للفنون والآداب.

عاصر "عصفور الشرق" كثير من عمالقة الإبداع من أمثال «طه حسين، أحمد أمين، العقاد، سلامة موسى، أحمد شوقي، حافظ ابراهيم، سيد درويش، القصبجى، جورج أبيض، ويوسف وهبى ونجيب الريحاني».

تأثر الحكيم بالمسرح الأوروبي، كان البداية لكتاباته المسرحية محاكاة لأسس المسرحي الإغريقية، وخير شاهد على ذلك مسرحيته «أهل الكهف»، حيث أحدثت طفرة وتغيرًا قويًا في الأدب العربي، وكانت بداية لمولد تيار جديد من المسرح سمي «المسرح الذهني».

أبدع «الحكيم» الكثير من الأعمال المسرحية، ولكن مسرحه الذهني اتسم بمزج خاص بين الواقعية والرمزية، ودمج التاريخ مع التراث بالواقع، ما أدى إلى صعوبة تمثيله على خشبة المسرح، وهذا ما كان «الحكيم» يدركه تماما.

وعن ذلك قال في أحد أحاديثه الصحفية «أني اليوم أقيم مسرحي داخل الذهن، وأجعل الممثلين أفكارا تتحرك في المطلق من المعاني مرتدية أثواب الرموز، لهذا اتسعت الهوة بيني وبين خشبة المسرح، ولم أجد قنطرة تنقل مثل هذه الأعمال إلى الناس غير المطبعة»، واستخدم في توصيل فكرة في أعماله المسرحية ألوان حديثة من الدراما والكومديا السوداء، والاجتماعية، وجسد البيئة المصرية بشكل مميز، وعرض مشكلات المجتمع بجرأه مميزة.

تنوع إنتاج الحكيم الإبداعي ليشمل مجالات أخرى تميز فيها مثل مجال «الرواية» والذي يعتبر من مؤسسيه أيضا، وتميز أسلوبه بالبساطة، واستخدام مصطلحات بالعامية خلال الحوار بين شخصيات عمله الفني، مثل: « حمار الحكيم، ويوميات نائب في الأرياف، وعصفور من الشرق، وعودة الروح»، وترجمت الكثير من أعماله إلى الكثير من اللغات مثل الفرنسية والإنجليزية، والألمانية، والرومانية وأيضا الروسية وغيرهم.

وتميز توفيق الحكيم بغزارة الإنتاج وتنوعه ونذكر بعضا منها: « محمد - صلّى الله عليه وسلّم - سيرة حواريّة، عودة الرّوح (رواية )،أهل الكهف (مسرحيّة)، شهرزاد (مسرحيّة)،يوميّات نائب في الأرياف (رواية)، عصفور من الشّرق (رواية)،أشعب (رواية) عهد الشّيطان (قصص)، حماري قال لي (مقالات) راقصة المَعبد (روايات قصيرة)،الملك أوديب( مسرحية)،يا طالع الشّجرة (مسرحيّة )، رحلة الرّبيع والخريف( شعر)، الإسلام والتعادليّة (فلسفة)،الأحاديث الأربعة (فكر ديني) والكثير من الأعمال لاتسعها سطورنا المحدودة».

منح توفيق الحكيم العديد من الجوائز منها «قلادة الجمهورية» وهو تقدير مهم على مجمل إنتاجه القوي والغزير، كما حصل على جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1961، وانتهت مسيرة الإنتاج المتنوع مع نهاية أنفاسه سنة 1987 في القاهرة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved