تامر عبد المنعم.. «مشخصاتي» أدمن الفشل

آخر تحديث: السبت 10 مارس 2018 - 9:44 م بتوقيت القاهرة

• «الشاب الفلول» دخل مجال الكتابة من بوابة والده وفشل.. وحاول التمثيل فذهبت أعماله مع الريح


ليس هناك أبدع من بلاغة اللغة العربية وقدرة كلماتها الفائقة على التعبير والوصف، وكذلك سهولة توظيفها فى التشبيه، لاختصار الوقت وإيصال المعلومة بأقل عدد ممكن من الكلمات؛ بل والحروف كذلك.. ومن بين كل كلمات «المعجم الوسيط» لن تجد أبلغ من كلمة «مزراب» للتعبير عن تلك الحالة الإعلامية الفريدة التى يمثلها «المشخصاتى» تامر عبدالمنعم.. و«المزراب» كما لا يخفى على الباحثين فى المعاجم، ماهو إلا «أنبوبة من الحديد تركب فى جانب البيت من أَعلاه ليَنْصَرِفَ منها ماءُ المطر»، أى أن دورها يقتصر على استقبال «شىء» وإخراجه كما هو، دون جهد يذكر، وإن كان تامر، طور من نفسه قليلا وبات قادرا على إضافة لمسة فنية، لإبراز ما يتلقاه ويخرجه. والمتتبع لسيرة «المشخصاتى»، يجد أنه قد وجد ضالته أخيرا فى الوظيفة الأخيرة التى امتهنها، بعد سنوات من الفشل والإخفاق فى كل المجالات التى سعى من خلالها لإثبات ذاته، فالشاب «الفلول» – كما يصف نفسه فى كتاب نال حظا وافرا من الفشل – اعتاد فى مسيرته أن يكون مثالا فى «الفشل ذاته»، إذ لم يشفع له كون والده رئيسا لمجلس إدارة مؤسسة صحفية قومية، أو مستشارا صحفيا للرئيس الأسبق حسنى مبارك، فى أن يكون كاتبا لامعا، سواء فى المقالات الركيكة التى يكتبها، أو حتى فى كتابه الذى قال عنه إنه «عبارة عن حوار مع نفسه».. ليضاف إخفاقه فى الكتابة، إلى سقوطه المدوى كممثل كلل مشواره بإعلان اعتزاله بعد سقوط فيلمه الأخير «المشخصاتى 2»، وإن كان أرجع السقوط إلى مؤامرة كونية.. ربما شاركت فيها قوى شريرة من كواكب ونجوم المجرة، أقنعت الجماهير بالعزوف عن شباك التذاكر، و«استتقال دم المشخصاتى»، وربما تلك القوى الشريرة هى من أقنعت الفنان الكبير يوسف شعبان – أحد أبطال الفيلم ــ بالإعراب عن سعادته بفشل الفيلم، والتأكيد فى تصريحاته على أن «تامر عبدالمنعم أحد أهم أسباب هذا الفشل، بسبب تدخله فى كل جوانب الفيلم من خلال الإنتاج والتأليف والإخراج والماكيير». وكان اعتزال المشخصاتى للتمثيل «كلمة نهاية» وضعها أخيرا على مسلسل هابط، كانت حلقاته عبارة عن محاولات لـ«النجاح بالعافية» اعتمادا على والده تارة، وصهره تارة أخرى، وتفانيه فى الرقص تحت أقدام «آل مبارك» تارة أخيرة، ليكون فى النهاية نموذجا لا يتكرر للفشل.

 

فالمشخصاتى الذى تخرج من معهد السينما (قسم السيناريو) عام ٩٩، عجز أن يكون كاتبا، فخلال ٣ مسلسلات، وفيلمين تسجيليين، وفوازير، وفيلم روائى واحد، لم يصادفه النجاح – اللهم إلا فى فيلم يتيم مسروق من أحد أفلام الممثل العالمى ال باتشينو، قام ببطولته عادل إمام ــ لتكون النتيجة فى النهاية «صفر» وتذهب أعماله جميعها إلى «سلة النسيان» دون أن يتذكرها أحد.

 

ويجرب المشخصاتى حظه فى الأفلام التسجيلية، ليكون الفشل حليفه مرة أخرى، فينتقل إلى الإنتاج ؛ فتفشل برامجه، ويكلل فشله بـ«3 سنين سجن» على يد المطرب محمد فؤاد، والذى حصل على حكم قضائى، لحصوله من «المشخصاتى» على شيكين بدون رصيد. وللوظيفة العامة فى حياة تامر، حلقة كاملة من حلقات الفشل، كان أبرز مشاهدها، طرده من منصب رئيس قصر السينما، ليخرج مغادرا مكتبه، يجر أذيال الفشل، وقد وضع تحت إبطه صورة الرئيس المخلوع، والتى كان يضعها فوق مكتبه للتدليل على إخلاصه وتفانيه. وبعد طول غياب عن الوظيفة، يتعرض عبدالمنعم لحملة شرسة من داخل وزارة الثقافة، بعد إعلان اختياره للإشراف على مشروعات الهيئة العامة لقصور الثقافة، لتقود الهجوم «الصفحة الرسمية لأولتراس وزارة الثقافة»، والتى قالت أن «تامر عبدالمنعم فشل فى التسويق لنفسه ولأعماله الشخصية، فكيف سينجح فى التسويق لمشروعات الهيئة، خاصة وأنه سبق وتم طرده من قصر ثقافة السينما بجاردن سيتى».

 

وبالعودة للحديث عن وظيفة «المزراب» التى طورها تامر، نجد أنه برع أخيرا فى أداء دور تمثيلى يكاد فى تشخيصه أن يصل إلى درجة متقدمة من درجات الإتقان، ألا وهى شخصية المذيع مع فارق بسيط ؛ فالممثلون دائما وأبدا يؤدون أدوارا مكتوبة يلتزمون خلالها بحوار أعد سلفا، وسيناريو رسمت خطوطه بدقة قبل أن تضاء الأنوار ويخرجون إلى الجمهور.. تامر طوّر من أدائه، وقرر أن يجود ويكون «مزرابا مختلفا».. وبدلا من أن «يلبس الشخصية».. ترك نفسه لـ «تلبسه الشخصية»، فكانت النتيجة، صولات وجولات لشخصية المذيع الوطنى، الذى وهب نفسه، وكرّس موهبته، لمحاربة «أعداء الوطن»، متفوقا فى ذلك على «أحمد سبع الليل»، ذلك الشاب «المعتز بجهله» والذى يفخر دائما بـ«جهله العصامى» كما جسّده الراحل أحمد ذكى فى فيلم «البرىء».

 

تامر لا يكتفى بمحاربة «أعداء الوطن»، وإنما يزايد على القيادة السياسية ؛ تامر وحده يعلم «ما تخفى الصدور» ومطلع على الأفئدة»، فى حين أن القائمين على الحكم «مخدوعون فيمن يحيط بهم».. هكذا يصور الأمر.. حتى حين أراد أن يحشد الجماهير للمشاركة فى الانتخابات هددهم بـ «الضرب بالجزمة» تلك دائما لغته فى تدويناته على مواقع التواصل.

 

والسؤال الذى يحتاج «1000 مزراب» للإجابة عنه: ماذا يقول المشخصاتى إذا تناول فى برنامجه فقرة عن تشكيل أول حكومة فى ظل حكم الرئيس الإخوانى المسجون وغير المأسوف عليه، إذا علم مثلا أن المشير طنطاوى شغل خلالها منصب وزير الدفاع.. وماذا سيفعل مع فيديوهات جمعت رجال دولة مشهودا لهم بالكفاءة والوطنية، أجبرتهم المسئولية والظروف على الظهور مع عناصر من الجماعة الإرهابية، إبان اختطافهم حكم مصر.. أخشى ما أخشاه أن يكرر المشخصاتى حينها هوايته فى التجويد، والخروج عن نص يليق بـ«مزراب»، ليس مسموحا له – فيما يبدو – بإخراج غير ما يدخل إليه، فيكون فشلا يضاف إلى «دولاب الفشل»، ونضطر أن ننتظر ظهوره فى شخصية جديدة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved