ملتقى الفكر الإسلامي: الإخلاص سبيل النجاة في الدنيا والآخرة وشرط قبول الأعمال عند الله
آخر تحديث: الإثنين 10 مايو 2021 - 8:11 ص بتوقيت القاهرة
أكد ملتقى الفكر الإسلامي أن الإخلاص سبيل النجاة في الدنيا والآخرة، وشرط قبول الأعمال عند الله (عز وجل)، ويتجلى في أبهى صوره عند الشدائد ، والعاقل الفطن هو الذي يخلص النية لله تبارك وتعالى.
جاء ذلك في الحلقة السادسة والعشرين لملتقى الفكر الاسلامي الذي ينظمه المجلس الأعلى للشئون الإسلامية - تحت رعاية وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة، في إطار التعاون والتنسيق بين وزارة الأوقاف المصرية والهيئة الوطنية للإعلام ؛ لنشر الفكر الإسلامي الصحيح ، ومواجهة الفكر المتطرف ، وتصحيح المفاهيم الخاطئة، تحت عنوان: " الإخلاص" ، حاضر فيها كل من : الدكتور بكر زكي عوض عميد كلية أصول الدين الأسبق ، والدكتور نوح العيسوي وكيل وزارة الأوقاف لشئون المساجد والقرآن الكريم .
وفي كلمته أكد الدكتور بكر زكي عوض أن الدين الإسلامي مكون من عقيدة وشريعة وأخلاق ، فالعقيدة تهدف لضبط الأخلاق ، والشريعة جاءت لتهذيبها ، وفي ذلك يقول سيد الخلق (صلى الله عليه وسلم) : "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" ، فأخلاقنا التي جاء بها الإسلام تبلغ حدًّا كبيرًا في الكثرة ، ومن أهمها : الإخلاص الذي يبتغي به الإنسان وجه ربه تعالى في كل شيء يتصل به ، في حركاته وسكناته ، في أفعاله وأقواله ، وقد أمر ربنا سبحانه الأمم السابقة بالتعبد له بهذه الصفة ، فقال سبحانه : "ومَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ " ، وأما عند بعثته (صلى الله عليه وسلم) فمدحه ربنا بالإخلاص ، ومدح الأمة المحمدية ، فقال تعالى : " إِنَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بالْحَقِّ فَاعْبُدِ الله مُخْلِصًا لَّهُ ٱلدِّينَ " ، وقال أيضًا في محكم آياته: " قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" ، فدلت الآيات الكريمات وغيرها من آيات ربنا في قرآنه أن أقوال الرسول (صلى الله عليه وسلم) وأفعاله وتعبده كانت ابتغاءً لوجهه سبحانه .
وأوضح عوض ، أن الأمة المحمدية استقبلت من الأوامر الإلهية التي تجعل من حركات أفرادها وسكناتهم ، وأقوالهم وأفعالهم مناطًا للإخلاص لله تعالى ، فخاطبهم ربنا بقوله : " قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ"، وقال أيضًا : " هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" ، فألزمت الآيات الحبيب (صلى الله عليه وسلم) هو وأمته بالتحلي بصفة الإخلاص التي هي مناط قبول الأعمال عند الله تعالى ، وقد حذر الرسول (صلى الله عليه وسلم) من الرياء ؛ حتى لا يصير العمل مُحبطًا عند الله تعالى ، فقال سبحانه : " قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالحًا، ولا يشرك بعبادة ربه أحدًا " ، ومن هنا نرى أن الإخلاص كله خير ولا بد منه حتى يتقبل الله العمل ممن يقوم به .
وأضاف قائلا: إن الإخلاص يتجلى في أبهى صوره عند الشدائد والنوازل التي يتعرض لها العبد في دنياه ، فيظهر مدى تقبله لقضاء الله وقدره ومدى إخلاصه لله في كل أفعاله وأقواله ، وما ينزل على العبد من ابتلاء يريد الله أن يختبره به أو أن يرفعه بذلك إلى درجة أعلى عنده ، فيقول سبحانه : "وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ" ، وأن الإخلاص هو طريق النجاة دومًا للعبد في كل ضائقة أو شدة.
وفي كلمته ، أوضح الدكتور نوح العيسوي أن الإخلاص روحُ الطاعاتِ ، وجوهرُ العباداتِ ، لاَ تُقْبَلُ الطاعةُ بدونِهِ ، لأن الله سبحانه وتعالى جعله شرطا لقبول الأعمال الصالحة ، ليس في العبادات فقط ، بل في جميع الأعمال والأقوال ، فلا بد من أن تكون النية صادقة خالصة لوجهه تعالى ، وقد بين ذلك النيي (صلى الله عليه وسلم ) عندما أتاه رجل وسأله ، فقالَ : يا رسول الله : أَرَأَيْتَ رَجُلًا غَزَا يَلْتَمِسُ الْأَجْرَ وَالذِّكْرَ، مَالَهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): « لَا شَيْءَ لَهُ » فَأَعَادَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، يَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): «لَا شَيْءَ لَهُ» ثُمَّ قَالَ: « إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا، وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ ».
وأكد العيسوي أن الإنسان مرتهن بعمله عند ربه (عز وجل) ، إما أن يقبله وإما أن يردَّه، والعمل المردود سبب من أسباب هلاك صاحبه؛ لأنه قصد به رضا الناس لينال مدحهم وثناءهم عليه ، فكان كما قال ربنا سبحانه : {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} فكل ما عملوا في الدنيا من عمل صالح أصبح هباء منثورًا ، لا قيمة له ولا وزن له ؛ لأنه لم يقم على الإخلاص لله رب العالمين ، ففي الحديث عن أبي موسى الأشعري (رضي الله عنه) قال : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَقَالَ : الرَّجُلُ يُقَاتِلُ حَمِيَّةً (أي : من أجل العصبية والدفاع عن عشيرته ولو بالباطل)، وَيُقَاتِلُ شَجَاعَةً (أي : يقاتل من أجل أن يقال عنه : إنه شجاع)، وَيُقَاتِلُ رِيَاءً (أي يقاتل من أجل رضا الناس وثنائهم عليه وليس من أجل الله تعالى)، فَأَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ قَالَ : «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيََ الْعُلْيَا، فَهْوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ».
وقال العيسوي ، إن الله تعالى لا ينظر إلى كثرة الأعمال أو قلتها بقدر ما ينظر إلى قيمة الإخلاص فيها ، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم): « إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ ». وفي رواية: « إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ وَلاَ إِلَى صُوَرِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ » وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ إِلَى صَدْرِهِ فالعاقل الفطن هو الذي يخلص النية لله تبارك وتعالى لأنّ الناس لا ينفعونه بشيء إذا راءى لهم بل هو الخاسر يوم القيامة.