في حوار مع «الشروق».. عمرو موسى يقدم رؤية تحليلية للمتغيرات السياسية المتلاحقة بالشرق الأوسط - «1»

آخر تحديث: الأحد 10 يونيو 2018 - 10:06 ص بتوقيت القاهرة

أجرى الحوار ــ عماد الدين حسين وخالد أبو بكر:

• أطالب بـ«الشمول السياسى» فى مواجهة مشكلاتنا الكبرى وعلى رأسها سد النهضة
• إذا تعامل أى حاكم عربى مع شعبه بمنطق القرن العشرين فسوف يواجه مصاعب من شباب القرن الحادى والعشرين المتصل بعصره والمنفتح على العالم
• مبارك قال فى آخر سنواته «خلينا نتفرج» فاخترقت إيران وتركيا العالم العربى فى غيبة مصر
• لا تعارض بين أن تتواجد سياسيًا واقتصاديًا فى الخارج وبين استكمال التنمية فى الداخل
• غياب الحكم الرشيد أدى لنجاح مخطط نشر «الفوضى الخلاقة» فى مصر والعالم العربى
• يجب أن تكون مصر فى مقدمة القوى التى تعمل على استقرار ليبيا ومنع سيطرة المتطرفين
• الجامعة العربية لم تسهل دخول الناتو إلى ليبيا وسأرد على مروجى هذه الأكاذيب بالوثائق فى الجزء الثانى من مذكراتى
يشهد العالم العربى والشرق الأوسط على اتساعه متغيرات متلاحقة فى قضايا أساسية وجوهرية شغلت ــ ولا تزال ــ بال شعوب ونخب هذه المنطقة لعقود طويلة، كما الحال فى القضية الفلسطينية، التى تشهد تطورات دراماتيكية فى الفترة الأخيرة بعد اعتراف الإدارة الأمريكية بالقدس عاصمة لإسرائيل، بالإضافة إلى أعمدة النار التى تتصاعد فى أكثر من بلد عربى مثل سوريا، وليبيا واليمن، وعدم الاستقرار الذى يضرب الكثير من الأقطار العربية، فى ظل مساعٍ محمومة لقوى دولية وإقليمية لفرض سيطرتها ونفوذها على العالم العربى.

كل هذه القضايا التى تشغل الرأى العام المصرى والعربى طرحناها على السيد عمرو موسى، وهو من القامات الدبلوماسية والسياسية المرموقة فى مصر والعالم العربى، ففند بعين الخبير ــ الذى لم يبتعد قط عن مطابخ السياسة وما يدور فيها فى الإقليم والعالم ــ الأخطار المحدقة بالعرب فى اللحظة الراهنة، وتجاوز ذلك إلى وضع تصورات لحلول يمكن البناء عليها فى قضايا جوهرية مثل القضية الفلسطينية.

وفى الحلقة الأولى من الحوار يقدم السيد عمرو موسى مفهوم «الشمول السياسى» الذى يطالب باتباعه فى مقاربة القضايا الكبرى والرئيسية التى تواجه مصر، وهو يعنى بـ«الشمول السياسى» إحدى طرق الحكم الناجحة التى يتم بمقتضاها تعبئة قوى الدولة ومؤسساتها والتنسيق بينها، لتحقق تكاملها بما يحقق فى نهاية المطاف أفضل أداء لها فى التعامل مع القضايا المختلفة، وذلك على العكس تماما من العمل بنظام الجزر المنعزلة بين المؤسسات المختلفة فى القضية الواحدة.

وشدد موسى على أنه لا تعارض بين أن تتواجد سياسيا واقتصاديا فى الخارج وبين استكمال التنمية فى الداخل، وذلك ردا على دعاة الانكفاء على الداخل، مشيرا إلى أنه يجب على مصر أن تكون فى مقدمة القوى التى تعمل على استقرار ليبيا ومنع سيطرة المتطرفين عليها، منوها فى هذا الصدد بأن الجامعة العربية لم تسهل دخول الناتو إلى ليبيا فى عهده، وأنه سيرد على مروجى هذه الأكاذيب بالوثائق فى الجزء الثانى من مذكراته.

وإلى نص الحوار:

< هناك تيار ينادى بضرورة انكفاء مصر على ذاتها لاستكمال بناء الداخل.. وبالتالى لا يحبذون انخراط مصر فيما يحدث فى الإقليم والعالم.. كيف ترى هذا الطرح؟

- كان الرئيس الأسبق حسنى مبارك فى سنواته الأخيرة ــ نحو عام 2005 ــ يرى فوضى ولعبا على المكشوف وتوافقات سرية فى ومع أكثر من دولة فى الشرق الأوسط بواسطة دول كبرى، مع تصاعد واضح لقوى إقليمية مثل تركيا وإيران، تحاول بسط نفوذها على العالم العربى. كان تعليقه على هذه الأوضاع التى بدت تغشى الإقليم كله بعبارة شهيرة «خلينا نتفرج»، بمعنى أن مصر فى حل من أن تتدخل فى هذه الصراعات، وأن سياسة «النأى بالنفس» هى الأصوب.

الكثيرون فى مصر كانوا يرون فى سياسة «خلينا نتفرج» وما يصحبها أو تعنيه من الانكفاء على الداخل «حكمة»؛ لكننى كنت أرى ــ ومازلت ــ أن مصر خلال السنوات الأولى من الألفية الجديدة كان لايزال لديها بعض القوة الدبلوماسية، وكان بإمكانها المناورة وتحقيق درجة أو درجات من النجاح فى قيادة تجمع عربى يحول دون اختراق العالم العربى وتهرئته فى أكثر من موضع ومن جانب أكثر من قوة سواء فى الإقليم أو العالم.

ما حدث أنه فى تلك الفترة، تمددت إيران فى أكثر من بلد عربى، مستغلة الوضع فى العراق، ومستثمرة فى الأقليات الشيعية الموجودة فى أكثر من بلد عربى فى الشرق، وتمددت تركيا مستغلة العودة الإسلامية إلى حكمها والترحيب بها فى العالمين العربى والإسلامى، وكانت المطابخ السياسية الأمريكية تسوى على نار هادئة نظرية «الفوضى الخلاقة» التى تبناها وأطلقها «المحافظون الجدد» الذين يتحكمون اليوم، تكملة لمسيرة جورج دبليو بوش وديك تشينى وكونداليزا رايس.

هذا كله أدى بشكل غير مسبوق إلى تراجع الدور المصرى فى المنطقة، وعندما تتحدث عن تراجع الدور المصرى فى الوقت نفسه يجب أن تتكلم عن تقدم الدور الإيرانى والتركى، وهذه معادلة واضحة.

أرى أنه لا تعارض إطلاقا بين أن تتواجد سياسيا واقتصاديا فى محيطك الذى هو مجالك الحيوى، وبين استكمال عملية التنمية فى الداخل. كلمة «الانكفاء» ثقيلة ولا تليق بدولة فى حجم مصر بل تتعارض ومصالحها، وخاصة فى عصر العولمة وتشابك المصالح وتداخل الاستراتيجيات واضطراب العلاقات الدولية التى لابد أن يصيبك منها ضرر وخاصة إن كنت غائبا.. أى منكفئا. دعنى أَزِدْكَ من الشعر بيتا، فأقول إن الاهتمام بالمجال الحيوى أو بالمجالات الحيوية هو من صميم الاهتمام بالداخل، بل شرط لنجاحك فيه، وإلا عصفت بنا رياح وتهديدات عدم الاستقرار.. أى أن المجال الحيوى ليس سياسة خارجية فقط وانما داخلية أيضا.

< تحدثت عن دور مصرى كان يمكن أن يحول دون اختراق الكثير من المواضع فى العالم العربى.. فهل مازال بإمكاننا لعب هذا الدور القيادى؟

ــ نعم مصر تملك مؤهلات القيادة.. لكن علينا أن نفعلها، وفى هذا السياق أقول إن مفهوم قوة مصر يجب ألا ينسحب فقط على القوة الصلبة أو القوة العسكرية، وهى مهمة جدا بطبيعة الحال، بل ينسحب أيضا بنفس الأهمية على القوة الناعمة التى تميزت بها مصر منذ عقود القرن التاسع عشر وحتى وقت قريب، لكنها بدأت تتراجع.

علينا أن نسأل أنفسنا على سبيل المثال: لماذا أصبح الكثيرون فى العالم العربى وإفريقيا يتوجهون إلى العلاج فى غير مصر بعد أن كانت مصر قبلتهم، ولولا نوابغ فردية من أعلام مثل مجدى يعقوب ومحمد غنيم ومحمد أبوالغار اهتموا بمعايير الجودة لما بقى لنا شىء. إن من الضرورى أن ندرس هذا الأمر، خاصة أن لدينا بنية أساسية فى الطب يمكن تفعيلها، وهذا ينطبق على مجالات أخرى كثيرة.

فى أهمية القوة الناعمة دعنى أَقُلْ إن الولايات المتحدة لم تصبح قوة عظمى فقط لامتلاكها الأسطولين السادس والسابع وغيرهما، لكن أيضا لأن لديها جامعات من وزن «هارفارد» ولديها هوليوود و«نيويورك سيتى»، و«سيلكون فالى» وغيرها ولديها صحافة حرة، وأحزاب قوية ومجتمع مدنى قوى. مصر الآن لديها عدد كبير من الصحف، لكن يتراجع عدد قرائها وكذلك تتراجع مصداقيتها، بعد أن كانت صحافة رائدة فى المنطقة، إلى آخر مظاهر التراجع فى مختلف مجالات القوة الناعمة. إن الاهتمام بقوتنا الناعمة عنصر أساس فى بناء الدولة حتى نعود أقوياء ومؤثرين فى مجالنا الحيوى.

< هل كان بإمكان مصر والعالم العربى الحيلولة دون نشر «الفوضى الخلاقة» وكبح التمدد التركى والإيرانى فى العشرية الأولى من القرن الحادى والعشرين؟

ــ كنت أرى وقتها أننا نستطيع الوقوف فى وجه هذه المخططات الشريرة التى تستهدف بلادنا جميعا، أو حتى الاستعداد لمواجهتها فى بلادنا بلدا بلدا. كنت أمينا عاما للجامعة العربية، وتحدثت مع الرئيس مبارك مثلما تحدثت مع عدد من الرؤساء والملوك العرب عن العاصفة القادمة ونظرية الفوضى الخلاقة، ولكن كان رأيهم فى مجمله أن العاصفة سوف تصيب آخرين، فكل رئيس رأى أنها لن تصيب بلده هو بالذات، هذا إذا كان هناك عاصفة.. وانتهت هذه المرحلة ودخلت «الفوضى الخلاقة» المنطقة بما فيها مصر، ومن أهم العناصر التى أدت إلى نجاح هذه الفوضى غياب الحكم الرشيد. أنا أؤمن بأنه لو كان الحكم فى العالم العربى بصفة عامة حكما رشيدا لم يكن لمثل هذه النظرية والسياسات القائمة عليها أن تنجح أبدا. من وقفوا خلف نشر الفوضى إنما استغلوا اليأس والاحباط الناجم عن سوء إدارة الحكم.

< إذن.. هل نفهم من كلامك أنك من المؤمنين بأن الثورات العربية كانت مدفوعة بجهد المؤمنين بنظرية «الفوضى الخلاقة» فى واشنطن؟

ــ الثورات قامت لوجود أخطاء داخلية ضخمة صاحبها زخم خارجى ضخم أيضا، وهو ما أدى إلى ثورة 25 يناير فى مصر مثلا. لكننى أشدد دوما على أنه ما كان للفوضى أن تنجح إلا فى وجود سوء إدارة للحكم فى مصر، وسوء إدارة للحكم فى العالم العربى عموما، وعندما أقول سوء إدارة الحكم فى مصر فإننى لا أعنى فقط السنوات الأخيرة من عهد مبارك، بل إن هذا السوء بدأ منذ الفترة الأخيرة من عهد الملك فاروق بكل العهود التالية دون استثناء بما فى ذلك العام اليتيم الذى حكمه الإخوان.

نعم أخطاء الحكم تراكمت، وعندما أتحدث عن سوء إدارة الحكم أتحدث عن سوء إدارة التعليم والصحة والخدمات، وعدم الاهتمام بتنمية الإنسان المصرى وربما الاهتمام بالعكس، وهو ما أدى إلى ما حدث من تجريف وتراجع فى الكفاءة والجودة؛ فمفهوم الحكم يجب ألا يقتصر على فاعلية مؤسسات مثل الجيش والشرطة، بل يتخطى ذلك إلى توفير الخدمات للناس بجودة عالية، وهو ما ينتج عنه قدرة هؤلاء الناس على التقدم بالدولة. إن تراكم سوء إدارة الحكم انتهى بفشل الدولة فى تحقيق ما يريده الناس، ويأملون فى تحقيقه بصرف النظر عن طبقاتهم أو أوضاعهم المجتمعية.

أضيف هنا أن الشعور الوطنى سيف بتار يرتبط بشعور الفرد بالفخر لما تحققه دولته فى مجالات العلم والرياضة والفنون وبأنها محترمة فى مجتمعها الإقليمى وفى الإطار الدولى. إن غياب ذلك الشعور ينتج الاحتجاجات والانتفاضات والثورات ويجعل الأرض خصبة للنظريات والتدخل الخارجى.

هذا كله يجعلنى مقتنعا بأن العالم العربى دخل مرحلة تغيير جذرى، وأنه فى خلال سنوات قليلة سوف يتيقن الجميع بأن بلادنا ــ جميعا ــ لن تكون مثلما عاشت فى القرن العشرين وما قبله فى السنوات الأولى من القرن الحالى.

< ما هى الشواهد التى تجعلك واثقا من حدوث هذا التغيير الجذرى فى العالم العربى؟

ــ فى الحديث عن التغيير فى العالم العربى، أقول إنه ليس شرطا أن يأتى هذا التغيير بواسطة الثورات والانتفاضات، قد يأتى من خلال تبنى توجهات إصلاحية جديدة، كما يجرى فى السعودية حاليا بل إن التوجه نحو الاصلاح الشامل ــ الحقيقى ــ يمنع ردود الفعل العنيفة للشعور بالإحباط والقهر والتراجع فى حظوظ الحياة الكريمة.

وفى هذا الصدد أيضا أشير إلى تغيير جذرى جرى فى ذهنية الشباب العربى بالنسبة إلى طريقة التلقى والتعبير والآمال والتطلعات المرتبطة بعصرهم فى القرية الكونية التى صرنا نعيش فيها بفعل ثورة المعلومات وتكنولوجيا الاتصالات، وتاليا إذا تعامل أى حكم عربى بذات المنطق الذى كانت تدار به الأمور فى القرن العشرين سيواجه مصاعب جمة من شباب أصبح يشكل أغلبية سكان البلاد متصل بعصره ومنفتح على العالم. علينا جميعا ألا ننسى أبدا أننا فى القرن الواحد والعشرين، وأن عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء.

< بالعودة إلى حديثك عن المجال الحيوى لمصر.. ماذا ينبغى على مصر أن تفعل فى ليبيا المأزومة التى تربطها معنا حدود شاسعة وروابط ومصالح كثيرة؟

ــ ما نفعله الآن.. أى أن نتحسب ونستعد تماما للإرهابيين الموجودين على الأراضى الليبية، ونصد محاولات تسللهم واختراقهم لحدودنا بمنتهى القوة والحزم، فى الوقت ذاته نعمل مع الأمم المتحدة ومع دول الجوار ومع الوطنية الليبية على إنضاج تسوية ليبية ــ ليبية، فالوضع الحالى يبقى وضعا مؤقتا. يجب أن تكون مصر فى مقدمة القوى التى تعمل على استقرار الأمور فى ليبيا؛ ومنع سيطرة المتطرفين باعتبار أن ذلك مرتبط مباشرة بالأمن القومى المصرى.

< بمناسبة ليبيا.. هناك اتهام يثيره البعض ضدك يدعى أنك سهلت تدخل الناتو فيها وقت أن كنت أمينا عاما للجامعة العربية.. بم ترد على هذه الادعاءات؟

ــ أشكرك على توجيه هذا السؤال، فهى فرصة لشرح موقف الجامعة العربية من الأحداث الليبية، وهو الموقف الذى حاول البعض أن يجعلوا منه محلا للاتهامات المرسلة وللسباب والصياح. وقد ارتحت لحقيقة أن هذا السباب والصياح لم يكن له صدى يذكر لا عربيا ولا إقليميا ولا دوليا، حيث تهتم دوائر الإعلام فيها بالاطلاع على الحقائق والمعلومات الموثقة وخاصة فى هذه الأمور الجادة.

بل حتى فى مصر ــ وإعلامها يعانى من عيوب كثيرة ــ بقى فريق السباب فقط يحاول أن يخترع موقفا لم يحدث دون أن يحصل على أى مصداقية. لم أرغب فى الرد عليهم ولكننى انتويت أن أشرح موضوع ليبيا تفصيليا موثقا فى الجزء الثانى من مذكراتى والذى يتناول السنوات العشر التى قضيتها أمينا عاما للجامعة العربية.

وبإيجاز ودون إخلال بالمضمون أقول: حدثت اضطرابات أو احتجاجات الليبيين ضد نظام حكم العقيد القذافى تالية لما حدث فى تونس ومصر وهما الجاران الملاصقان لليبيا شرقا وغربا، وكان العقيد القذافى رحمه الله يتباهى بـأن ليبيا ثابتة على الرغم من اهتزاز الجارتين، ولم يكن يدرى أن موجة الاضطرابات سوف تجرفه بالضرورة لتشابه ظروف الحكم فى البلدان الثلاثة على الرغم من اختلاف أساليبها.

أخذت فى الجامعة العربية موقفا محايدا وإنما إيجابيا إزاء الأحداث التى سميت بالربيع العربى. لم تتدخل الجامعة ولكن راقبت بقدر الإمكان مختلف التطورات التى ألمت بأكثر من بلد عربى. بدأ صوت الجامعة يعلو فى صدد الوضع فى ليبيا بعد أن بدأ المدنيون يصرخون من شدة تعرضهم للقصف الجوى وتصاعد عدد الضحايا والمصابين فى بنغازى بالذات من قصف طائرات النظام للمتظاهرين والأحياء المدنية، وإذا رجعنا إلى الصحف ووكالات الأنباء العالمية والعربية والمصرية نجد معلومات كافية فى هذا الصدد.

وبالفعل دعوت مجلس الجامعة العربية للاجتماع وأقر مطالبة النظام الليبى بعدم التعرض للمدنيين وبوقف القصف الجوى لهم وإلا علق نشاطهم فى الجامعة العربية ومنعوا من حضور اجتماعاتها، فرد العقيد قائلا: «طظ»، واستمر القصف الجوى وتصاعد عدد الضحايا المدنيين فتم تعليق المشاركة الليبية فى الجامعة العربية ومؤسساتها.

مع الأسف لم يتوقف القصف الجوى ودخلت ليبيا فى مقدمات حرب أهلية، مما دعا بعض دول الجامعة العربية إلى اقتراح طلب حظر جوى فوق المدن الليبية حماية للمدنيين وتم إقرار ذلك. علما بأن الحظر الجوى يتم بقرار من مجلس الأمن فقط.

فلما جئنا إلى مرحلة تنفيذ قرار مجلس الجامعة بالعرض على مجلس الأمن لفرض الحظر الجوى بدأ لعب الدول الكبرى التى كان لها مخطط آخر اعترضت عليه الجامعة ولم تتماش معه على وجه الاطلاق.

وهذا أمر مسجل بما فى ذلك الإضافات والتحفظات التى أرسلتها الجامعة إلى مجلس الأمن، ومقاطعة الأمين العام للقمم الأوروبية والاجتماعات التى عقدت لتدارس الوضع فى ليبيا بعد قرار مجلس الأمن.

هذا موجز، ولكن هناك كثيرا آخر وبالوثائق سوف ترد فى «كتابيه» كجزء من مذكراتى السياسية وليس من منطق رد على أحد وخصوصا إذا كانت هذه الآحاد لا تستحق ردا.

< العلاقات المصرية ــ السودانية متأرجحة ويغلب عليها التوتر.. كيف نصلح الأمر؟

ــ حاولت خلال الفترة التى توليت فيها منصب وزير الخارجية (1991 ــ 2001) وضع أساس متين لعلاقات قوية مستقرة مع السودان، وهنا بالطبع نحن فى مصر ندرك أن السودان دولة مستقلة وذات سيادة وهى فى نفس الوقت الأقرب إلينا. ولنا معا مصالح مشتركة كثيرة. لكن الحادث أننا فى بعض الأحيان لا نتعامل معها باعتبارها الأقرب إلينا، وفى المقابل وعلى الرغم من أن النظام السودانى يعلم الحساسية المصرية إزاء التطرف الدينى، فهو فى بعض الأحيان لا يراعى ذلك، والمطلوب منه تفهم المخاوف المصرية المبررة فى هذا السياق بغض النظر عن مرجعيته الدينية.

الرئيس البشير رجل ذكى، والدبلوماسية السودانية مرتبة؛ ثم إن السودان دولة وليس مشيخة كما يتصور البعض، ولديه علاقات ومصالح تدخل فى عمق إفريقيا وتلعب فى العالم العربى والإسلامى بل والأوروبى أدوارا مختلفة، وبالتالى علينا فى مصر أن نتعامل مع السودان بجدية أكثر.

أرى أن مفهوم العلاقة بين البلدين اللذين تربطهما الكثير من الوشائج والمصالح المشتركة يجب أن يتغير ليركز بقوة على التعاون والتكامل، وبهذا التكامل نتجاوز مسألة الخلاف حول مسألة حلايب وغيرها، التى أرى أنها أقل من أن تحدث الفرقة بين الشعبين الشقيقين، فأنا أرى أن حدود مصر الجنوبية لا تقف عند حدودها مع السودان وكذلك فإن حدود السودان الشمالية ليست حلايب وإنما تصل إلى الإسكندرية، كما سبق أن صرحت وقت أن كنت وزيرا للخارجية.

وهنا أدعو الإعلام فى البلدين لأن يرفع أياديه عن العلاقات المصرية ــ السودانية، لأنه ينفخ فى نار الفتنة عبر أصوات إما جاهلة أو متهورة أو مغرضة.

< كيف ترى أزمة سد النهضة مع إثيوبيا التى طال أمدها من دون التوصل لاتفاق يحفظ الحقوق المائية المصرية؟

ــ أنا لست على علم بجميع التفاصيل فيما يتعلق بأزمة سد النهضة.. وبشكل عام أرى أن المطلوب من مصر فى مقاربة هذا الملف هو معالجته بـ«شمول سياسى»، بمقتضاه نسير فى طرق مختلفة، ولكن مترابطة فى النهاية؛ فعندما نتفاوض مع إثيوبيا فى موضوع السد لابد أن نخدم على ذلك فى العلاقة المائية مع السودان وإعادة الحديث عن قناة جونجلى، وعلاقتنا بخاصة مع دول القرن الإفريقى وكذا علاقاتنا الاقتصادية مع الدول الإفريقية الشقيقة، وعلاقات التضامن الأمنى مع عدد من الدول العربية المهمة وعلاقتنا مع عدد من الدول الفاعلة على المستوى العالمى، وكذلك المنظمات الدولية ذات الصلة، ثم تعبئة الحكومة فى حركة «شمول سياسى» يشبه الشمول المالى. وأعنى بذلك ألا تعمل الوزارات والهيئات والمصالح المختصة فى هذا الموضوع دون الرجوع للآخر. أى أن على وزارة الزراعة مثلا أن تدرس خارطة المحاصيل لتعديلها وفق مخطط علمى وفى إطار زمنى مدروس دون عجلة أو إبطاء، وفى نفس الوقت الذى تدرس فيه وزارة الرى تغيير وتحديث عملية الرى وشبكاته وأساليب وتجويد وحسن تنفيذ عمليات تدوير المياه وتنقيتها وتكرار استخدامها.

وكذلك تقوم وزارة الإسكان (ذات الاختصاص فى موضوع تحلية المياه) بدراسة إقامة شبكة من محطات التحلية على البحرين الأحمر والأبيض، ومعه تدرس تفعيل شبكات الصرف الصحى منعا للهدر، ثم جهات الإعلام والتعليم والثقافة لنصح الناس وإعلامهم وتدريبهم فى عملية توفير المياه وحسن استخدامها، بالإضافة إلى اصدار القوانين اللازمة لتنظيم هذه الأمور وردع المخالفين. هذا كله بالإضافة إلى دور وزارة الخارجية ووزارة الدفاع ومعاهد البحث العلمى التى يجب أن تراقب وتتابع أداء سد النهضة (من هنا تظهر أهمية البحث العلمى للأمن القومى المصرى وأهمية حمايته وإطلاق طاقاته وليس تكبيلها).

مرة أخرى أطالب «بالشمول السياسى» فى مواجهة مشكلاتنا الكبرى وعلى رأسها سد النهضة والحق فى المياه، بل أكاد أقول أن الشمول السياسى هو إحدى طرق الحكم الناجحة لأنها تعبئ قوى الدول وتنسق بينها وتحقق تكاملها لتحقيق أفضل أداء، ثم متابعته والاستعداد لأية تطورات لاحقة.

أما عن السد نفسه فأرى ــ وهو ما تفعله الحكومة الآن ــ التركيز على عملية ملء السد وليس على بنائه، وتفعيل كل القوى التى أشرت إليها آنفا فى تشكيل موقفنا من الموضوع.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved