جزر سياحية لا يجد أهلها مكانا للعيش فيها

آخر تحديث: الثلاثاء 10 سبتمبر 2019 - 1:19 ص بتوقيت القاهرة

وقعت كوليت نولان في عشق جزيرة باروس اليونانية قبل 28 عاما، حين انتقلت من بريطانيا للعيش هناك برفقة زوجها اليوناني آنذاك. وتقول وقد بلغت الستين الآن: "أحفادي جميعا ولدوا وترعرعوا هنا. أحب الحياة قرب البحر والهدوء".

لكن نولان قد لا تتمكن من الاستمرار في العيش في تلك الجزيرة الجميلة المشهورة ببيوتها الزرقاء والبيضاء، فقد طلب صاحب البيت الذي تستأجره منها الرحيل عن الشقة التي تعيش فيها منذ خمس سنوات ليتمكن من تأجير جزء من العقار عبر موقع "إير بي إن بي".

تقول نولان: "صاحب البيت وزوجته عجوزان ويعيشان في الشقة في الطابق العلوي لشهر أو اثنين خلال الصيف. وقد أبلغاني أنهما بحاجة للشقة التي أسكن فيها لأنه يصعب عليهما صعود الدرج، لكن حين اقترحت عليهما أن انتقل للشقة الأعلى فقالا لي إن ابنهما قرر أن يؤجرها عبر موقع إير بي إن بي".

فتأجير الشقة المكونة من حجرتي نوم كالتي تعيش فيها نولان في باروس يدر 80 يورو في الليلة للإيجار السياحي أثناء العطلات، مقارنة بما تدفعه نولان وهو 100 يورو كإيجار شهري، وهو ما يعني أن أصحاب السكن سيحققون مكاسب مالية أكبر عن طريق الإيجار السياحي، خاصة خلال الموسم بشهور يونيو/حزيران ويوليو/تموز وأغسطس/آب.

ولهذا السبب توجه أصحاب السكن للمحكمة لإنهاء عقد نولان قبل أوان انقضائه في أبريل/نيسان القادم.

ولا يسهل على نولان أن تجد سكنا جديدا. ورغم أن ابنتها، كاترينيا بامبوليس، تسكن في نفس الشارع ويمكنها رؤيتها يوميا، فقد تضطر للعودة لبريطانيا بحثا عن عمل وترك ابنتها وحياتها في الجزيرة إذا لم تعد قادرة على التكفل بنفقات السكن.

وتسبب تأجير السكن للسائحين بالليلة في أزمة سكن كبيرة وارتفاع الإيجارات في العديد من المدن حول العالم. وكان الأمر أكثر صعوبة في الأماكن الصغيرة، مثل الجزر اليونانية التي تسكنها منذ أمد طويل مجتمعات صغيرة مترابطة صيفا وشتاء، لكن حين يأتي الصيف تفد حشود السائحين لقضاء الإجازات هناك.

ويبلغ تعداد السكان الدائمين في جزيرة باروس 13 ألف نسمة، لكن أعداد السائحين ازدادت مؤخرا، ففي الفترة بين عامي 2014 و2017 ارتفعت وتيرة التأجير بالليلة من 332,418 إلى 421,418 مرة. وبحسب بيانات موقع "إير بي إن بي"، ثمة 2435 مكانا شاغرا بالجزيرة، 82.9 في المئة منها عبارة عن بيوت وشقق كاملة.

وتناهز نسبة ملاك العقارات السكنية في اليونان 74 في المئة من إجمالي عدد السكان، وهي بين أعلى النسب في أوروبا. وكثيرا ما تملك الأسر المتوسطة أكثر من عقار، بعضها لسكن أولادها حين يكبرون ويؤجرونها قبل ذلك.

لكن بعد أزمة الديون التي تعرضت لها اليونان مع انكماش اقتصادها بنسبة 26 في المئة، أنهت عائلات عدة تأجير المنازل للأمد الطويل لطرحها في سوق التأجير السياحي تعويضا للخسارة.

وبالنسبة للكثير من الأسر التي تأثر دخلها بالأزمة، جاء الإيجار السياحي كطوق نجاة. أما بالنسبة للمستأجرين - ومنهم من يعيش وحيدا أو من الطلاب والعمال الموسميين أو الأطباء والمعلمين الذين يتنقلون في وظائف مختلفة - جاءت الإيجارات السريعة وبالا عليهم، لأنها حرمتهم من السكن المناسب ورفعت الإيجارات بصفة عامة.

تقول نولان: "كان من السهل أن يجد المرء سكنا في باروس، أما الآن فالجميع يبحثون عن سكن، وأغلب المستأجرين طُلب منهم إخلاء السكن لرغبة الملاك في تأجيره عبر موقع إير بي إن بي، دون أن يجدوا بديلا".

اعتادت نولان دفع 100 يورو كإيجار شهري، لكن لا يمكنها الآن استئجار مكان مقارب لأمد طويل بأقل من 300 يورو شهريا، وتقول: "بإضافة الفواتير يصبح الأمر مكلفا للغاية. ليس لدينا الكثير من الأموال، فالعمل متوفر في الصيف، ونحاول إيجاد أي عمل في فصل الشتاء. أعمل بأحد الفنادق، وفي الشتاء أعطي دروسا بالإنجليزية أو أعمل في مجال النظافة".

وبالنسبة لابنة نولان فالأمر معقد، إذ تعمل في إدارة الفيلات السياحية بالجزيرة، لذا تتفهم موقف أصحاب السكن بالجزر السياحية.

وتقول: "يمكن كسب 10 آلاف يورو خلال ثلاثة أشهر عن طريق إير بي إن بي. أدفع 2000 يورو ضرائب ومثلها للنظافة وإصلاح الأشياء التي تحتاج للتجديد، ويتبقى لي 6000 يورو. وفي حالة وجود مشكلة مع السائح تتدخل إير بي إن بي مباشرة. لكن إذا أجّرت منزلا مماثلا على المدى الطويل ستحصل على عشرة آلاف يورو في العام، وستدفع 3000 يورو ضرائب ومثلها لإصلاح التلفيات، ولا يتبقى بعد ذلك إلا 4000 يورو. وإذا وقعت مشكلة مع المستأجر لن أستطيع إخراجه. لذا، يرفض الكثيرون الإيجارات طويلة الأمد الآن".

ورغم تفهم كاترينا لرغبة المؤجرين في الإيجارات الموسمية، فإنها تتفهم أيضا موقف والدتها، وتقول: "لو كانت الدولة قد دعمت الإيجارات الطويلة مثل الإيجارات القصيرة، لما واجهنا مشكلة كهذه".

"السبيل الوحيد"
وعلى الجانب الآخر من اليونان تقع جزيرة كورفو، التي لا يختلف الوضع بها عنه في باروس. فرغم أن كورفو أكبر من باروس - إذ يسكنها أكثر من 100 ألف شخص بشكل دائم ولديها جامعتها الخاصة - فقد أجبرت الإيجارات السياحية في البلدة الرئيسية الطلاب على العيش في الفنادق ولم يعد المستأجرون يجدون مكانا.

تقول نيكوليتا باندي، البالغة من العمر 30 عاما، إنها أمضت وأمها عامين في البحث عن شقة تسعهما قبل أن تضطرا لاستئجار شقة مكونة من غرفة نوم واحدة خارج كورفو. وتنام باندي بغرفة النوم وتترك لأمها غرفة المعيشة.

تقول باندي: "كنت أعيش بقرية واحتجت للسكن في كورفو تاون بسبب عملي. وقد وجدت أن إيجارات الشقق المكونة من غرفتي نوم قفزت من أقل من 200 يورو شهريا قبل خمس سنوات إلى 500 يورو وأكثر. ندفع 350 يورو لشقة مكونة من غرفة واحدة، ونعتبر ذلك رخيصا."

ورغم صعوبة السكن في مكان ضيق، تقول نيكوليتا إن علاقتها جيدة بأمها لأنهما لا تتوقعان استمرار تقاسم المكان لأمد طويل، فالفتاة ستنتقل إلى أثينا لتبدأ دراسة الماجستير وستبقى أمها في الشقة.

وقد بدأ الغضب يزداد بين السكان بجزر أخرى. يقول جورج تزيماس، البالغ من العمر 28 عاما ويدرس الهندسة المعمارية بجامعة كريت في مدينة خانيا، إن الطلاب باتوا يحجمون عن الالتحاق بالجامعة لعدم توافر السكن".

وينظم تزيماس وغيره مسيرات احتجاجية بالمرفأ القديم بالمدينة حيث يتوافد السائحون، ويقول: "من يعيش بالجزيرة يعلم بالمشكلة، لكن نريد أن يطلع الزوار أيضا عليها. نريد أن يعرفوا أننا نريد أن نعيش هنا مرة أخرى دون أن تكون المدينة مجرد مقصد للسياحة. ليس لدينا حتى حديقة عامة".

ويتابع كثيرون في اليونان ما بدأ يطرأ من انخفاض في أعداد الزوار إجمالا وتبعات ذلك على إيجارات "إير بي إن بي"، فقد سجلت المطارات اليونانية انخفاضا بنسبة 1.5 في المئة في المتوسط حتى الآن هذا العام، بينما انخفض عدد الوافدين إلى خانيا بنسبة 5.6 في المئة.

تقول نولان: "قد تخيب آمال من يؤجرون منازلهم عبر إير بي إن بي، وبالتالي يؤجرون بيوتهم لمدة عام باعتبار ذلك أكثر أمنا. على الأقل نأمل حدوث ذلك".

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved