خالد محمود يكتب: سمير سيف «غول» السينما الذى تألق مع «المشبوه» وانطلق بـ « دائرة الانتقام»

آخر تحديث: الثلاثاء 10 ديسمبر 2019 - 10:34 م بتوقيت القاهرة

نور الشريف آمن بموهبته.. وعادل إمام انطلق معه إلى مرحلة أكثر إبداعا.. وسعاد حسنى دعته إلى «المتوحشة»

 

بحزن كبير.. وصدمة لم يتوقعها أحد، تلقت الأوساط السينمائية بمصر والعالم العربى خبر الرحيل المفاجئ للمخرج الكبير سمير سيف إثر أزمة قلبية عن عمر ٧٢ عاما، سيف العاشق للحياة كان ــ رغم رصيده السينمائى الكبير والمفعم بالجوائز ــ يحلم بأعمال أخرى يدلى فيها برؤيته وشهادته بالصورة على قضايا اجتماعية ومناحٍ سياسية يشهدها الوطن، كما كان يحضر للدورة القادمة من المهرجان القومى للسينما الذى يرؤسه منذ سنوات، وشهد تطويرا على يديه بانتقال عروضه للمحافظات وخاصة منطقة الصعيد حتى ينهل مواطنوها من نبع عروض السينما المصرية الجديدة.
سمير سيف منذ بدايته فرض نفسه وفكره على نجوم شباك كبار سلموا أنفسهم لحماسته ومنهجه السينمائى، ومنهم عادل إمام ونور الشريف وأحمد زكى وسعاد حسنى وآخرون تعلموا معه الكثير، وشكلت أعماله معهم علامات فى تاريخهم، ونحن نعلم أن أهم أفلام سمير سيف قد قام ببطولتها نور الشريف «10 أفلام» وعادل إمام «8 أفلام»، وبالطبع هناك دور مهم للممثلة سعاد حسنى التى دفعت به نحو فيلم من بطولتها وهو «المتوحشة» عن مسرحية بنفس الاسم للكاتب جان أنوى.
الناقد الكبير كمال رمزى فى شهادته على سمير سيف أشار إلى اهتمام المخرج بأفلام الحركة كأنها مدينة تضج بالمجرمين والعصابات ليبرز ما هو خير ومن شرير فيقول: «عرف مخرج أفلام الحركة المستقبلى أن المعارك من الممكن أن تندلع برا ونيلا، وذلك لأنه سمع الكثير من قصص مطاردات المراكب لبعضها البعض، بالقرب من الجزر التى تظهر فى النيل، بالإضافة إلى حكايات العصابات الهاربة فى الجبل، كما أنه تأثر كثيرا بأفلام جيمس كاجنى، ميكى رونى، عمفرت بوجارت، أيام أنبوب كانت وما زالت أياما جميلة، وخصوصا الأفلام المصرية المعروضة فى سينما شبرا وكذلك سينما الجندول الصيفى وتنامى الاهتمام بالسينما عند سمير سيف من خلال الكتب التى جمعت بين التحليل والتذوق، مثل كيف تصنع فيلما سينمائيا ورجال السينما وفن الفيلم وغير ذلك من الكتب، وكان له اهتمام بما يعرض من أفلام فى المراكز الثقافية، كما أن بعض الأسماء قد لعبت دورا فى حياته ومنهم المخرجان حلمى حليم وشادى عبدالسلام، ثم الأهم المخرج حسن الإمام الذى عمل معه مساعدا فى عدد من الأفلام.
كانت محطة كبرى ومؤثرة فى مشوار سمير سيف عندما التقى مع نور الشريف وظهور أول فيلم روائى للمخرج وكان بعنوان «دائرة الانتقام 1976» وقد أنتجه نور الشريف بنفسه متحمسا لموهبه سيف، فالتأثر بأفلام الحركة جعل من سمير سيف مخرجا الأفلام الحركة، لكن لابد من القول بأن نجاح فيلم مثل دائرة الانتقام قد دفع بالمخرج نحو مزيد العمل فى مثل هذه النوعية، ولاسيما وأنها تحقق النجاح التجارى المطلوب الذى يسعى إليه كل منتج وسوف نجد أن الجمع بين الكوميديا والحركة هى السبيل الأوفق لتحقيق النجاح التجارى فى مرحلة سكون تام لأفلام الغناء والميلودراما. من جانب آخر نجد سمير سيف قد أخرج فيلم «قطة على نار» عن مسرحية يتسنى وليامز، رغم أنه من نوعية أخرى تتماشى مع اختيارات المخرج، وهو أمر ينطبق أيضا على فيلم «إبليس فى المدينة» المقتبس عن رواية «الأب الخالد» لبلزاك.
ويعود مرة أخرى إلى منطقة الأكشن بعد عدة تجارب متنوعة ربما لم تحقق الرواج الجماهيرى ليقدم واحدا من أنجح الأفلام هو «المشبوه»، الذى تفوق فيه سمير سيف وهو يشكل بداية التعامل مع الممثل عادل إمام، عمل على قدر كبير من التمكن الحرفى، فإيقاع الفيلم سريع، متدفق، وسلس. وزوايا التصوير القريبة من الوجوه البشرية تحقق نجاحا فى إبراز أدق الانفعالات فى اللقطات العامة، تختار الأماكن الخلفية بمهارة ملحوظة، فالمخرج بحسب شهادة كمال رمزى، يتحرر فى معظم فيلمه من أسر الاستوديو لينطلق إلى العديد من الشوارع وتبدو الديكورات والإكسسوارات على درجة من الصدق والواقعية والإيحاء والواقع أن «المشبوه» قاد الممثل عادل إمام نحو مناطق جديدة سوف يسير عليها لاحقا، ولاسيما أن التعاون الثنائى سوف يتوسع بوجود سيناريست مثل وحيد حامد فى فيلم مثل «ديل السمكة»، وهو فيلم يعتمد على الشرائح الاجتماعية المتعددة والقصة المتداخلة بشخصياتها المختلفة ورحلة مشبوهة ومعالى الوزير الذى قام ببطولته أحمد زكى فى أول تجربة معه، ومن قبلهم «الغول» ذلك العمل المتميز الذى يعد من أهم الأفلام التى أخرجها سمير سيف، فهو فيلم اجتماعى وسياسى، وفيه لجأ إلى الحل الفردى على الطريقة الأمريكية ولكن بروح شديدة الإنسانية للدرجة التى تفاعل معها المتلقى بشدة، وأيضا فى الفيلم الذى اتجه فيه سيف نحو عالم مختلف وهو «سوق المتعة» للسيناريست وحيد حامد أيضا، وهو فيلم مدهش مهم وحمل طموحا كبيرا، والواقع أن حالة التوءمة بين وحيد وسمير وصفت بإنها حالة خاصة جدا نادرا ما تتكرر فى السينما المصرية وهى مرحلة ذو طبيعة مختلفة.
وهناك تجربة فيلم «غريب فى بيتى»، المقتبس عن الفيلم الأمريكى «فتاة الوداع» وهو فيلم كوميدى وناجح، رغم أنه من نوع مختلف عن أفلام الحركة، وهناك أفلام أخرى مثل «احترس من الخط» و«الشيطانة التى أحبتنى» و«آخر الرجال المحترمين» و«الراقصة والسياسى»، وفيلم «المولد»؛ حيث تحول عادل إمام إلى بطل شعبى، وربما وصل فيه المخرج إلى مستوى لم يحققه من قبل. وهنا تبرز الأهمية التى يوليها المخرج للممثل الثانوى والرئيسى.
وهو ما تتحقق أيضا فى أفلام أخرى مثل «الهلفوت» و«المطارد» فى محاولة لتفسير العنف والنزعة الإجرامية. تتعدد أفلام المخرج مثل الشمس الزناتى و«لهيب الانتقام» و«الزمن والكلاب» و«عش الغراب»، وهى كلها أقرب إلى أفلام الحركة المعتاد تقديمها من المخرج، مع القليل من الطموح والتجديد.
لقد افتقدنا بحق مخرجا كبيرا وإنسانا آمنا بكل مفرداته وأخلص لكل البشرية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved