كريم أبو المجد لـ«الشروق»: نخطط لإقامة مستشفى متخصص فى مصر لنقل الخبرة العلمية إلى الأطباء

آخر تحديث: الجمعة 11 يناير 2019 - 11:12 م بتوقيت القاهرة

حوار ــ هاجر فؤاد:

أجريت ثلث جراحات زراعة الأمعاء فى العالم منذ عام 1990.. ووفاة والدى وشقيقتى كانت دافعى الأكبر لتعلم الطب
أتلقى تقارير المرضى وفحوصاتهم من خلال «واتس آب».. وأجريت جراحة دقيقة لطبيبة بنجلاديشية فى «قصر العينى» لأنها لم تملك المال اللازم لإجرائها فى أمريكا

من قرية صغيرة تتبع مركز بنى عبيد بالدقهلية، وتحمل اسم «ميت عدلان»، خرج رائد الجراحات الدقيقة وزراعة الأمعاء الطبيب المصرى العالمى كريم أبو المجد، مدفوعا بألم فقد الوالد، ومن بعده شقيقته، ليبحث عن تعلم الطب فى جامعة المنصورة.

ولم يكتف أبو المجد بما ناله من تعليم داخل أسوار الجامعة فى مصر، فانطلق إلى الولايات المتحدة الأمريكية ليواصل مسيرته، ليحقق نبوغا علميا مشهودا، تكلل برئاسته قسم الجراحات الدقيقة وزراعة الأمعاء، بمركز زراعة الأعضاء فى كليفلاند كلينك بأمريكا.
«الساحر المصرى» كما لقبه الأمريكيون، مشغول حاليا، كما روى فى حواره مع «الشروق» بإقامة مستشفى فى مصر، تعمل فى مجال تخصصه النادر، عازما على العودة إلى البلاد والاستقرار فيها، لنقل خبرته العملية إلى غيره من الأطباء.
ويزور أبو المجد، مصر سنويا لإجراء عدد من الجراحات الدقيقة، كانت آخرها عملية إعادة ترتيب الأمعاء الدقيقة لطبيبة بنجلاديشية. واستغرقت تلك العملية ست ساعات، بعدما أصر رائد الجراحات الدقيقة على إجرائها فى غرف عمليات مستشفى قصر العينى.

عن أبرز ما توصل إليه أبو المجد فى مجال معالجة العيوب الخلقية التى يولد بها الأشخاص، والمتعلقة بترتيب وتنظيم الأمعاء الدقيقة، وعن رحلته من قرية ميت عدلان إلى كليفلاند، وأمور أخرى.. دار الحوار التالى:

> من ميت عدلان، إلى معانقة المجد فى كليفلاند، كيف كانت رحلتك.!؟

ــ أنا مولود فى قرية صغيرة بمركز بنى عبيد فى محافظة الدقهلية تسمى ميت عدلان. توفى والدى وأنا فى عمر 6 سنوات، إثر نزيف فى المخ، الأمر الذى جعلنى مشغولا بالبحث عن حل طبى لعلاج مثل هذه الحالات حتى لا يتكرر ما واجهته من معاناة كطفل، مع أى طفل آخر، فتذهب من عينيه بهجة الحياة مثلما حدث معى. وغرست ملابسات وفاة والدى فى نفسى، التطلع للالتحاق بكلية الطب بجامعة المنصورة، وكانت للدولة الفضل الكبير فى مشوارى الدراسى، حيث مجانية التعليم غير المرهقة ماديا.
أما الأمر الذى عزز رغبتى فى الطب أكثر، مع تفوقى الدراسى، فكان وفاة شقيقتى وهى فى أواخر العشرينيات من عمرها. هذا الحادث، مع وفاة والدى، دفعنى دفعا إلى البحث ليس فقط عن التعلم، وإنما التفرد والتميز عن غيرى من الأطباء.
خلال فترة عملى بجامعة المنصورة، لفت انتباهى علاج العديد من حالات التهابات الكبد ومرضى البلهارسيا، وموت الكثير من الشباب والأطفال بنزيف دوالى المرىء، الأمر الذى جعلنى أشعر أن الجراحات التى تتم غير كافية، فتوجهت إلى أمريكا، قلعة الطب فى ذلك الوقت، لتدعيم قدراتى العلمية والعملية للعودة إلى مصر لخدمة أهلها.
بعد وصولى إلى أمريكا تنقلت بين أكثر من مركز طبى، وكان هدفى الأساسى التسلح العلمى لخدمة البشرية وخاصة مصر، وأعطانى الأطباء الذين أشرفوا على تعليمى الفرصة للاختراع وتحديث الطب فى أمريكا، وخلال سنوات قليلة أصبح الجميع يقدر مهارتى الجراحية والبحثية، وبدأت رحلتى فى زراعة الأعضاء مع الدكتور توماس ستارز فى جونتبرج الذى أجرى أول جراحة زراعة كبد فى البشر، وهو يعد أبو زراعة الأعضاء فى العصر الحديث.
عملت مع الدكتور توماس نحو 23 عاما، وتوصلنا لدواء مثبط للمناعة ويستخدم الآن فى جميع أنحاء العالم، فى نفس الوقت كان يستحيل إجراء جراحات زراعة الأمعاء؛ نظرا للحاجة إلى الخبرة الجراحية وأدوية مناعة قوية جدا، لكون الأمعاء من أصعب الأعضاء التى يمكن الجسم تقبلها، نتيجة وجود البكتريا أسفل جدار المعدة.

> لماذا اخترت مستشفى قصر العينى، لإجراء جراحة الطبيبة البنجلاديشية، وكيف أقنعتها بذلك؟

ــ أرسلت الفتاة شارمن شكواها وفحوصاتها عبر الواتس آب، وكانت غير قادرة ماديا على السفر إلى أمريكا لإجراء الجراحة، فأبلغتها بإمكانية الحضور إلى القاهرة أثناء زيارتى.
اخترت القصر العينى لقلة تكاليف الجراحة التى تطلبها المستشفى، وتكفلت بها مؤسسة كريم أبو المجد، بالإضافة إلى أنها تعطينى الفرصة لتعليم مجموعة كبيرة من الجراحين الصغار، ممن يمتلكون الشغف للتعلم واكتساب المزيد من الخبرة العلمية والجراحية، ورغم أن الإمكانيات المتوفرة لإجراء العملية، كانت بسيطة لكننا نجحنا رغم ذلك، بعد أن استغرقت العملية 6 ساعات تقريبا.
وحتى الآن، لم أنشر التفاصيل العلمية والعملية للعملية الجراحية، لذلك ليس هناك أى جراحين فى العالم لديهم الخبرة للقيام بها، وأتمنى فى القريب العاجل أن أنشر تفاصيل العملية ليستفيد منها الأطباء فى جميع أنحاء العالم، بعد أن عالجت أكثر من 60 حالة لديهم عيب خلقى فى وضع الأمعاء، من كندا وأستراليا وإنجلترا وعدد كبير من كل الولايات فى أمريكا.
ووفقا للإحصائيات الأخيرة التى نشرت، استطعت إجراء ثلث الجراحات فى هذا التخصص فى العالم كله، بعد أن أجريت أول جراحة من نوعها فى مايو 1990، واستطعت أن أثبت للعالم أن زراعة الأمعاء ممكنة فى البشر وجاء الأطباء من كل أنحاء العالم ليتدربوا معى على زراعة الأمعاء، وحتى اليوم شاركت فى تطور زراعة الأمعاء الجراحية والمناعية.

> ما هى أصعب العمليات الجراحية التى أجريتها؟

ــ كل العمليات التى أجريتها خلال 30 عاما الماضية كانت صعبة، ولم يستطع أحد فى مصر والوطن العربى وأمريكا القيام بها، فهناك عمليات تستغرق حوال 23 ساعة، وتتكلف عملية زراعة عملية الأمعاء فى أمريكا من 250 إلى 500 ألف دولار، وتصل عملية زراعة الكبد فى أمريكا من 500 ألف إلى مليون دولار، أما فى مصر فقد تصل إلى ما بين 50 إلى 100 ألف دولار.

> ماهى نسب نجاح جراحة زراعة الأمعاء؟

ــ تصل نسبة النجاح وفقا للمقالات التى نشرتها خلال الأعوام الماضية، إلى 91% فى أول سنة، و80% مع أول 5 سنوات، إلى أن تصل من 10 إلى 20 سنة لنسبة 50%، وهناك مرضى يعيشون 25 عاما بعد زراعة الأمعاء.

> من هم المرضى الذين يحتاجون زراعة للأمعاء؟

ــ تجرى العملية للمرضى الذين يعانون من فشل فى الجهاز الهضمى، نتيجة لاستئصال الأمعاء أو فشل فى حركة الأمعاء والمعدة والإثنى عشر، وأنا أرى مثل هذه الحالات كثيرا فى مصر من الأطفال والكبار، وأحاول قدر المستطاع تجنب زراعة الأمعاء، بجراحات دقيقة ومتخصصة لم تنشأ بعد، ليتمكن المرضى من العيش فى حياة سليمة دون الاحتياج لمغذى عن طريق الوريد.

> ما هى أعراض المرض؟

ــ للمرض ثلاثة أعراض، وهى التفاف الأمعاء، وعدم التصاقها بجدار المعدة الخلفى والجانبى، كما أن مسار الأوعية الدموية يكون غير طبيعى وملتوى، ولهذه الأسباب تلتف الأمعاء ويتوقف مسار الدم مما يحدث غرغرينا داخل الأمعاء وتتلف بالكامل، وهى حالة تحدث كثيرا للأطفال.

> ما السبب وراء عدم إجراء زراعة الأمعاء بمصر والوطن العربى؟

ــ وفقا للإحصائيات الحديثة، تجرى زراعة الأمعاء فى جميع القارات عدا إفريقيا، ويعود السبب لعدم وفرة الإمكانيات والخبرة العلمية وعدم وجود القيادات العلمية فى إفريقيا، على الرغم من أن الأطباء المتخصصين فى أوروبا وأستراليا وكندا أعدادهم بسيطة جدا.

> متى ستتوفر عمليات زراعة الأمعاء فى مصر، وما نصيب الأطباء المصريين من خبرتك العلمية؟

ــ دربت المئات من الأطباء فى أمريكا ومنهم مصريون وأصبحوا الآن أساتذة فى ألمانيا والقاهرة.
أملى الكبير أن أدخل زراعة الأمعاء فى مصر بمجرد وجود مستشفى متخصص، وأنا أشكر الرئيس السيسى والدكتورة هالة زايد، وزيرة الصحة، على توفير مبنى متخصص من مبانى وزارة الصحة التى لم تعمل بعد، ونحن بصدد إنهاء القرارات لإقامة هذا المستشفى بحيث يكون مجانى بشكل كامل، مع توفير جزء تعليمى لأطباء وزارة الصحة وأطباء الجامعة فى كل مجالات جراحات الجهاز الهضمى الدقيقة وزراعة الأعضاء مثل الكبد والبنكرياس والكلى، مع العمل على التدريب العلمى بشكل دورى، وإقامة المؤتمرات العلمية فى مصر وخارجها، لجذب الانتباه العلمى والقدرات العلمية خارج مصر، لتكون هناك قوة داعمة للتطور فى هذا المجال.

> من سيمول هذا المستشفى؟

تشارك وزارة الصحة فى تمويل إقامة المستشفى بجزء بسيط، أما الجزء الأكبر فمن جانب مؤسسة كريم أبو المجد لجراحات الجهاز الهضمى وزراعة الأمعاء التى تأسست فى نوفمبر 2017.

> كيف تتواصل مع الحالات فى مصر؟

ــ يتم التواصل عن طريق «واتس آب»، فهو بمثابة عيادة متنقلة، ويتم التواصل مع جميع المرضى بجميع أنحاء العالم، فيرسل المريض شكواه والفحوصات، وأحيانا يتركوا أرقامهم وأتواصل معهم هاتفيا لسماع الشكوى.

> ماذا عن خططك للعودة إلى مصر والاستقرار فيها؟

ــ طبعا سأعود نهائيا وعلى الفور حين يتم الانتهاء من المستشفى ونبدأ فى العمل المستمر، وإن انتهت وأصبحت جاهزة خلال 6 أشهر، سأعود على الفور وسأكرس الباقى من عمرى لخدمة شعب مصر، بالإضافة إلى استمرارية علاقتى بأمريكا والمراكز الطبية هناك بما يساهم فى النهضة العلمية بمصر.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved