حكايات القصور.. الحلقة 26: كيف سأل زعماء العالم «مبارك» عن «مشروع التوريث»؟!

آخر تحديث: الإثنين 11 يونيو 2018 - 1:55 م بتوقيت القاهرة

كتب- حسام شورى

تواصل «بوابة الشروق» نشر حلقات مسلسلة تروي طرائف ولطائف من حياة حكام مصر في العصر الحديث، من واقع حكايات موثقة كتبها أشخاص معاصرون لهم في مذكراتهم أو كتبهم السياسية، أو رواها الحكام عن أنفسهم.

ولا ترتبط «حكايات القصور» بأحداث خاصة بشهر رمضان، وإن كان بعضها كذلك، كما لا تقتصر «الحكايات» على القصص ذات الطابع الفكاهي، أو المفارقات التي تعكس جوانب خفية في كل شخص، بل يرتبط بعضها بأحداث سياسية واجتماعية مهمة في تاريخ مصر.

وإلى الحلقة السادسة والعشرين:
———
في الفترة الأخيرة من حقبة حكم الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، راجت أحاديث عن خطط تُرسم، وسيناريوهات تُعد من أجل «التوريث»، وأن رجال نظام «مبارك» والحزب الوطني كانوا ينتظرون اللحظة المناسبة لطرح جمال مبارك، الابن الأصغر للرئيس، بديلًا عن والده لرئاسة الجمهورية.

وكان «مبارك»، لا يبدي رأيًا قاطعا بشأن توريث ابنه الحكم؛ فهو لا يمانع أن يرث ابنه رئاسته، لكن تصرفاته تشير إلى أنه ليس مستعدا أن يحدث ذلك في حياته، وكمنت المشكلة في أن «مبارك» بالرغم من أنه لم يكن مستعدا في قرارة نفسه، لكنه كان يجاري ويبدي من الإشارات ما يفيد معنى القبول، ويماطل ويراوغ ولا يقولها «نعم» صريحة أو «لا» قاطعة.

والقريبون منه كانوا يضغطون عليه ويواصلون الضغط، وإصرارهم على أنه إذا لم يحدث التوريث في حضوره وإرادته، فإن تحقيقه درب من المستحيلات في غيابه وغياب سلطته!!

والمدهش أن «مبارك»، راوده الإحساس بالتوجس والارتياب، حين وصلت إليه نتائج انتخابات مجلس الشعب الأخيرة أواخر سنة 2010، فقد أحس أن هناك محاولة لتمرير مخطط التوريث، حتى دون موافقته وحتى في أثناء حياته؛ فقد لاحظ أن حجم الأغلبية التي حصل عليها الحزب الوطني في مجلس الشعب زائد عن الحد!،
والأشد دهشة أن «مبارك» نفسه كان بين الذين شعروا أن الهمة الزائدة في البحث عن عروس مناسبة للابن كانت جزءا من عملية تأهيله لإرث الرئاسة، باعتبار أنه من الصعب على مجتمع محافظ مثل المجتمع المصري أن يقبل برئيس «أعزب»!.

وظلت التكهنات حول الموضوع حائرة على الأفق باستمرار، وتكاثر السؤال عن «التوريث» بمناسبة وبغير مناسبة!.

وقد كان السلطان «قابوس»، سلطان سلطنة عُمان، أول من سأل «مبارك» عن مشروعه لابنه، وكان «جمال»، قد عاش خمس سنوات تقريبا في بيت يملكه أحد رجال الأعمال من حاشية السلطان في حي «كينسنجتون» في لندن، وبالتالي فإن سلطان عمان، أصبح بين أوائل من عرفوا بخطط انتقال الابن من بيت «كينسنجتون» في لندن إلى بيت الرئاسة في القاهرة.

وكان رد «مبارك» على السلطان، بأن قرينته، سوزان مبارك، قلقة من أن تطول إقامة ابنها في لندن، ومن ثم تصعب عليه العودة إلى مصر، ثم إن بقاءه في لندن ربما ينتهي بزواجه من إنجليزية أو أجنبية، وهي لا تريد ذلك، وأنها بحثت في أوساط العائلات المصرية التي تعيش في لندن عن عروس مناسبة لابنها، ولم تعثر على مرشحة تتوافر لها المواصفات التي تطلبها!.

وكان السائل الثاني عن «مشروع التويث»، هو الزعيم الليبي «معمر القذافي»، الذي لاحظ ظهور «جمال» بشكل منتظم على الساحة السياسية المصرية، وجاء سؤاله مباشرا لـ«مبارك»، عما إذا كان هناك تفكير في التوريث على طريقة «بشار»!.

لكن «مبارك» استنكر، وفاجأ «القذافي» بقوله: «إن تجربة "بشار الأسد" غير قابلة للتكرار في مصر، وأن مصر ليست سوريا، وأيضا فإن النظام في مصر جمهوري، والنظام الجمهوري لا يعرف توريثا للحكم!».

وأضاف «مبارك» لـ«القذافي»، أنهم في رغبتهم لاستعجال عودة الابن ــ رأوا إغراءه بشاغل جديد يستهويه، وأنهم أعطوه بعض المهام السياسية «يتسلى بها»، كي لا يفاجئهم ذات يوم بأنه عائد إلى لندن، ثم يسمعوا أنه تزوج واستقر هناك.

وكان السائل الثالث أجنبيا، هو الرئيس الفرنسي «چاك شيراك»، وجاء سؤاله في أثناء لقاءه مع «مبارك»، في قصر «الإليزيه» في باريس، فبراير سنة 2004، وجاء رد «مبارك»، بأن كل الذي يتردد في هذا الصدد شائعات ينشرها بعض الصحفيين، وهدفها الإساءة إليه، بينما كل ما حدث أنه يستعين بابنه في إدارة مكتبه كما يفعل الرئيس «شيراك» نفسه مع ابنته.

ويومها وافقه «شيراك»، على أنه بالفعل يستعين بابنته «كلود»، واختارها فعلا مساعدة له، مختصة بالعلاقات العامة.

ومع اللغط المتزايد حول قضية التوريث في مصر، فإن الأسرة الحاكمة السعودية أبدت اهتماما واضحا، وكذلك فإن أحد كبار أمرائها وجَّه السؤال إلى الرئيس مباشرة، وسمع رده -ودُهش منه- بأن «مبارك»، لا يريد التوريث لابنه، وأول الأسباب أنه لا يريد أن يورِّث ابنه «خرابة»!.

وكان من ضمن المتسائلين أيضا الرئيس الأمريكي الأسبق «چورچ بوش»، عندما كان «مبارك» في واشنطن، ورد عليه «مبارك» ضاحكا: «ألم يكن والدك رئيسا ثم جئت أنت هنا بعده؟!!»، ورد «بوش»: «إن ذلك كان بالانتخاب الحر، وأن هناك فاصلا مدته ثماني سنوات من إدارة "كلينتون"، باعدت بين رئاسة الأب ورئاسة الابن».

وتسربت الأنباء من محيط الرئاسة بأن الرئيس أفصح لمن زاد إلحاحهم عليه أنه لا يستطيع مجاراة ما يطلبون منه، وأن عليهم تخفيف الضغط لأن المؤسسة العسكرية ليست راضية عن «التوريث»، وهو يقوم بكل ما يستطيع من جهد للإقناع وللتحضير، لكن المقاومة مستعصية، والمسألة ليست بالسهولة التي يتصورها من يلحون عليه بأنه حان تنفيذ ما يطلبون، وإلا ضاعت الفرصة!.

- المصدر: محمد حسنين هيكل، «مبارك وزمانه من المنصة إلى الميدان»، دار الشروق

اقرأ ايضاً

حكايات القصور.. الحلقة 25: مبارك وهاجس الأمن.. ورفض قصر باكنجهام كسر البروتوكول

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved