جولة في «المراسلات السرية بين سعد زغلول وعبدالرحمن فهمي» (5): أخبار اعتقال القضاة والمحامين وانتحار وكيل مديرية المنيا

آخر تحديث: الثلاثاء 12 مارس 2019 - 1:34 م بتوقيت القاهرة

حسام شورى:

التفكير في تكوين لجنة برئاسة عدلي باشا لمقابلة لجنة ملنر.. وأخرى لجمع المساوئ الموجودة بفروع الحكومة
إنجلترا تشترط تتنازل مصر عن السودان وقناة السويس وصندوق الدين واشتراطات أخرى مقابل الاعتراف باستقلال مصر!
تساؤلات بشأن المراسلات والمصاريف السرية.. وعبد الرحمن فهمي يستنجد بسعد زغلول من أجل «خدمة القضية»


تواصل «الشروق» على مدار شهر مارس عرض مجموعة من الكتب، الحديثة والقديمة، التي تروي جوانب مختلفة لتأريخ وتوثيق أحداث ثورة 1919 من الأسباب إلى المآلات.

وثاني كتاب نتجول بين صفحاته هو «دراسات في وثائق ثورة 1919»..«المراسلات السرية بين سعد زغلول وعبد الرحمن فهمي»، الذي يزيح الستار عن جانب خفي من نضال الوفد، ومن شخصية الزعيم سعد زغلول، وسكرتير اللجنة المركزية للوفد عبد الرحمن فهمي، وهو الجانب الذي لم يكن معروفًا حتى عثر الأستاذ الدكتور محمد أنيس على هذه المراسلات التي مكَن نشرها الباحثين من تركيب صورة تاريخية لثورة 1919 كان من المستحيل التوصل إليها من دون الاستعانة بهذه الوثائق.

بلغ عدد المراسلات السرية (مكتوبة بالحبر السري) المرسلة من سعد زغلول إلى عبد الرحمن فهمي 30 رسالة، من 23 يونيو 1919 إلى 28 أبريل 1920، كما بلغ عدد التي أرسلها فهمي لسعد 29 تقريرًا بدأت من 23 يوليو 1919 وحتى مايو 1920.

تناولت تلك المراسلات قضايا مهمة مثل (خروج إسماعيل صدقي ومحمود أبو النصر من الوفد، ومقاطعة لجنة ملنر، وحركة الأمراء، ووحدة عنصر الأمة والتكتل الأرستقراطي)؛ فكل تقرير كان يشمل مسائل متعددة.

وتقارير عبد الرحمن فهمي تشمل عرضا لأهم الأحداث العلنية والسرية التي كانت تدور في مصر؛ وكان يعطي من خلالها للوفد في باريس صورة عن الموقف في مصر، بينما كان سعد يعطي لعبد الرحمن فهمي رأي الوفد في كثير من المسائل التي تجري في مصر لتسير اللجنة المركزية للوفد على هديها.

الكتاب صدرت طبعته الأولى في عام 1963 للدكتور محمد أنيس (1921-1986) أستاذ التاريخ الحديث بجامعة القاهرة، ومؤسس مركز وثائق وتاريخ مصر المعاصر (1967- 1975)، والرئيس الأول له، وهو المركز الذي قام تحت إشرافه بجمع شتات العديد من الوثائق المهمة، وأعادت دار الشروق نشر هذا الكتاب في 2019 ، ويقع في 242 صفحة، من القطع المتوسط.


•••••••

يستمر سعد زغلول في إطلاع عبد الرحمن فهمي على وضع الوفد في الخارج في رسالة بتاريخ 4 يوليو 1919:

«لم يذهب إلى إنجلترا أحد من أعضاء الوفد، وعلى الخصوص محمد باشا محمود ولطفي بك السيد اللذين تكلمت الجرائد بخصوص سفرهما إلى إنجلترا وأن هذين العضوين يتمسكان كل التمسك بمبادئ الوفد، وهما من الأعضاء الأكثر تطرفًا في الدفاع عن هذه المبادئ.
مدام عزمى وصلت ونقلت إلينا ما كلفت بتبليغه بخصوص الحوادث الجارية عندكم، ومسيو سيمون وصل المستندات وقد وصل متأخرا واعتذر بأن سبب ذلك هو اضطراره للانتظار في بورسعيد أكثر من أربعين يوما قبل أن يجد له محلا في مركب.

- تساؤلات سعد عن الأوضاع في مصر:
«وقد بلغنا أن أمين بك الرافعى مشتغل بتأليف كتاب عن الحركة المصرية فيحسن به أن يحتاط في كتاباته حتى لا تمنع المراقبة نشره، وبلغنا من بعض المصريين أنهم بدأوا يجلدون النساء وأنهم قتلوا بعض القضاة والمحامين ضربا بالرصاص فإذا كان هذا الخبر صادقا وهو ما نعتقده، نرجوكم أن ترسلوا لنا كل التفصيلات الممكنة.

«وبلغنا أن أرمينيا مرتديا ثياب ضابط بريطاني عين في وظيفة في مركز من مراكز مديرية الجيزة وأنه مطلق التصرف هناك وأنه قتل بمسدسه شخصًا اتهم بسرقة قليل من البرسيم، فهل هذا صحيح؟ ما مبلغ صحة ما يقال من أن فكرة الاستقلال الذاتي تحت الحماية بدأت تنتشر في بعض الأندية ومن هم مرجو هذه الفكرة. نرجو إفادتنا عن تفصيلات ذلك».

ليرد عبد الرحمن فهمي عليه في 22 يوليو 1919:
«لا صحة لما بلغكم بخصوص جلد النساء وكذا قتل القضاة والمحامين غير أنه حصل اعتقال كثير من القضاة وأعضاء النيابة والمحامين وغيرهم وكذا وكلاء المديريات ومأموري المراكز وبينهم من أهين إهانة زائدة حتى آل معه إلى الانتحار كوكيل مديرية المنيا أو إلى الاستقالة بعد الإفراج كنائب نيابة المنيا.

«أما الأرمني المرتدي ثياب ضابط إنجليزي فهو شخص يدعى حكيميان عين بصفة ضابط قضائي بمركز العياط، وله مسائل عديدة جدا أرسلنا من يلزم لتحريها وجمع أدلتها بدقة وسنرسل لسعادتكم تقريرا وافيا عنها وأما مسألة البرسيم الواردة بتقرير الوفد فهمي حقيقية .

«فكرة الاستقلال الذاتي لم يروجها إلا الخونة الأندال والمأجورون ولكنها على كل حال لم تلق قبولا لأن السواد الأعظم بل الأعظم جدا من الأمة لا يريد غير الاستقلال التام.

- اشتراطات إنجليزية ظالمة!
«وهناك فكرة أخرى عرضها علينا مرقس أفندى فهمى المحامى، وجار بحثها من ثلاثة أسابيع مضت مع ذوي الكفاءة من أبناء الأمة المخلصين، حيث عقدنا لذلك أربع جلسات ولم ننته منها بعد وهى أن تتنازل مصر عن كل حق لها في السودان وأن تعطى للإنجليز حق المحافظة على قناة السويس بحيث يحق لها أن تضع الحامية الكافية وأن تكون لإنجلترا كل حقوق صندوق الدين وأن ترجع مصر إليها للمصادقة على كل قانون يراد تنفيذه على الأجانب، وأن يترك الموظفون الإنجليز في وظائفهم إلى أن ينقرضوا وأن يكون شأنهم شان الموظفين المصريين تماما، وفى نظير كل هذا تعترف إنجلترا باستقلال مصر وألا تعرقل مساعيها للانضمام إلى عصبة الأمم، هذا هو ملخص البرنامج الذي عرضه علينا مرقس أفندى فهمى ولكنه لم يجد تأييدا من معظم أعضاء اللجنة التي كوناها لهذا الغرض.

«على أنه بلغنا من جهة أخرى أن دار الحماية مستعدة للمفاوضة مع المصريين على قاعدة تقرب من قاعدة مرقس أفندي فهمي ولا نعرف إن كان آتي هذا من باب توافق الخواطر أو أن صاحب المشروع مدفوع إليه من هنا.

«لقد سرت الأمة بالأخبار المؤكدة الدالة على الدور العظيم الذي ستأخذة القضية المصرية بأمريكا، وحقق الله الآمال. غير أن سعادتكم لم تبينوا لنا ما إذا كان من اللازم إرسال وفد لأمريكا من هنا أم يكفي بما وصل إليه الوفد، فالرجاء الإفادة.

- لجنة لمفاوضة ملنر
«نعم تألفت في مصر لجنة من كبار الموظفين الإنجليز تحت رئاسة اللورد أللنبي ومن ضمن أعضائها المستر أموس، وبهذه المناسبة فكرت مع الإخوان المشتغلين معي في (الحركة) في ضرورة تشكيل لجنة من المصريين الاكفاء لتحضير وتجهيز اللازم لمقابلة لجنة ملنر، وبالفعل شرعت من مدة في ترجمة صورة الأوراق والمستندات السابق إرسالها إليكم إلى الإنجليزية، وفكرت أنه لو أسندت رئاستها إلى رجل معروف ذي مكانة وكرامة كعدلي باشا يكون لها من الاحترام ما تستحقه، فقصدته وتكلمت معه طويلا في الأمر، وخلاصة ما دار بيننا أن الإنجليز يريدون المفاوضة معهم في المسألة وهذه المفاوضة ربما تؤدي إلى ما يتعارض مع أعمال الوفد واننا إن قصرنا أقوالنا على كلمة الاستقلال التام فقط فلا يتفاوضون معنا وعلى ذلك أرجأنا المسألة إلى أن نأخذ رأي سعادتكم.

«شرعت في تكوين لجنة لجمع المساوئ الموجودة بفروع الحكومة المختلفة لإعداد ما أشرتم إليه لأن الذي كنت أعمله قبل وصول أمركم الأخير هو ترجمة الفظائع والمخازي التي ارتكبها الجنود الإنجليزية بمصر.

- التشكيك في مصروفات فهمي
«لقد اشتد الخلاف بيني وبين إبراهيم باشا سعيد (وكيل اللجنة وأمين صندوقها) لأنه يريد معرفة الطريقة التي أخاطبكم بها كما يريد معرفة تفاصيل المصروفات التي أصرفها ولا يخفي على سعادتكم ما في ذلك من الخطر على القضية وعلى الأشخاص الذين عاونوني للحصول على كل المستندات والأوراق التي أرسلها لكم فرجوته أن يؤجل هذا إلى وقت آخر، أي إلى عودة سعادتكم فلم يقتنع وهو يظهر لزائريه وجلساته وعدم ثقته بالأخبار التي أقدمها له، وحجته الوحيدة أنها ليست بخطكم ولا ممضاه منكم ويعتقد أنه بذلك يسيء إلي، والله يعلم أنه إنما يسىء إلى الأمة بأسرها، ولم أنجح معه في أخذ النقود اللازمة للصرف لوجه إليه أمس سعادة محمود باشا سليمان مع أمين بك الرافعي، وتكلما طويلا في ذلك فلم يقبل قائلا أنه لا يعطي شيئا إلا بأمر من الوفد بإمضاء سعادتكم.

«وتأكدوا أنه ولولا أن الظروف خدمتني بل خدمت القضية لأن شخصًا أحضر لي 1500 جنيه يوم سفر الوفد، من هنا باشرت العمل بها لما كنا تحصلنا على شيء مما أرسلته لكم وما كان يتيسر لي إرسال المندوب القائم بتوصل الأخبار بيننا وأشياء أخرى كثيرة عملت هنا لمصلحة القضية لا يصح ذكرها، بل أنني سأوضحها لكم بالتفصيل عندما تعودون، وها أنا وطدت العزم للاستمرار على صرف الضروري للحصول على كل ما يفيد قضيتنا فإن كنتم سعادتكم راضين عن الأعمال التي قمت بها حتى الآن فأرجو إجراء ما من شأنه كف إبراهيم باشا سعيد عن التغرير بها، وتفهيمه بأن عدم ثقته بالتقارير الواردة لنا بواسطة مندوبنا بالطريقة الرمزية يضر بالقضة قبل أن يضر بي، ثم أرسلو لي مبلغًا من المال أسدد منه 1500 جنيه لإبراهيم سعيد وأصرف من الباقي وعند عودتكم أقدم لكم حسابا دقيقا عن كل قرش بحيث أن أي مبلغ ترون أن صرف في غير محله أو أنه أكثر مما كان يجب أكون ملزما بدفعه».

وعاد سعد زغلول ليطمئن عبد الرحمن فهمي في رسالة بتاريخ 4 أغسطس 1919: «نأسف على وقوع الخلاف بينكم وبين سعادة إبراهيم باشا سعيد ولكن نتعشم أنه يعدل عن خلافه معكم ويثق بما تروونه له عن الوفد. وقد كتبنا له اليوم كتابا خصوصيا بالبوستة تضمن العبارة الآتية (ومصاقة الصديق على ما يتم عمله من جانب صديقه ومساعدته عند الحاجة). والمقصود بها أن يصدق لكم على حساب ما صرفتم للآن ون يصرف لكم ما يلزم».


وغدا حلقة جديدة...

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved