#كيف_أضحت! (28).. قرطبة: عاصمة الأندلس ومنارة العلم والعلماء العرب والعجم

آخر تحديث: الأربعاء 12 مايو 2021 - 11:15 ص بتوقيت القاهرة

منال الوراقي

بين الكتب والروايات إلى الأفلام، ترددت مدن وأماكن تاريخية عديدة على مسامعنا وأعيننا، حتى علقت بأذهاننا ونُسجت بخيالنا، بعدما جسدها الكتاب والمؤلفون في أعمالهم، لكننا أصبحنا لا نعلم عنها شيئا في الوقت الحالي، حتى كثرت التساؤلات عن أحوال هذه المدن التاريخية الشهيرة، كيف أضحت وأين باتت تقع؟.

وبعض هذه المدن تبدلت أحوالها وأضحت مختلفة بزمانها ومكانها وساكنيها، فمنها التي تحولت لمدينة جديدة بمواصفات وملامح غير التي رسمت في أذهاننا، لتجعل البعض منا يتفاجئ بهيئتها وشكلها الحالي، ومنها التي أصبح لا أثر ولا وجود لها على الخريطة، ما قد يدفع البعض للاعتقاد بأنها كانت مجرد أماكن أسطورية أو نسج خيال.

لكن ما اتفقت عليه تلك المدن البارزة أن لكل منها قصة وراءها، ترصدها لكم «الشروق»، في شهر رمضان الكريم وعلى مدار أيامه، من خلال الحلقات اليومية لسلسة "كيف أضحت!"، لتأخذكم معها في رحلة إلى المكان والزمان والعصور المختلفة، وتسرد لكم القصص التاريخية الشيقة وراء المدن والأماكن الشهيرة التي علقت بأذهاننا وتخبركم كيف أضحت تلك المدن حاليا.

• قرطبة
برزت قرطبة إبان الحكم الإسلامي في الأندلس كمدينة قوية ودرع حصين للمسلمين، وواحدة من أهم العواصم الأوروبية، التي حكمت العالم في القرن العاشر الميلادي، فكانت المدينة عاصمة للأدب والثقافة العربية والإسلامية، ومنارة للعلم والثقافة في أوروبا، التي أنجبت أنبغ الفقهاء والعلماء والشعراء.

ووفق ما ذكر علماء التاريخ، فقد تأسست المدينة قبل الميلاد على يد القرطاجيين العرب، الذين شيدوها واستقروا فيها، ثم استولى عليها الرومان، وأطلقوا عليها اسم كوردوبا، ثم أسقطها البيزنطيون، ومن بعدها وقعت تحت حكم القوط الغربيين، إلى أن أصبحت عاصمة المسلمين الأمويين في الأندلس، عندما جاءها الفتح الإسلامي.

فقد وقعت قرطبة في يد الجيوش الإسلامية، بمطلع القرن الثامن الميلادي، وعلى عكس المدن الإيبيرية، لم تستسلم قرطبة بل دخلتها الجيوش الإسلامية بالقوة، وبمرور بضع سنوات، سرعان ما أصبحت قرطبة عاصمة الأندلس وتابعة للخلافة الإسلامية في دمشق.

• قرطبة إبان العصر الإسلامي في الأندلس

بدأ نجم قرطبة يسطع منذ بداية القرن الثامن، عندما دخلها العرب، وشيدوا فيها مئات الجوامع والعديد من القصور والمباني العامة مزاحمين روائع القسطنطينية ودمشق وبغداد، فاشتهرت قرطبة، وذاع صيتها بين مدن العالم بشكل كبير إبان أيام الحكم الإسلامي للأندلس، إذ كانت المدينة عاصمة إمارة الأندلس المنفصلة عن الحكم العباسي، في القرن العاشر الميلادي، خلال فترة حكم الأمويين.

وظلت المدينة واحدة من أكبر وأعظم مدن العالم وأبرزها في شتى النواحي السياسية والاقتصادية والعلمية في ذلك الوقت، بل وكانت المدينة الشاهدة على عز المسلمين وتقدم حضارتهم وما وصلوا إليه، فبلغت المدينة ذروة عزها في عهد عبد الرحمن الناصر وابنه المستنصر، أقوى حكام الدولة الأموية في الأندلس، وكان يقدر عدد سكانها -آنذاك- ما يقارب مليون نسمة، بينما كانت أكبر مدينة في أوروبا لا يزيد سكانها عن ربع مليون نسمة.

• منارة يستضيء الماشي بسراجها

الكثير من المؤرخين العرب ذكروها في كتاباتهم ومنهم ياقوت الحموي، الذي وصفها كالمنارة التي أضاءت عهد عبد الرحمن الثالث الأموي، حينما كانت عاصمة لدولة الأندلس، فكان يستضيء الماشي بسراجها من على بعد عشرة أميال.

وفي ذلك الوقت، كانت قرطبة من أشهر المدن المشيدة في أوروبا، فبلغ عدد قصورها ثمانون ألفا، وكانت المدينة تحتوي على خمسين مستشفى، وفيها ستمئة مسجد ومن أهم مساجدها مسجد قرطبة، والذي لم يوجد له مثيل أو نظير في الفخامة والزخرفة وروعة البنيان.

• منارة العلم والعلماء العجم والعرب

كانت مدينة قرطبة منارة للعلم لدى المسلمين والأوربيين، فاحتوت المدينة في أيام الخلافة الأموية على مكتبة عظيمة ضمت أكثر من أربعة آلاف كتاب، وشيدت فيها أول جامعة تدرس كافة أنواع العلوم، والتي كانت تعد من أعظم الجامعات في العالم، آنذاك، وبُني فيها أكثر من سبعين مكتبة، بالإضافة إلى مدارس مجانية لتعليم الطلاب الفقراء.

وخرجت قرطبة لأوروبا والعالم جمعا غفيرا من العلماء في كافة مجالات العلوم، مثل: عباس بن فرناس، وابن حزم الظاهري، وابن رشد، والزهراوي، والإدريسي، والقرطبي، ومنها انتقل العلم إلى الدول الأوروبية من حولها.

• سقوط قرطبة بعد خمسة قرون

شهدت قرطبة أزهى عصورها، إلى أن تعرضت للإهمال بعد سقوط الخلافة الأموية في الأندلس إثر ثورة جند البربر، ونشأة عهد ملوك الطوائف، ودول الموحدين والمرابطين، وتراجعت مكانتها بعد نقل عاصمة الخلافة منها، حتى وقعت بعد ذلك تحت حكم ملك قشتالة فريناند الثالث، بعدما حكمها المسلمين لمدة وصلت إلى خمسة قرون.

• قرطبة.. معالم مميزة وتاريخ عريق

واليوم.. تقع قرطبة مدينة وعاصمة مقاطعة قرطبة التابعة لمنطقة أندلوسيا في جنوب دولة إسبانيا، على ضفة نهر الوادي الكبير، وتضم العديد من المعالم الرومانية والإسلامية القديمة، التي شهدت على تاريخها العريق، بما فيها جامعها الكبير، الذي بُني في عهد الخليفة عبد الرحمن الداخل، مؤسس الدولة الأموية في الأندلس، والذي كان من أجمل وأكبر المساجد، آنذاك، فقد جُلب له الرخام المزين بالذهب واللازورد والأعمدة من مدن مختلفة، ولكن وبعد سقوط الأندلس تحول الجامع إلى كاتدرائية، وغُيّرت معالمه.

وتعد المدينة حاليا من أشهر المدن السياحية في إسبانيا، ويرتادها العديد من السياح كغيرها من المدن الإسبانية الأخرى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved