متحف الأفيال في ميانمار يعطي بصيصا من الأمل لإنقاذ فصيلة من حيوانات على شفا الانقراض

آخر تحديث: الأربعاء 12 يونيو 2019 - 3:28 م بتوقيت القاهرة

يانجون - د ب أ

إذا ما عبرت البوابة الرئيسية في حديقة حيوان يانجون، وسلكت الممر الملتوي الذي يأخذك بجوار بيت الدببة الصغيرة وهي تلهو وتلعب في مرح، وأقفاص النسور، التي تختال بريشها الناعم الطويل، سينتهي بك المطاف إلى ساحة ظليلة، تلوح في نهايتها بناية صغيرة لا تكاد تلفت الأنظار.

وفي غرفة خافتة الإضاءة بالطابق السفلي من البناية، ستجد منحوتات مصنوعة من العاج ومصفوفة على الجدران، وسيطالعك هيكل عظمي لفيل نافق يحيط به مجموعة من الزائرين الشباب. وعلى الأرض، سترى تمثالا بلاستيكيا بالحجم الطبيعي لفيل، وقد سلخ عنه جلده الرمادي السميك، بحيث تبدو من تحته عضلاته الدامية تتخللها الشرايين والأوردة.

ويعتبر متحف الأفيال في ميانمار، الذي افتتح للجمهور في مارس الماضي، الحلقة الأخيرة في سلسلة الجهود التي تبذلها الحكومة والمنظمات المعنية بحماية البيئة لتعريف عامة الشعب بمشكلة تضاؤل أعداد الأفيال البرية في البلاد.

ويعيش في ميانمار واحد من أكبر أعداد الأفيال الأسيوية البرية في العالم، حيث يربو عددها على 1400 فيل تجوب الغابات، فضلا عن 5000 في الأسر. وتتعرض هذه القطعان منذ فترة طويلة لتهديدات الصيادين غير الشرعيين الذي يطمعون في الحصول على العاج، ويتكسبون من ذبح ذكور الأفيال للحصول على أنيابها وبيعها.

كما تشكل صناعة قطع الأشجار والزراعة مصدر خطر جسيم آخر بالنسبة للأفيال، حيث أن تدمير الغابات، وهي البيئة الطبيعية لهم، يضع هذه الكائنات الضخمة في صراع مع المجتمعات البشرية، وفي كثير من الأحيان، تسفر هذه الصراعات عن نهايات دموية.

ويقول كريستي ويليامز، مدير الصندوق العالمي للطبيعة (دبليو.دبليو.إف) في ميانمار، وهو من المنظمات المعنية بحماية البيئة وقام بتوفير التمويل اللازم لافتتاح المتحف: "المواطن الطبيعية للأفيال في ميانمار، على غرار مناطق أخرى مماثلة في أسيا، تمزقت إلى مساحات ضئيلة، بحيث أصبحت الأفيال تعيش في بقع صغيرة من الأحراش بجوار القرى".

وذكر كريستي أن "انحسار المواطن الطبيعية يدفع الأفيال للهجرة إلى أماكن لم تقصدها من قبل سعيا وراء الغذاء"، مضيفا أن "الصيادين ربما يكونوا من الأسباب الأخرى للصراع، حيث أن الأفيال قد تهرب من الغابات بحثا عن الملاذ الآمن".

وفي السنوات الأخيرة، أصبحت المخاطر التي تحيط بالأفيال تمثل تهديدا لوجودها، في ظل تزايد الطلب على أجزاء أخرى من هذه الحيوانات، وبخاصة جلودها، حيث تباع جلود الأفيال المجففة في كل من ميانمار والصين بالبوصة المربعة لأنها تدخل في صناعات الأدوية التقليدية، كما يتم تصنيعها في صورة حبات صلبة مطلية باللون الأحمر، وتباع في صورة حلي.

وتعرض تقارير إخبارية من شتى أنحاء ميانمار، بشكل منتظم، صورا لبقايا الأفيال المسلوخة التي استولى الصيادون على جلودها. ويواجه تمثال الفيل المسلوخ في المتحف الزائرين بهذه الحقيقة الشنعاء.

ويقول مسئول الاتصال بالصندوق العالمي للطبيعة في ميانمار ويدعى يي مين ثوين: "مع تزايد الطلب على جلود الأفيال خلال عامي 2017 و2018، أصبحت الفيلة في ميانمار تواجه مخاطر جسيمة، حيث بدأ الصيادون يستهدفون قطعانا بأكملها بما في ذلك الصغار والإناث، التي كانت من قبل في مأمن نظرا لأنها بدون أنياب".

وأضاف: "في عام 2017، ارتفعت وتيرة القتل حتى وصلت إلى معدل فيل اسبوعيا، وهو المعدل الذي قد يجهز على تعداد الأفيال البرية في البلاد بالكامل في غضون سنوات".

ومع تسارع وتيرة الصيد، شرعت السلطات في ميانمار في مكافحة هذه الصناعة التي تصل قيمتها إلى مليارات الدولارات عبر فرض القوانين. وقامت الحكومة العام الماضي بتفعيل قانون التنوع البيئي وحماية الطبيعة، الذي يعاقب بالسجن لفترات تصل إلى عشر سنوات كل من يبيع أو يشتري منتجات تتعلق بأشكال الحياة البرية التي تخضع للحماية.

ويقول يي مين ثوين إن هذا القانون أعطى ميانمار "واحدا من أقوى الإجراءات العقابية في مجال التجارة في عناصر الحياة البرية بالمنطقة".

لكن التصدي للتجارة غير المشروعة في منتجات الحياة البرية يتطلب أيضا نقلة ثقافية. ويقول مسؤولو المتحف إن منتجات الأفيال المتاحة في الأسواق ستكون أقل إذا ما أصبحت التجارة غير مقبولة من الناحية الاجتماعية.

ويرى يي مين ثوين أن "زيادة الوعي هو جزء مهم من الاستراتيجية الأكبر للتصدي لمشكلة التجارة غير المشروعة في منتجات الأفيال"، مضيفا أن "التوعية في المجتمعات الريفية تدعم جهود الفرق الحكومية المعنية بحماية الأفيال، كما أن زيادة الوعي بين أصحاب المتاجر يقلل أيضا من منافذ بيع هذه المنتجات. وعلاوة على ذلك، فإن توعية الجمهور سيتيح لهم اتخاذ قرارات واعية بشأن المنتجات التي يجب عليهم الامتناع عن شرائها، مع تفهم الحاجة إلى حظر هذه التجارة وحماية الافيال التي تعتبر "من الثروات الوطنية في البلاد".

وجاء افتتاح المتحف بعد سلسلة من الانتصارات المحدودة التي حققتها حركة حماية الحياة البرية في ميانمار خلال السنوات الأخيرة، حيث قامت منظمة "فويسيز فور موموز" المعنية بحماية البيئة بالاشتراك مع عدد من مشاهير المطربين بتنظيم أول مهرجان غنائي لحماية البيئة في يانجون، وبعد بضعة أشهر، تم حظر تجارة منتجات الحيوانات البرية، التي يتم صيدها بشكل غير شرعي، في مختلف أنحاء المدينة والمناطق المحيطة بها.

ويقول الصندوق العالمي للطبيعة إنه لم تحدث عمليات صيد غير مشروعة في المناطق الرئيسية التي تقطنها الأفيال في ميانمار خلال العام الماضي، كما يتزايد ببطء الاجماع العام بشأن الحاجة إلى مكافحة أنشطة الصيد غير المشروع، في الوقت الذي يعطي فيه متحف الأفيال بصيصا من الأمل بشأن المستقبل.

وقال يي مين ثوين: "يستطيع المتحف مساعدة الزائرين على معرفة كيف كان أجدادهم يعيشون جنبا إلى جنب مع هذه المخلوقات الرائعة، وكذلك مدى أهمية هذه الأفيال من الناحيتين البيئية والثقافية".

وأوضح: "يمكن للزائرين أن يعرفوا كيف أن الأفيال اليوم تكافح من أجل البقاء، وكذلك ما هي جهود الحماية التي يتم اتخاذها لإنقاذ هذه الحيوانات، وكيف أن باستطاعتهم الاضطلاع بدور في هذه الجهود بالامتناع عن شراء أي منتجات مستخلصة من الأفيال أو غيرها من كائنات الحياة البرية، مع نشر هذه الرسالة".

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved