من تحصيل الحكم الشرعي حتى الاجتهاد.. ما طبيعة عمل مفتي الجمهورية؟ دار الإفتاء تجيب
آخر تحديث: الإثنين 12 أغسطس 2024 - 5:51 م بتوقيت القاهرة
منال الوراقي
أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، قرارًا جمهوريًّا بتعيين الدكتور نظير محمد عياد، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، مفتيًا للجمهورية، لمدة أربع سنوات بناءً على ترشيح من الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف.
من جانبه، هنأ الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، الدكتور نظير محمد عياد، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، بتكليفه مفتيًا لجمهورية مصر العربية، متابعا للمفتي: "لقد امتحنكم الله تعالى بهذا المنصب المهم، وكم هو أمر جلل ومسؤولية كبرى؛ فسَخِّرْهُ في صناعة الخير للناس والتيسير عليهم".
فيما تقدم الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف، بخالص التهنئة للدكتور نظير عياد لتعيينه مفتياً للديار المصرية، بعد رحلة عطاء أزهرية خالصة في مجمع البحوث الإسلامية، مؤكدا أن الدكتور نظير عياد استطاع أن يقدم إبداعاً وإدارةً وتأليفاً، وشارك بعقلية العالم المدقق في كثير من جوانب الحراك العلمي والمجتمعي.
ولكن، كيف يكون عمل المفتي؟
في دراسة سابقة لها، تناولت دار الإفتاء المصرية كل ما هو مرتبط بمنصب مفتي الجمهورية، فعن حقيقة عمل المفتي، قالت إنه لما كان الإفتاء هو الإخبار بالحكم الشرعي عن دليل، فإن ذلك يستلزم أمورًا:
الأول: تحصيل الحكم الشرعي المجرد في ذهن المفتي، فإن كان مما لا مشقة في تحصيله لم يكن تحصيله اجتهادًا، كما لو سأله سائل عن أركان الإسلام ما هي؟ أو عن حكم الإيمان بالقرآن؟ وإن كان الدليل خفيًّا، كما لو كان آية من القرآن غير واضحة الدلالة على المراد، أو حديثا نبويًّا واردًا بطريق الآحاد، أو غير واضح الدلالة على المراد، أو كان الحكم مما تعارضت فيه الأدلة أو لم يدخل تحت شيء من النصوص أصلا، احتاج أخذ الحكم إلى اجتهاد في صحة الدليل أو ثبوته أو استنباط الحكم منه أو القياس عليه.
الثاني: معرفة الواقعة المسؤول عنها، بأن يذكرها المستفتي في سؤاله، وعلى المفتي أن يحيط بها إحاطة تامة فيما يتعلق به الجواب، بأن يستفصل السائل عنها، ويسأل غيره إن لزم، وينظر في القرائن.
الثالث: أن يعلم انطباق الحكم على الواقعة المسؤول عنها، بأن يتحقق من وجود مناط الحكم الشرعي الذي تحصل في الذهن في الواقعة المسؤول عنها لينطبق عليها الحكم، وذلك أن الشريعة لم تنص على حكم كل جزئية بخصوصها، وإنما أتت بأمور كلية وعبارات مطلقة، تتناول أعدادًا لا تنحصر من الوقائع، ولكل واقعة معينة خصوصية ليست في غيرها. وليست الأوصاف التي في الوقائع معتبرة في الحكم كلها، ولا هي طردية كلها، بل منها ما يعلم اعتباره، ومنها ما يعلم عدم اعتباره، وبينهما قسم ثالث متردد بين الطرفين، فلا تبقى صورة من الصور الوجودية المعينة إلا وللمفتي فيها نظر سهل أو صعب، حتى يحقق تحت أي دليل تدخل؟ وهل يوجد مناط الحكم في الواقعة أم لا؟.
فإذا حقق وجوده فيها أجراه عليها، وهذا اجتهاد لا بد منه لكل قاض ومفت، ولو فرض ارتفاع هذا الاجتهاد لم تتنزل الأحكام على أفعال المكلفين إلا في الذهن؛ لأنها عمومات ومطلقات، منزلة على أفعال مطلقة كذلك، والأفعال التي تقع في الوجود لا تقع مطلقة، وإنما تقع معينة مشخصة، فلا يكون الحكم واقعًا عليها إلا بعد المعرفة بأن هذا المعين يشمله ذلك المطلق أو ذلك العام، وقد يكون ذلك سهلا وقد لا يكون، وذلك كله اجتهاد.
وضربت دار الإفتاء المصرية مثال هذا: أن يسأله رجل هل يجب عليه أن ينفق على أبيه؟
فينظر أولا في الأدلة الواردة، فيعلم أن الحكم الشرعي أنه يجب على الابن الغني أن ينفق على أبيه الفقير، ويتعرف ثانيًا حال كل من الأب والابن، ومقدار ما يملكه كل منهما، وما عليه من الدَّيْنِ، وما عنده من العيال، إلى غير ذلك مما يظن أن له في الحكم أثرًا، ثم ينظر في حال كل منهما ليحقق وجود مناط الحكم -وهو الغنى والفقر- فإن الغني والفقير اللذين علَّق بهما الشارع الحكم لكل منهما طرفان وواسطة، فالغني مثلا له طرف أعلى لا إشكال في دخوله في حد الغنى، وله طرف أدنى لا إشكال في خروجه عنه، وهناك واسطة يتردد الناظر في دخولها أو خروجها، وكذلك الفقر له أطراف ثلاثة - فيجتهد المفتي في إدخال الصورة المسؤول عنها في الحكم أو إخراجها بناءً على ذلك.
وهذا النوع من الاجتهاد لا بد منه في كل واقعة -وهو المسمى تحقيق المناط- لأن كل صورة من صور النازلة نازلة مستأنفة في نفسها، لم يتقدم لها نظير، وإن فرضنا أنه تقدم مثلها فلا بد من النظر في تحقيق كونها مثلها أو لا، وهو نظر اجتهاد.