داخل قاعات أكاديمية إيطالية ... لغات ميتة تعود إلى الحياة من جديد

آخر تحديث: الجمعة 12 أكتوبر 2018 - 4:24 م بتوقيت القاهرة

فراسكاتي (د ب أ)

يقف المعلم أمام تلاميذه فاتحا ذراعيه وهو يؤدي عددا من الحركات، ويبدو أنه أطلق نكتة، فانفجر طلابه في الضحك.

ويمكن لمعظم زائري "أكاديميا فيفاريوم نوفوم" تخمين معنى ما يُقال. في الواقع، يشبه دخول هذا المبنى القديم الواقع في زاوية صغيرة بالمنطقة البكر في إيطاليا، دخول المرء إلى عالم شديد الاختلاف.

ويرجع هذا إلى أسباب، بينها الموقع الحالم، وهو فيلا مذهلة فوق تلال متدرجة في ريف بلدى فراسكاتي بالقرب من العاصمة روما، فضلا عن أن جميع الموجودين هنا يتحدثون لغة تُعد ميتة في معظم الدول الأخرى: وهي اللاتينية.

يتوافد الكثيرون على الأكاديمية من جميع أنحاء العالم سنويا لدراسة اللغة اللاتينية واليونانية القديمة.

وفي الفترة من أكتوبر وحتى يونيو، يعيش نحو 40 طالبا من الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و 25 عاما، ويدرسون بالاكاديمية. وخلال أشهر الصيف، تنظم الأكاديمية صفوفا لجميع الأعمار، ومن الجنسين.

وكان أصغر طالب في عام 2018 يبلغ من العمر 12 عامًا فقط، والأكبر 60 عاما. وتبلغ تكلفة الدورة الصيفية 5200 يورو (6100 دولار)، ورغم هذه التكلفة، فقد تجاوز عدد المتقدمين الأماكن المتاحة.

ويقول لويجي ميراجليا، رئيس ومؤسس الأكاديمية وأحد كبار علماء اللاتينية في العالم :"هذه ليست عطلة". ويطلق طلاب ميراجليا عليه اسم "ألويسيوس"، فجميع المعلمين والطلاب هنا يحملون أسماء لاتينية.

يوضح ميراجليا أن الدورة تتضمن دراسة اللاتينية واليونانية لمدة 12 ساعة يوميا. وهذا لا يعني تقسيمها إلى أجزاء أصغر وترجمتها كتعلم الفرنسية في المدرسة، وإنما يعني قراءتها وتحدثها وغنائها، وفوق كل ذلك تطوير إحساس حقيقي باللغة.

ويوضح ميراجليا :"علينا تعلم اللاتينية بطريقة لا تجعلها تبدو وكأنها لغة غريبة ... ستتعلم هنا في شهرين أكثر مما تتعلمه بالمدرسة في خمس سنوات."

ووفقا لدراسة أعدها مكتب الإحصاء الأوروبي "يوروستات"، لاتزال اللاتينية جزءا من المنهج الدراسي في كثير من دول أوروبا، ولكنها عادة ما تكون مادة اختيارية، أو في مدارس متخصصة.ولكنها مادة إجبارية في المدارس الثانوية العامة التقليدية بإيطاليا، التي تنحدر لغتها الوطنية مباشرة من اللاتينية.
أما في ألمانيا، فتعد اللاتينية ثالث لغة أجنبية شعبية بعد الفرنسية والإنجليزية، حيث يدرسها حوالي 8٪ من تلاميذ المدارس. وفي بريطانيا، يتم تدريسها في عدد قليل من المدارس.
وكان تعليم اللاتينية في السابق إجباريا في بعض العلوم، مثل الطب، ولكن الحال لم يعد كما كان.

ولهذا يبقى السؤال: ما فائدة تعلم اللاتينية؟
يرى بعض الخبراء أن تعلم اللغة اللاتينية يساعد في عملية التعلم بشكل عام.

إلا أن هارتموت لووس، رئيس رابطة "الكلاسيكيين الألمان"، لا يتفق مع هذا، حيث يقول :"هناك مجالات أخرى تفعل ذلك أيضًا، هذه ليست ميزة فريدة للغة اللاتينية".

ويضيف :"الأمر يتعلق أكثر بالتأمل في اللغة وطرق التواصل في الماضي، فضلا عن التراث المشترك لأوروبا".

وعندما يتم تدريس اللغة اللاتينية في المدارس، غالبا ما يتعلق الأمر بدراسة تستمر ثلاث سنوات للقواعد والمفردات، تليها محاولات لترجمة بعض الاعمال الكلاسيكية.

ويقول ميراجليا إن الأكاديمية تقدم أمرا مختلفا، حيث يتم استخدام اللغة في الأنشطة الحياتية من خلال المسرحيات والغناء الكورالي، وحتى المحادثات اليومية.

ويتوافد الطلاب على الأكاديمية من مختلف دول العالم، من الصين والبرازيل وفرنسا وكوريا وألمانيا.

ويُحظر استخدام اللغة الإنجليزية بصورة قاطعة، حيث يستقبل الطلاب بعضهم البعض في الممرات بـ "Salve" ويستخدمون "Gratias" للتعبير عن الشكر.

ويقول الطالب الالماني بنيامين ستولتس:"يقول كثيرون إنها لغة ميتة، لهذا لا ينبغي التحدث بها. وهذا في الواقع محض هراء! ... إذا كنت تتحدث اللاتينية فقط، فأنت ستفكر في نهاية الامر باللغة اللاتينية، وستحلم باللاتينية".

ولكن بالنسبة لميراجليا، يتعلق الأمر بأكثر من مجرد إتقان اللغة. إنه يريد أن يتعلم طلابه طريقة جديدة لرؤية العالم.

ويؤكد ميراجليا أنه يريد منهم قبل انتهاء الدورة أن يستشعروا طابع اللغة، روح الماضي، الطريقة التي اعتاد الفلاسفة والمعلمون التفكير بها، حيث يقول: "في اللاتينية، أحيانا يكون طلب القهوة أصعب من مناقشة نظريات أفلاطون".

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved