يوسف جريس.. مناضل واجه الاستعمار بأول مؤلف موسيقى مصرى للأوركسترا السيمفونى

آخر تحديث: الجمعة 13 ديسمبر 2019 - 3:25 م بتوقيت القاهرة

 حاتم جمال الدين:

• قصيد «مصر» ومارش «شهداء ثورة 19» و«نحو دير فى الصحراء» أهم أعماله
• تجربته ألهمت أبوبكر خير وحسن رشيد.. وخرج من عباءتها شرارة وجرانة وعلى إسماعيل
«لم يقدم أعمالا يمكن أن نصنِّفها بين روائع الموسيقى المصرية، لكن يحسب له أنه كان صاحب المبادرة الأولى فى مجال تأليف موسيقى مصرية ليعزفها الأوركسترا السيمفونى».. بتلك الكلمات وصف الناقد والمؤرخ الموسيقى الدكتور زين نصار أعمال الفنان الراحل يوسف جريس، والذى تمر اليوم 120 عاما على ميلاده.
الكثير لا يعرف شيئا عن تاريخ جريس وأهميته فى فتح الطريق أمام الجيل الأول من الموسيقيين المصرين، الذين عملوا فى مجال التأليف للأوركسترا السيمفونى.. قال زين نصار فى حديثه لـ «الشروق»، مؤكدا أن أعماله الموسيقية كانت تفيض بالروح المصرية رغم ثقافته الموسيقية التى كانت تميل كثيرا إلى الذائقة الغربية، والتى أرجعتها إلى نشأته فى أسرة ثرية مُثَقفةٍ، أتاحت له دراسة الموسيقى الغربية على يد موسيقيين أجانب.
ويشير هنا الناقد الكبير إلى نزوح عدد لا بأس به من كبار الموسيقيين فى دول أوروبا بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، والذين استقروا فى القاهرة والإسكندرية، وعلّموا أبناء الطبقات الثرية، وبعض الأُسر التى تنتمى للطبقة المتوسطة أصول الموسيقى الغربية.
وأضاف نصار أن بعض هؤلاء الموسيقيين الأجانب فتحوا معاهد لتعليم قواعد الموسيقى الكلاسيكية، وكان لهم دور فى تشكيل الجيلين الثانى والثالث من المؤلفين الموسيقيين المصريين، مستشهدا بحديث أجراه مع الموسيقار الراحل عبدالحليم نويرة، والذى قال فيه «إنه عندما بدأ يعمل فى مجال تأليف موسيقى تصويرية للأفلام السينمائية قرر أن يدرس أصول التأليف الموسيقى، واستثمار جزء من دخله بهذا المجال فى تعلم الموسيقى الكلاسيكية، وهو ما ساهم فى تكوينه الفنى، وانعكس على مؤلفاته».
ويعود نصار للتأكيد على مصرية يوسف جريس، ويقول إن أول قصيد سيمفونى كتبه فى عام 1932 متأثرا بأجواء ثورة 1919، وكان يحمل اسم «مصر»، وقدمه لأول مرة فى 16 أغسطس من عام 1933 فى أحد مسارح الإسكندرية، وأنه تكفل بكل نفقات الاوركسترا الذى كان أغلبه من العازفين الاجانب المقيمين بمصر، وكذلك تسجيل هذا القصيد السيمفونى الذى لم يكن إطلاقا بهدف الربح التجارى، خاصة وأنها التجربة كانت هى الأولى فى تاريخ الموسيقى المصرية.
وعلق نصار قائلا: «إن تجربة جريس لم تحقق انتشارا واسعا فى الأوساط الموسيقية، ولكنها كانت محرضة لغيره من أبناء الطبقة الثرية من أبناء الباشوات والبكوات، ممن تتوافر لهم دراسة الموسيقى على يد مدرسين أجانب وتبعه آخرون منهم أبوبكر خيرت، وحسن رشيد ليتشكل الجيل الأول من المؤلفين المصريين».
ويستعرض الناقد والمؤرخ الموسيقى باقى مؤلفات جريس ويقول إن أعماله كلها كانت مستوحاة من البيئة المصرية، وكان فى مقدمتها القصيد السيمفونى «مصر» والذى عبر فيه عن ثورة 19، وكذلك «مارش شهداء ثورة 19»، وقصيد سيمفونى بعنوان «النيل والوردة»، و«أهرام الفراعنة»، و«نحو دير فى الصحراء» والذى يعبر فيه عن رحلة لدير سانت كاترين حسب اعتقاد دكتور زين نصار.
فيما يشير إلى الجيل الثانى من المؤلفين الموسيقيين، والذى انطلق من تجار جريس ورفاقه، وجاء أغلب عناصر الجيل الثانى من الطبقة المتوسطة، ممن درسوا الموسيقى الشرقية فى معهد فؤاد الأول للموسيقى العربية، والذى كان إحدى قلاع تعليم الموسيقى فى الشرق، واتجهوا بعد ذلك للتأليف الموسيقى، ذلك عندما بدأت حركة السينما المصرية الاعتماد عليهم فى وصع الموسيقى التصويرية، وهو ما اقتضى دراسة للموسيقى العالمية بشكل اكاديمى، وخرج من هذا الجيل اسماء مثل عطية شرارة ورفعت جرانة وعلى اسماعيل، وساعد فى انتشار هذا الجيل وجود محمد حسن الشجاعى فى الاذاعة مع محمد احمد المصرى فى خمسينيات القرن الماضى، وتأسيسه لأوركسترا الاذاعة، والذى أتاح لهذا الجيل تسجيل أعماله، والتى اهتدى بها الأجيال اللاحقة فى تشكيل موسيقى مصرية خالصة، خاصة وأن هذا الجيل استطاع هضم الموسيقى الشرقية وتقديمها فى قوالب عالمية يستطيع المتلقى التعاطى معها فى أى مكان بالعالم، مشيرا إلى تجربة الموسيقار عمر خيرت، والتى وصفتها بأنها نتاج طبيعى لحراك موسيقى اطلقه يوسف جريس.

• بعيدًا عن الموسيقى
تمتع يوسف جريس بشخصية مصرية خالصة، وانتماء وطنى انعكس على اعماله الفنية، ورغم انتماىه لأسرة ارستقراطية فإنه انحاز دائما لنضال الشارع، وشارك فى مسيرات ثورة 19، ولأنه كان ممتلئ البدن لم يستطع الفرار مع المتظاهرين وتم اعتقاله، وبعد خروجه كتب اعمالا عبر فيها عن مشاعر الثورة ضد الاستعمار الانجليزى، ومنها قصيد «مصر» و«مارش شهداء ثورة 19».
وفى حياته المهنية كمحام لم يترافع جريس الا فى قضية واحدة، وهى قضية خاصة بإحدى الخادمات العاملات فى قصر العائلة، ولم يتفاض عنها أجرا.

• بين العلوم والقانون والفنون
وُلد يوسف جريس فى 13 ديسمبر 1899 بمحافظة القاهرة، لأسرة محبة للثقافة، والده محب للأدب والموسيقى، ووالدته تتقن عزف البيانو، ولهذا لقيت مواهبه الموسيقية رعاية مبكرة فدرس الموسيقى جنبا إلى جانب علومه المدرسية.
وفى عام 1915 بدأ دراسة الموسيقى العربية على يد سامى الشوا ومنصور عوض، ثم درس عزف آلة الكمان على يد الأستاذين هما منشة، وساندى روزدول، كما درس الهارمونى على يد جينوتاكلن، والتأليف الموسيقى على يد جوزيف هوتيل.
بعد أن أتم يوسف جريس دراسته الثانوية بمدرسة التوفيقية فى شبرا، التحق بكلية الطب، لكنه تركها والتحق بكلية الحقوق، وتخرج فيها عام 1926، وعمل بالمحاماة بضعة أشهر قبل أن يتركها ليتفرغ للتأليف الموسيقى.
وفى عام 1930 عُين عضوا فى جمعية المؤلفين والناشرين الدولية فى باريس بعد أن اجتاز اختباراتهم بنجاح، وفى عام 1942 اشترك هو وشقيقه لويس مع العالم المصرى الدكتور على مصطفى مشرفة وكامل الكيلانى وحسن رشيد وزوجته بهيجة رشيد وآخرين من محبى الموسيقى فى تأسيس الجمعية المصرية لهواة الموسيقى، والتى قدمت حفلها الأول فى كلية العلوم بجامعة القاهرة فى 19 مارس من عام 1942، واشترك بالعزف فى ذلك الحفل كل من يوسف جريس وأبوبكر خيرت.
شارك جريس فى المؤتمر الدولى للموسيقى العربية بالقاهرة عام 1932، واستضافه خلال انعقاده كبار مؤلفى الموسيقى العالميين بمنزله.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved