توماس فريدمان: أمريكا تشهد حربا أهلية ثالثة على جبهات متعددة
آخر تحديث: الجمعة 12 ديسمبر 2025 - 10:43 ص بتوقيت القاهرة
محمد هشام
رأى الكاتب الأمريكي الشهير توماس فريدمان أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب غير مهتم بخوض حرب باردة جديدة، فهو يريد حربا حضارية جديدة، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن الولايات المتحدة تشهد حربا أهلية ثالثة على جبهات متعددة.
واستهل فريدمان مقاله بصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية بالقول: "كل بضع سنوات، أتذكر إحدى قواعدي الأساسية في الصحافة: عندما ترى أفيالا تطير، لا تضحك، بل دوّن ملاحظاتك. لأنك إذا رأيت أفيالا تطير، فثمة أمر مختلف تمامًا يحدث، أمر لا تفهمه أنت، ولكنك أنت وقرّاءك بحاجة لفهمه".
• أوروبا وروسيا والصين في استراتيجية ترامب للأمن القومي
وأضاف فريدمان: "أثير هذه النقطة اليوم ردا على استراتيجية الأمن القومي التي أصدرتها إدارة ترامب الأسبوع الماضي، والمؤلفة من 33 صفحة. وقد لوحظ على نطاق واسع أنه في الوقت الذي تشتد فيه حدة تنافسنا الجيوسياسي مع روسيا والصين أكثر من أي وقت مضى منذ الحرب الباردة، وفي ظل تقارب موسكو وبكين المتزايد ضد أمريكا، فإن عقيدة ترامب للأمن القومي لعام 2025 تكاد لا تذكر هذين الخصمين الجيوسياسيين.
وتابع: "بينما تستعرض الوثيقة مصالح الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم، فإن أكثر ما يثير اهتمامي فيها تناولها لحلفائنا الأوروبيين والاتحاد الأوروبي، حيث تشير إلى أنشطة تقوم بها ديمقراطياتنا الأوروبية الشقيقة والتي "تقوض الحرية السياسية والسيادة، وسياسات الهجرة التي تُغير وجه القارة وتخلق الصراعات، والرقابة على حرية التعبير وقمع المعارضة السياسية، وانخفاض معدلات المواليد بشكل حاد، وفقدان الهويات الوطنية والثقة بالنفس".
ومضى قائلا: "في الواقع، تحذر ورقة الاستراتيجية من أنه ما لم ينتخب حلفاؤنا الأوروبيون أحزابًا قومية "وطنية" أكثر التزاما بكبح الهجرة، فإن أوروبا ستواجه "محوا حضاريا". ويُفهم ضمنيًا، وإن لم يُذكر صراحة، أننا سنحكم عليكم ليس بجودة ديمقراطيتكم، بل بمدى صرامة إجراءاتكم في كبح تدفق الهجرة من الدول الإسلامية إلى جنوب أوروبا".
• حرب أهلية جديدة في الولايات المتحدة
واعتبر الكاتب الأمريكي أن "هذا فيل طائر لا ينبغي لأحد أن يتجاهله. إنها لغة لا تشبه أي رؤية سابقة للأمن القومي الأمريكي، وفي رأيي تكشف حقيقة عميقة عن إدارة ترامب الثانية: إلى أي مدى جاءت إلى واشنطن لخوض حرب أهلية ثالثة في أمريكا، وليس لخوض حرب باردة جديدة خاصة بالغرب.
وتابع: "نحن في حرب أهلية جديدة حول مكان يسمى الوطن"، معتبرا أن هذه الحرب الثالثة مثل الحربين السابقتين، تدور حول السؤالين: "بلاد من هذه؟" و"من يحق له أن يشعر بأنه في بيته داخل الوطن؟"، مشيرا إلى أن هذه الحرب أقل عنفا من السابقتين واستدرك قائلا لكن لا يزال الوقت مبكرا.
وأوضح الكاتب الأمريكي أنه عندما يفقد الناس إحساسهم بالوطن - سواء بسبب الحرب، أو التغير الاقتصادي السريع، أو التغير الثقافي، أو التغير الديموغرافي، أو التغير المناخي، أو التغير التكنولوجي - فإنهم يميلون إلى فقدان مركز ثقلهم. وقد يشعرون بأنهم يدورون في إعصار، يمسكون يائسين بأي شيء مستقر يمكن التشبث به وهذا قد يشمل أي قائد يبدو قوياً بما يكفي لإعادتهم إلى ذلك المكان المسمى الوطن، مهما كان هذا القائد زائفاً أو غير واقعي.
• 5 جبهات للحرب الأهلية الثالثة
وأوضح فريدمان أن الحرب الأهلية الثالثة تُخاض على جبهات متعددة فهناك جبهة الأمريكيين البيض- غالبيتهم من المسيحيين-، الذين يقاومون ظهور أمريكا التي تهيمن عليها الأقليات، والتي باتت الآن جزءا لا يتجزأ من مستقبلنا في وقت ما من أربعينيات القرن الحالي، مدفوعة بانخفاض معدلات المواليد بين الأمريكيين البيض ونمو السكان الأمريكيين من أصول إسبانية وآسيوية ومتعددة الأعراق.
وعلى جبهة أخرى لا يزال الأمريكيون ذوى الأصول الإفريقية يكافحون ضد من يريدون إقامة جدران جديدة تمنعهم من مكان يسمى "الوطن".
وعلى جبهة ثالثة هناك أمريكيون من كل الخلفيات يحاولون الثبات وسط تيارات ثقافية تتغير أسبوعيا.
وعلى جبهة أخرى، تجتاح رياح التغيير التكنولوجي العاتية، التي يدفعها الذكاء الاصطناعي الآن، أماكن العمل بسرعة تفوق قدرة الناس على التكيف.
وعلى الجبهة الخامسة يوجد الأمريكيون الشباب - من كل الأعراق والمعتقدات - يكافحون لتوفير حتى مسكن متواضع ذلك الملاذ المادي والنفسي الذي لطالما رسّخ الحلم الأمريكي.
ورأى فريدمان أن ملايين الأمريكيين اليوم يستيقظون كل صباح وهم غير متأكدين من الوضع الاجتماعي، أو السلم الاقتصادي، أو الأعراف الثقافية المقبولة معتبرا أنهم من الناحية النفسية بلا وطن.