بهاء طاهر.. الأديب الذي أرخ لحالة الثقافة في مصر وحذّر من قصف الأقلام وتهميش المثقفين

آخر تحديث: الخميس 13 يناير 2022 - 5:52 م بتوقيت القاهرة

شيماء شناوي

حين سئل الروائي والقاص بهاء طاهر، الذي تحل اليوم ذكرى ميلاده الـ87 عن أهم حلم له قال: «أن يعود للثقافة قيمتها فى المجتمع، وأن يكون لدى المثقفين العزم على استئناف المشروع الذى بدأ مع رفاعة الطهطاوى ومحمد عبده وقاسم أمين، وطه حسين، ومحمد حسين هيكل، وغيرهم ممن صنعوا المشروع الثقافى العظيم فى مصر، وأن تلقى الثقافة من مؤسسات المجتمع الاهتمام الذى يتيح لها تأدية دورها فى النهوض بالمجتمع وتقدمه».

فى كتابه البديع «أبناء رفاعة» يرصد بهاء طاهر، الصعود التدريجى للمجتمع المصرى، من ظلام الجهل والتبعية للدولة العثمانية، إلى أنوار الحداثة والحرية، بفضل جهود مثقفيها، أمثال: «رفاعة الطهطاوى، والإمام محمد عبده، وقاسم أمين، وأحمد عرابى، وعبدالله النديم، وغيرهم من الأجيال المتعاقبة، كطه حسين ويحيى حقى، وتوفيق الحكيم، ويوسف إدريس، ممن لعبوا أدوارًا أساسية فى إحداث التغيير الفكرى للمجتمع، والذى بدأ منذ فجر تأسيس الدولة المصرية الحديثة، على يد مؤسسها محمد على باشا، وبعثاته التعليمية وحتى يومنا هذا.

ويشرح عبر صفحات الكتاب كيف حاول هؤلاء المثقفين ورواد التنوير أن يسيروا بمصر على خطى الغرب لتصل الى الدولة المدنية التى كانوا يحلمون بها، ويلقى الضوء على مساعيهم ومجهوداتهم الحثيثة لتحقيق ذلك في خضم أوضاع إجتماعية واقتصادية وسياسية مصرية صعبة، لكنهم كانوا رجال مثقفين وضعوا النهوض بالشعب المصري وتثقيفه نصب أعينهم فنقلوه من موات كامل، إلى أولى عتبات الحياة.

أما في كتابه "في مديح الرواية" الصادر مؤخرًا في طبعة جديدة عن دار الشروق، يستعرض حال الثقافة المصرية وما آلت إليه، مبديًا حزنه عن انحارف المسار الثقافي الذي وضعه هولاء رواد التنوير ويعقد مقارنة بين الثقافة في زمنه وحرص الدولة حينها على الارتقاء بالذوق الأدبى لدى الطلاب وإقرارها لفكرة "القراءة الحرّة"، التي ساهمت في اطلاع الطلاب على أعمال الأدباء المعاصرين، مما شكل وعيه وأبناء جيله ومن سبقوه من أجيال تصدرت مشهد الثقافة والسياسة في مصر حتى الآن، قبل انحسارهذا الدور للدوله واختفاءه "ما يحدث الآن من تراجع دور الثقافة ـ أو ما أسميه "الاستغناء عن الثقافة ـ منذ مطلع السبعينيات بفضل جهد عمدى من الدولة ومؤسساتها لتهميش دور الثقافة والمثقفين فى المجتمع وفى الحياة العامة.

وفي مقطع آخر يقول "انظر إلى تعليم الأدب فى مدارسنا.. اختفت أولًا فكرة القراءة الحرّة، أما المناهج الرسمية فلن تجد فيها منذ سنوات طويلة وحتى الآن رواية واحدة لكاتب معاصر، ولن تجد حتّى حديثًا عن الإبداع الروائى المعاصر يقيم صلة بين قرّاء اليوم والغد وثقافة وطنهم، بل إنّ المرء يكاد يجزم بأنّ المسئولين عن التعليم والثقافة فى بلدنا لم يقرءوا رواية مصرية أو عربية".

تبعية الثقافية للغرب وإشكاليتها كان لها نصيب بين ثنايا " أبناء رفاعة" حيث يتناول "طاهر" زعم البعض أن الثقافة الحديثة فى مصر ما هى إلا اقتباسًا مباشرة أو نقلًا حرفيًا عن الغرب، مؤكدًا أن تلك الثقافة الجديدة قد تبلورت فى معظم الأحيان، من خلال الصراع مع الغرب، والرفض للكثير من قيمه ومنطلقاته، والعودة إلى الثوابت الثقافية للذات المصرية، وإحياء القيم النبيلة فى حضارتنا الإسلامية، التى طمستها عصور الظلام فى المملوكية العثمانية، قائلًا: «من هنا كان صراع الثقافة المصرية الحديثة ضد «التغريب والتتريك»، سعيًا لتأكيد ذاتية ثقافية مستقلة».

وبالرغم من أن «طاهر» أحد أبرز وجوه النخبة المصرية والعربية إلا أنه لم يغض البصر عن مساوئ تلك النخبة من المثقفين ويرى أن الكاتب لا يجب أن يكتب من برج عاجى، بل يتأثر بشدة بالمجتمع والبيئة المحيطة به، ويسعى سواء عن وعى أو غير وعى لأن يكون ما يكتبه وسيلة لإحداث تأثير فى هذا الواقع، وحين سُئل فى حوار تلفزيونى أجراه معه الإعلامى محمد الدسوقى رشدى 2013، حول تأثير النخبة فى الوقت الراهن أجاب: «نخبة متشرذمة لا تجتمع على موقف ورأى واحد، وهذا جعل تأثيرها ضعيفا فى المجتمع»، مشيرًا إلى أن قضية مثل تجديد الخطاب الدينى التى يتبناها عدد من المثقفين، ينبغى أن يتم تناولها بالكثير من الحرص والعناية «أنت تتعامل مع مجتمع نسبة الوعى لديه محدودة، فلابد من تناول المسار بالكثير من الحرص والحذر والرقى، وإلا خّلق هذا التناول الكثير من المشاكل».

خصص بهاء طاهر في كتابيه "أبناء رفاعة" و"في مديح الرواية" كلمات وداع لراحلين أعزّاء من أدبائنا أمثال: يوسف إدريس، ويحيى حقّى، وتوفيق الحكيم، ويحيى الطاهر عبد الله، لطيفة الزيات، وأحمد صالح مرسي، وعبد الفتاح الجمل، وفتحي غانم، وهي الكتابات التي نُشرت بعد رحيلهم وتحدّث فيها عن علاقته الشخصية بهم؛ وعكست مشاعر لحظات الفراق، ورغم أن "طاهر" فكّر في إعادة صياغة ما كتبه في السابق ليجعلها دراسات أشمل لمن غابوا عنّا حسبما يقول في كتابه، إلا أن رأئيه استقر فى النهاية على نشر هذه الكلمات كما ظهرت أول مرّة؛ قائلًا" أنا لا أخجل من دموعى".

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved