«جائزة السلام دون تحقيق سلام!».. نشطاء في إريتريا يعلقون على فوز أبي أحمد بجائزة نوبل

آخر تحديث: الأحد 13 أكتوبر 2019 - 2:09 م بتوقيت القاهرة

منال الوراقي

فاز رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بجائزة نوبل للسلام لعام 2019، حيث أعلنت لجنة الجائزة، أول أمس الجمعة، عن اختياره لجهوده في تحقيق السلام وإنهاء نزاعا حدوديا يعد واحدا من أطول النزاعات في أفريقيا مع إريتريا المجاورة.

وساهم أبي أحمد بعد مفاوضات ومناقشات مشتركة مع الرئيس الإريتري إسياس أفورقي، فى استعادة إثيوبيا وإريتريا العلاقات في يوليو 2018، بعد سنوات من العداء وحرب حدودية استمرت من عام 1998 إلى عام 2000.

ولكن لماذا منحت الجائزة إلى أبي أحمد ولم تمنح إلى الرئيس الإريتري شريك أبي في المفاوضات وجهود السلام، بالرغم من اعتراف رئيسة لجنة نوبل للسلام بيريت ريس أندرسن أن "السلام لا ينشأ من تصرفات طرف واحد فقط"، وفقا لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية.

في بعض السنوات، تم منح جائزة نوبل للسلام لأطراف متعددة على جهودهم في محاولة إنهاء الصراعات، كما حدث في عام 1994، عندما مُنحت الجائزة للزعيم الفلسطيني ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين ووزير خارجيته شيمون بيريز، لجهودهم في العمل السياسي الذي فتح فرصا لتطور جديد نحو السلام في الشرق الأوسط.

اتفاقيات دون تنفيذ
قرار منح جائزة نوبل للسلام لعام 2019 لرئيس وزراء إثيوبيا فقط لم يكن مفاجئًا، إذ اتهمت حكومة الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، الذي يقود واحدة من أكثر الديكتاتوريات العسكرية قمعية في العالم، بارتكاب جرائم محتملة ضد الإنسانية.

وعلى الرغم من توصل الرئيس أفورقي إلى اتفاقية مع أبي أحمد في العاصمة الإريترية العام الماضي لإنهاء النزاع بين البلدين، إلا أنه في الممارسة العملية لم يتم تنفيذ هذا الاتفاق إلى حد كبير، ولم يكن هناك سوى فوائد ضئيلة للإريتريين.

فقالت لاتيتيا بدر، الباحثة في منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية الدولية: "اعتقدنا أن هناك الكثير من الأمل في إريتريا، لكن يرى الإريتريون أن الأمور لم تتغير على أرض الواقع".

وأوضحت فانيسا تسيهاي، الناشطة الإريترية المقيمة بالعاصمة البريطانية لندن، أن "المفاوضات لم تحقق أي تطورات إيجابية للشعب الإريتري، لأن الواقع المعيشي هو نفسه بعد مرور أكثر من عام على اتفاق السلام".

أصل الصراع بين الجارتين
الصراع بين إريتريا وإثيوبيا يمتد إلى عقود، فعقب حصول إريتريا المحتلة على استقلالها عن بريطانيا عام 1951، طالبت إثيوبيا غير الساحلية بأرض جارتها الساحلية، مما أدى في النهاية إلى حرب أهلية بين البلدين -المشتركتين في نظام الحكم- بدأت في عام 1961، واستمرت لثلاثة عقود.

في عام 1991، ساعدت القوات الإريترية في الإطاحة بالحكومة التي يقودها الشيوعيون في إثيوبيا، وبعد عامين صوت الإريتريون لصالح الاستقلال عن إثيوبيا، ومع ذلك، لم يتوصل البلدان إلى اتفاق على الحدود بينهما، وفقا لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية.

وفي عام 1998، تطورت النزاعات الحدودية الصغيرة حول مدينة بادمي إلى صراع كامل، إذ تشير التقديرات إلى أن ما يقرب من 100 ألف شخص لقوا حتفهم، وبعد انتهاء الحرب، سيطرت القوات الإثيوبية على بادمي وغيرها من المناطق المتنازع عليها.

أبي أحمد.. وجهود السلام
باتت علاقة الجارتين يطلق عليها "لا حرب ولا سلام"، مما يعني قطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية والمواصلات، فظلت البلدان على حافة الحرب، واشتبكتا مرارًا وتكرارًا، حتى تولى أبي أحمد ضابط المخابرات السابق، منصب رئيس وزراء إثيوبيا في أبريل 2018، وبدأ على الفور إجراء تغييرات في البلاد، التي كانت تحكمها الحكومات الاستبدادية منذ فترة طويلة.

في 5 يونيو 2018، تعهد أبي أحمد بقبول اتفاقية السلام مع إريتريا وسحب القوات الإثيوبية من الأراضي المحتلة المتنازع عليها، ليرد الرئيس الإيتري أفورقي في غضون أسابيع بالترحيب مؤكدا أن الدولتين تتوقان للسلام، وفق "واشنطن بوست".

بعد شهر واحد فقط من إعلان أبي السلام بين البلدين في 8 يوليو الماضي، نزل الزعيم الإثيوبي في المطار في العاصمة الإريترية أسمرة، حيث استقبله أفورقي، ليعلنوا إعادة فتح السفارات بين الجارتين، والسماح بالاتصالات المباشرة واستعادة روابط النقل.

وقال أحمد خلال زيارته للبلاد:"الحب أقوى من الأسلحة الحديثة كالدبابات والصواريخ، الحب يمكن أن يربح القلوب، وقد رأينا الكثير اليوم هنا في أسمرة."

لا يوجد تغيير في الجانب الإريتري
على الرغم من النوايا الحسنة التي ظهرت في المفاوضات، يقول النقاد إنه لم يتغير الكثير بين البلدين، حيث أعرب الكثيرون من المغتربين الإريتريين عن رفضهم لجائزة نوبل للسلام التي ركزت على الاتفاق بين إثيوبيا وإريتريا عندما لم يتغير الكثير في الحياة الواقعية.

وكتبت سلام كيدان، الناشطة التي تتخذ من لندن مقراً لها على تويتر: "لم أكن أعرف أن أحدًا يمكنه الفوز بجائزة السلام دون تحقيق السلام!".

وبالرغم من فتح المعابر الحدودية بين إثيوبيا وإريتريا العام الماضي، لكن إريتريا سرعان ما أغلقت الحدود مرة أخرى، الأمر الذي أرجعه المحللون إلى أن إريتريا، التي تمتلك سيطرة كاملة على مواطنيها ولم تترك أي مجال للمعارضة، تتأخر بسبب المخاوف من إصلاح أوسع يدخل البلاد.

ففي عام 2015، أصدرت الأمم المتحدة نتائج تحقيق أجرى لمدة عام حول حقوق الإنسان في البلاد، التي يقودها الرئيس أفورقي منذ عام 1993، كشف عن "انتهاكات منهجية وواسعة النطاق وجسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك القتل خارج نطاق القضاء والتعذيب والعمل القسري".

وأوضحت لاتيتيا بدر، الباحثة في منظمة «هيومن رايتس ووتش» إنه لم يحدث أي تغيير إيجابي للتقييد في البلاد مثل الاعتقال التعسفي للأشخاص بسبب الجرائم السياسية، أو الخدمة الوطنية غير المحددة، التي تجند الكثير من الإريتريين بشكل دائم في الجيش.

وقالت بدر: "كثيراً ما جادلت الحكومة بأن نظرية "لا حرب ولا سلام" التي تتبعها مع إثيوبيا، هي ما تجبرها على تجنيد جميع سكانها" وهو الأمر الذي لم يتغير بعد اتفاقيات السلام.

الجائزة تشجيعا لرئيس الوزراء الإثيوبي
المستشار الدولي في مجال حقوق الإنسان والمدير التنفيذي لحركة طليعة أفريقيا، جيفري سميث أوضح أن جائزة نوبل جاءت "تشجيعا لرئيس الوزراء أحمد والنظام الجديد في إثيوبيا على جهودهم، وليس للتقدم المحرز بالفعل".

لكن الناشطة الإريترية فانيسا تسيهاي ترى أن اتفاق السلام ساعد في إضفاء بعض الشرعية على نظام أفورقي زعيم الدولة المعزولة والقمعية التي تضم 5 ملايين مواطن، إذ أن سفر الزعيم الإريتري بجانب أبي أحمد إلى دول أجنبية، جعل الأمم المتحدة ترفع العقوبات عن إريتريا.

وقالت تسيهاي: "السلام دائمًا شيء جيد، إنه شيء لا يجب أن نعارضه أبدًا، لكننا بحاجة إلى فهم السلام بما يتجاوز معناه الحرفي المتمثل في عدم الحرب".

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved