عن أمريكا الشابة ومقارنة بالحاضر: سيرة الرئيس الـ35 للولايات المتحدة وألغاز حياة آل كينيدى
آخر تحديث: الجمعة 13 نوفمبر 2020 - 9:58 م بتوقيت القاهرة
كتبت ــ إسراء حامد:
نشرت جريدة «ذا إيكونوميست» الأمريكية مقالا حول كتاب السيرة الذاتية الذى يتناول حياة الرئيس الأمريكى الراحل جون إف كينيدى، حيث تتبع فريدريك لوجفال المؤرخ الحائز على جائزة بوليتزر وأستاذ التاريخ بجامعة هارفارد الحياة الشائكة للرئيس الراحل منذ ولادته 1917 وحتى اغتياله عام 1963، ويلقى الضوء على الجوانب السياسية والعائلية الغامضة للرئيس الشاب.
يأتى كتاب جون كنيدى: بلوغ سن الرشد فى القرن الأمريكى 1917ــ1956 «JFK: Coming of Age in the American Century, 1917ــ1956»، فى توقيت مثالى، حيث كان يبلغ كينيدى 43 عامًا فقط عندما أصبح رئيسًا مقارنة مع دونالد ترامب الذى كان يبلغ من العمر 70 عامًا عندما تم انتخابه أو مع جو بايدن البالغ 77 عاما، لذا فالكتاب يأتى تذكرة للجمهور بما كانت عليه أمريكا الشابة ذات يوم وبما يمكن أن تكون عليه مرة أخرى حسب ما ورد فى «ذا إيكونوميست».
يحكى المجلد الأول من كتاب فريدريك لوجفال حياة جون كنيدى منذ ولادته فى عام 1917 حتى عام 1956 عندما قرر الترشح للرئاسة، يستند الكتاب إلى سنوات من البحث فى الأرشيف ويحتوى على معلومات سياسية وتاريحية إلا أنه مكتوب بلمسة خفيفة مبهجة كأنه «نثر نابض بالحياة والأحداث غير الاعتيادية».
واجه لوجفال الصعوبة الأكبر فى كتابة سيرة «جاك» كما كان يُنادى دائمًا من قبل الأصدقاء والعائلة والصحفيين، ألا وهى أن حياته وحياة عائلته كانت محاطة بالأساطير والزخارف، فبشكل سطحى كما كان يصدر للعامة فى ذلك الوقت أن والده جوزيف الغنى صاحب النفوذ استطاع إدارة صورته «كرجل قدر» man of destiny منذ سن مبكرة، ليأتى زواجه من جاكى بوفييه 1953 ليكمل الصورة البارقة ليكون الزوجان الوسيمان الشابان هما العائلة الأمثل لإدارة البلاد.
أثارت تلك الأساطير حتمًا أساطير مضادة، فغالبًا ما يتم تقديم جوزيف كينيدى والد «جاك» مؤسس ثروة العائلة وسفير أمريكا فى بريطانيا فى أواخر الثلاثينيات، على أنه وحش يمينى متطرف قاسى المعاملة مع أبنائه وزوجته، كما تم تصوير جاك نفسه على أنه طفل ثرى مدلل دخل السياسة فقط بناءً على طلب والده وعامل النساء معاملة حقيرة للغاية.
وفى سرده لطفولة جاك يروى لوجيفال أيضًا قصة الطموح العرقى والاستيعاب الثقافى للعائلة، حيث كان لدى آل كينيدى كل الأسباب لكراهية النخبة الدبابير فى أمريكا. فبفرار أسلافهم من أيرلندا التى كانت خاضعة للحكم البريطانى أثناء المجاعة ووصولهم إلى بوسطن واجهوا طبقة أرسطقراطية استحوذت على السلطة والامتياز. لكن هدف العائلة لم يكن ترف الاستياء والتذمر بل المضى قدمًا والنجاح.
كان أهم شيء شاركوه مع نخبة الدبابير القديمة هو الشعور بالواجب العام، لقد أحب جو حقيقة أنه وهو طفل من الشتات الأيرلندى، كان يمثل أقوى دولة فى العالم فى محكمة سانت جيمس لكن بالنسبة لجاك، فقد نضج إلى شيء أوسع وأعمق. كانت إحدى أقواله السياسية المفضلة هى اقتباس من روسو: «بمجرد أن يقول أى رجل دولة عن شئون بلده، ما الذى يعود على من هذا الأمر؟ فقد تخلى عن بلده وأضاعها للأبد».
التحق جاك كينيدى بمدرسة الطبقة المرموقة فى بوسطن وهى مدرسة تشاوت ثم التحق بجامعة هارفارد، حيث كان مولعا باللغة الإنجليزية عندما أصبح والده سفيرا للولايات المتحدة فى بريطانيا، كونه معجبًا بنستون تشرشل ليس مفاجأة، لكنه أيضًا كان مولعا باللورد ملبورن، أول رئيس وزراء للملكة فيكتوريا، بسبب سحره وعدم مبالته واتزانه الدائم، وتعزز إيمان جاك كينيدى الكبير بتحمل أمريكا المسئولية عن مراقبة النظام العالمى، وهو الإيمان الذى أيقظته قراءاته المستمرة لتشرشل ورحلاته المكثفة، بما فى ذلك زياراته إلى ألمانيا النازية بالإضافة لتجاربه فى زمن الحرب، فكتابه الثانى ملامح فى الشجاعة«Profiles in Courage 1956»، عكس دور القيادة فى الديمقراطية، ولا سيما كيف يجب على رجال الدولة الرد إذا كان ناخبيهم وأحزابهم مصممين على فعل شيء أحمق بشكل خطير. فالأسطر المقتبسة من خطاب تنصيبه، «لا تسأل عما يمكن أن يفعله بلدك من أجلك، اسأل عما يمكنك فعله لبلدك»، هى أهم ما عبر عن جوهر فلسفته السياسية.
وذكر المؤلف فى كتابه: «سيكون أحد أعظم الاختبارات الأمريكية فى السنوات القادمة هو ما إذا كان بإمكان النخبة استعادة الشعور بالواجب العام الذى حرك جون كنيدى، يُظهر لوجفال أن الحياة السياسية يمكن أن تتسبب فى خسائر فادحة حتى عندما تكون السياسة أقل استقطابًا وتكون الصحافة مروضة، لكن التاريخ الأمريكى الحديث هو شهادة على ما يمكن أن يحدث إذا تجاهل المثقفون السياسة من أجل الحياة الهادئة، وتركوا المجال العام للمهرجين».