جولة في «المراسلات السرية بين سعد زغلول وعبدالرحمن فهمي» (7): كيف واجه الوفد خطط الإنجليز لضرب الوحدة الوطنية؟

آخر تحديث: الخميس 14 مارس 2019 - 2:00 م بتوقيت القاهرة

حسام شورى:

- بعد الاعتراف الدولي بالحماية على مصر..كانت الوحدة الوطنية مصدر قلق بريطانيا الحقيقي
- عينوا رئيس وزراء قبطي لضرب هذه الوحدة.. فعين الوفد قبطيا لوكالة لجنته المركزية
- الأمة القبطية استاءت من قبول يوسف وهبة الوزارة.. وخشيت أن يسبب ذلك نفورا مع الأمة الإسلامية
- الشيخ القياتي يخطب عن الواقعة.. وعبد الرحمن فهمي يتخذ الكنيسة المرقسية مركزًا من مراكز ثورة 1919


تواصل «الشروق» على مدار شهر مارس عرض مجموعة من الكتب، الحديثة والقديمة، التي تروي جوانب مختلفة لتأريخ وتوثيق أحداث ثورة 1919 من الأسباب إلى المآلات.
وثاني كتاب نتجول بين صفحاته هو «دراسات في وثائق ثورة 1919»..«المراسلات السرية بين سعد زغلول وعبد الرحمن فهمي»، الذي يزيح الستار عن جانب خفي من نضال الوفد، ومن شخصية الزعيم سعد زغلول، وسكرتير اللجنة المركزية للوفد عبد الرحمن فهمي، وهو الجانب الذي لم يكن معروفًا حتى عثر الأستاذ الدكتور محمد أنيس على هذه المراسلات التي مكَن نشرها الباحثين من تركيب صورة تاريخية لثورة 1919 كان من المستحيل التوصل إليها من دون الاستعانة بهذه الوثائق.


بلغ عدد المراسلات السرية (مكتوبة بالحبر السري) المرسلة من سعد زغلول إلى عبد الرحمن فهمي 30 رسالة، من 23 يونيو 1919 إلى 28 أبريل 1920، كما بلغ عدد التي أرسلها فهمي لسعد 29 تقريرًا بدأت من 23 يوليو 1919 وحتى مايو 1920.
تناولت تلك المراسلات قضايا مهمة مثل (خروج إسماعيل صدقي ومحمود أبو النصر من الوفد، ومقاطعة لجنة ملنر، وحركة الأمراء، ووحدة عنصر الأمة والتكتل الأرستقراطي)؛ فكل تقرير كان يشمل مسائل متعددة.
وتقارير عبد الرحمن فهمي تشمل عرضا لأهم الأحداث العلنية والسرية التي كانت تدور في مصر؛ وكان يعطي من خلالها للوفد في باريس صورة عن الموقف في مصر، بينما كان سعد يعطي لعبد الرحمن فهمي رأي الوفد في كثير من المسائل التي تجري في مصر لتسير اللجنة المركزية للوفد على هديها.


الكتاب صدرت طبعته الأولى في عام 1963 للدكتور محمد أنيس (1921-1986) أستاذ التاريخ الحديث بجامعة القاهرة، ومؤسس مركز وثائق وتاريخ مصر المعاصر (1967- 1975)، والرئيس الأول له، وهو المركز الذي قام تحت إشرافه بجمع شتات العديد من الوثائق المهمة، وأعادت دار الشروق نشر هذا الكتاب في 2019 ، ويقع في 242 صفحة، من القطع المتوسط.

•••••••••

بعد أن ضمنت بريطانيا اعتراف الدول بالحماية البريطانية على مصر، لم يعد يقلقها كثيرًا الموقف الدولي؛ وبالتالي وجود الوفد في باريس، بل كان مصدر قلقها الحقيقي الوحدة الوطنية الملفتة حول الوفد، وكانت خطة بريطانيا ضرب هذه الوحدة قبيل وصول لجنة ملنر، فمهمة اللجنة في الحقيقة كانت الحصول على اعتراف المصريين بهذه الحماية بعد أن صارت معترف بها دوليا. بينما كانت مهمة القيادة الوطنية الحفاظ على هذه الوحدة وتحطيم المحاولات البريطانية.

وقبل وصول لجنة ملنر قي 7 ديسمبر 1919 استقالت وزارة محمد سعيد باشا والتي كان من رأيها تأجيل وصول اللجنة حتى يعقد الحلفاء الصلح مع الدولة العثمانية المهزومة وتتنازل عن حقوقها الشرعية في مصر؛ فيكسر هذا التنازل من حدة الحركة الوطنية ويصيبها بخيبة أمل فوق ما وجدته في معاهدة فرساي.

وبعد استقالة سعيد باشا عمد اللورد أللنبي إلى تكليف أحد المسيحيين المصريين بتأليف الوزارة في تلك اللحظة الحرجة التي أجمعت الأمة رأيها على مقطاعة لجنة ملنر، وهو يوسف وهبة باشا، وقصد الإنجليز من هذا التعيين ضرب الحركة الوطنية في أقوى مراكزها ألا وهي وحدة عنصري الأمة، تلك الوحدة التي تعتبر من أروع إنجازات ثورة 1919 وحركة الوفد المصري.

وكان قد سبق مجيء لجنة ملنر مباشرة حركة واسعة من الاعتقالات في مقدمتها تحديد إقامة محمود سليمان رئيس لجنة المركزية للوفد ووكيلها خارج القاهرة إبراهيم سعيد، وكان رد عبد الرحمن فهمي على ذلك أن جمع اللجنة المركزية على الفور وعين مرقس حنا عضور اللجنة وكيلا للجنة ورئيسا بالنيابة.

وكتب إلى سعد زغلول في 3 ديسمبر 1919 يشرح فكرته وراء ذلك فقال: «لما اعتقل صاحب السعادة محمود سليمان باشا، وإبراهيم باشا سعيد خلا بذلك محلا الرئيس ووكيله، ونظرا لأننا فهمنا من سياق الحديث أن السلطة المتصرفة في شئون مصر والملتفين حولها أرادوا بإسناد مركز الرياسة إلى يوسف وهبة باشا معللين النفس بأن يكون هذا سببا من أسباب نفور العلائق بين عنصري الأمة الأصليين، أجمعنا كلمتنا على اختيار قبطي نسند إليه مركز الوكيل ليترأس على اللجنة مدة إبعاد محمود باشا وإبراهيم باشا رادين بذلك كيد المتسلطين إلى نحرهم، ولنثبت لهم أن هها السفاسف أصبحت بعيدة عن أفكارنا وان مبادئنا وطلباتنا القومية لا يمكن أن يقف أمامها أي عائق».

كما أسرع عبد الرحمن فهمي إلى اتخاذ الكنيسة المرقسية مركزًا من مراكز الثورة، فكتب إلى سعد زغلول يقول له:«لما علمت بأن الأمة القبطية الكريمة استاءت جدا من قبول يوسف وهبة باشا رئاسة الوزارة في هذه الظروف الحرجة، وأنها تخشى أن يسبب هذا نفورا بينها وبين الأمة الإسلامية، استصحبت ستة من إخواني أعضاء الوفد والجنة المركزية وتوجهنا إلى الكنيسة يوم الأحد 23 نوفمبر 1919، وأبدينا لهم مشاركتنا لهم في تألمهم من قبول يوسف وهبه لمركزه الجديد، وأكدت لهم أن هذا لا يمكن بحال من الأحوال أن يسبب أي نفور في علاقتنا لأنه إذا كان وجد بينهم خائن قبل الوزارة في هذه الظروف الحرجة، فقد وجدنا بيننا سبعة بجواره من المسلمين (يقصد أعضاء الوزارة) ولقد كلفنا الشيخ القاياتي بأن يخطب في القوم بهذا المعنى وبالفعل قال كلمة كان لها أحسن وقع في نفوس الجميع».

ثم أرسل إلى سعد زغلول في 23 ديسمبر يخبره بأن «ألقى طالب قبطي من طلبة الطب قنبلتين يوم 15 ديسمبر الجاري على رئيس الوزارة ولكنه أخطأه وضبط ذلك الشاب وهو متقد حمية ووطنية وفي غاية الجرأة (الطالب المقصود هو عريان يوسف عريان)».
وبذلك فشلت مناورة وضع يوسف وهبة في الوزارة. ولكن من سيقابل ملنر ولجنته، ويتفاهم معها؟

غدا حلقة جديدة....

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved