يمكن استخدامه لعلاج البشر.. أسرار مذهلة عن الجهاز الهضمي الخارق للثعابين

آخر تحديث: الخميس 14 مايو 2020 - 3:57 م بتوقيت القاهرة

أدهم السيد

يفتح ديفيد نيلسون، قفصا زجاجيًا بداخله أفعى بايثون رمادية عاصرة ليلقي لها وجبة مكونة من فأر ضخم بعد صيام أسبوعين وبينما وقف الفأر متجمدا مكانه لم تعبأ الأفعى وأصبحت تقلب رأسها الملون في الأرجاء متحسسة بلسانها طعم الهواء قبل أن تتحول في لحظة لسهم منقضة على الفأر لتصعقه بأنيابها وتلتف عليه بينما يتخبط بين طيات جسدها حتى يخبو تماما فترخى قبضتها عليه قبل أن تفتح فمها على آخره وتبتلعه ابتلاعا وهي رافعة رأسها.

وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية يدرس الدكتور ستيفن سيكار، الجينات المسؤولة عن إدارة عمليتي الهضم والأيض المميزة لدى الثعابين من أجل تطويرها لعمل علاجات لأمراض السرطان وغيرها.

وتمتاز الثعابين بعمليات هضم فريدة من نوعها تكاد لا توجد لدى غيرها من الحيوانات فهي تظل صائمة لأسابيع ومن ثم تأكل وجبة تعادل ربع حجمها وربما حتى تكبرها حجما، دفعة واحدة لتهضمها بالكامل خلال يومين أو أكثر بقليل.

وقال ستيفن أنه بدأ بدراسة عمليات الأيض لدى أفاعي الفئران التي اكتسبت اسمها من فريستها المفضلة ليجد أن معدلات الأيض ترتفع لديها بمجرد تناول الفريسة ب700% مقارنة بأن معظم الحيوانات الثديية لا تزيد معدلات الأيض لديها عندما تأكل عن الـ50% فقط.

وتحول ستيفن بعدها لدراسة الأيض لدي أفاعى البايثون العاصرة فوجدها عندما تأكل ربع حجم جسدها من الفرائس ترفع معدلات أيضها 1000% وعندما تأكل ما يوازي حجمها ترفع الأيض بـ4400% مع العلم بأن حصان سباق في أوج سرعته تصل معدلات أيضه لـ300% ولكنها لاتستمر أكثر من دقيقتين، بينما تستطيع الأفعى الإبقاء على معدلات الأيض الأعلى في مملكة الحيوان بأكملها لمدة أسبوعين متواصلين.

وتتبع ستيفن، عملية الهضم لدى الأفاعي مثل أفاعي البايثون لمعرفة ما تفعله كل تلك المعدلات العالية من الأيض فاكتشف أولا أن الثعبان أثناء صيامه يفقد كل الحامضية في معدته التي تصبح درجة حامضيتها مماثلة للماء ولكن خلال ساعات من تناول الفريسة تطلق المعدة دفعة من الحامض تستمر لأيام حتى تُنهي الفريسة.

وتتضاعف الأفعى البايثون خلال عملية الهضم، حجم أمعائها الدقيقة بـ3 مرات بينما تضاعف من الأصابع الدقيقة التي تحويها خلايا الأمعاء لامتصاص العناصر الغذائية بـ5 مرات وذلك خلال ساعات قليلة.

وللتكيف مع حجم الوليمة الضخمة خلال عملية الهضم تضاعف الأفعى حجم معدتها وكليتها وزيادة حجم القلب بـ40%.

وبعدما هضمت الأفعى الفأر السمين لم يتبق منه ليخرج في فضلاتها غير كرة من الفرو، ولكن بقية الفأر توزعت على كامل جسدها لتغذيه وفي ذلك الحين بشكل مفاجئ تعود حجم أمعاء الأفعي لحجمها السابق ويتقلص القلب لحجمه الطبيعي وتعود المعدة لدرجة حامضيتها المتعادلة الشبيهة بالماء.

ولمعرفة كيف تقوم الثعابين بعمليتها الهضمية المثيرة التقى ستيفن، بتود كاستو خبير الخصائص الوراثية للزواحف والمدرس بجامعة تكساس، ليحلل كلاهما الجينات المسؤولة عن عملية الأيض والهضم وما يتبعهما لدى الثعابين ولينشرا عام 2013 أول خريطة متكاملة لجميع الجينات التي تعمل وقت الهضم وتنطفئ بشكل مريب عند نهاية العملية لدى أفعى البايثون وخلال السنوات الماضية قام الرجلان بعمل خرائط مماثلة لكثير من أنواع الثعابين.

ويقول كاستو أنه صُعق عندما بدأ بتحليل الخلايا المستخلصة من الثعابين خلال عملية الهضم لأنه اكتشف أن الثعبان خلال ساعات من بدء الهضم يبدأ بتشغيل وإيقاف نحو 2000 لـ3000 جين في أعضاء مختلفة من جسمه.

ويضيف كاستو أن معظم تلك الجينات متعلقة إما بالنمو وإما بإصلاح وتقوية الخلايا، موضحًا أن جينات النمو تعمل في تلك العملية بنشاط يفوق مثيله لدى طفل في أوج نموه.

ويستطرد كاستو، أن جينات النمو تدفع أعضاء الثعبان ليتضاعف حجمها خلال ساعات ولكن تلك الأعضاء لا تكون ذات خلايا سليمة نظرا لسرعة نموها وما يحافظ عليها حينها جينات إصلاح الخلايا ولكن بانتهاء عملية الهضم تتوقف جينات الإصلاح فتتدمر الخلايا النامية وتعود أعضاء الثعبان لحالها.

وأما في حالة الصيام، فإن الثعابين تقلص حجم أعضائها ما يعني أنها توقف كثيرًا من الجينات ولا تُبقي سوى ما تحتاجه للعمل فقط بشكل مذهل.

وتوصل الفريق إلى أن هناك في جسد الثعبان ما يسمى بالجينات الدافعة وهي التي تحدد أي الجينات يعمل وأين ومتى وأي الجينات يتوقف وأين ومتى.

ويريد الفريق التوصل لتلك الجينات الدافعة لتطبيقها على جسد الإنسان الذي يتشارك الكثير من الجينات مع الحيوان فإن الجينات الدافعة لجينات النمو وإصلاح الخلايا قد تساعد في علاج وترميم الأنسجة التالفة في أعضاء الإنسان.

وأما الجينات الدافعة لإيقاف نمو الخلايا وتقليصها فستكون ذات جدوى ثورية في تحييد والقضاء على خلايا السرطان.

ولكن البحث عن الجينات الدافعة لا يزال أمرا شاقا نظرا لسرعة تغير عمل ونشاط الجينات خلال الساعات الأولى للهضم ما يُصعب عملية رصدها لتحديد الجينات الدافعة التي تقف خلفها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved