«كبار العلماء» وأئمة الأوقاف ينتفضون ضد «الخطبة المكتوبة»: مهينة للإمام وتقتل الإبداع

آخر تحديث: الخميس 14 يوليه 2016 - 8:56 م بتوقيت القاهرة

كتب ــ خالد موسى ومحمد عنتر:

- علماء: لا يصب فى مصلحة تجديد الخطاب الدينى.. وأعضاء بـ«كبار العلماء»: سنتنحى عن إلقاء الخطب

- المعترضون يقدمون شكوى للوزير ويطلقون هاشتاج «لا للخطبة المكتوبة»

- رئيس القطاع الدينى: المعترضون يريدون صنع نجومية زائفة كنجوم الشباك

أثار اقتراح وزير الأوقاف محمد مختار جمعة، بتطبيق «خطبة الجمعة الموحدة والمكتوبة» وتوزيعها على أئمة المساجد لإلقائها من على المنابر موجة من الاعتراضات، من جانب أئمة يتبعون وزارة الأوقاف وكبار العلماء بالأزهر، وعلى رأسهم أعضاء هيئة كبار العلماء، مهددين بالامتناع عن إلقاء خطبة الجمعة.

وأكد علماء الأزهر وأئمة الأوقاف، أن تطبيق هذا القرار لا يصب فى مصلحة تجديد الخطاب الدينى الذى يتطلب منح الإمام فرصة أكبر لشرح الأفكار خاصة المتعلقة بالفكر التطرف، مؤكدين أنه يقتل إبداع الخطباء والمفوهين.

واعترض أعضاء فى هيئة كبار العلماء على القرار، حيث حذر عضو الهيئة الدكتور محمود مهنا، من تطبيق القرار، مؤكدا أن الخطبة المكتوبة ستكون فارغة المضمون وخاوية المعنى، مضيفا: «هذا يعنى أن الأزهر ليس قائدا للعالم الإسلامى، فالأزهر هو الذى حمى الإسلام وحمل رسالته إلى العالم».

وأضاف فى تصريحات لـ«الشروق»: «الأزهريون أكبر من أن تكتب لهم خطب وإذا تم تطبيق هذا الاقتراح فسوف أتنحى عن الخطابة فورا، ولن ألقى كلمة مكتوبة لأننى وباقى العلماء مصنفون من علماء الأمة بعضويتنا لكبار العلماء»، لافتا إلى أن العلماء يتقنون فن الخطابة وربط القرآن الكريم والسنة النبوية بشكل عصرى.

ووصف مهنا، قرار الخطبة المكتوبة بـ«السياسى السلفى» الذى لا يبغيه إلا كل ضعيف، مشيرا إلى أن العلماء لا يملى عليهم الخطب من أحد، ووجه حديثه لوزير الأوقاف قائلا: «إذا كنت تريد كتابة الخطب، فيجب أن تكتب لك أولا».

وعن استنساخ الفكرة من المملكة العربية السعودية، حيث إن خطباء الحرمين يلقون خطبة مكتوبة من الديوان الملكى، قال مهنا إن هذه تجربة «فاشلة» وإنها تطبق لحفظ نظام الحكم فقط، مضيفا: «نحن الأزهريون نحب بلادنا وأوطاننا وحكامنا ولكن لا تملى علينا خطب من زيد أو عمر».
واختتم كلامه بالاستشهاد بأبيات للإمام على ابن أبى طالب «ما الفخـر إلا لأهل العلم إنهم.. على الهدى لمن استهدى أدلاء.. وقدر كل امرئ ما كان يحسنه.. والجاهلون لأهل العلم أعداء.. ففز بعلم تعش حيا به أبدا.. الناس موتى وأهل العلم أحياء».

وكان وزير الأوقاف قد برر اقتراحه بأن تطبيق الخطبة المكتوبة الهدف منه هو صياغة الفكر والفهم المستنير وفق آلية تسهم فى تصحيح الفكر وتصحيح المفاهيم الخاطئة، وحرصا على عدم الخروج عن وحدة الموضوع، مشددا على أنه لا يوجد تضييق أو تقييد للأئمة والدعاة على الإطلاق من تنفيذ الخطبة المكتوبة، لأن الإمام له متسع كبير مع جمهوره من خلال الدروس والقوافل والندوات.

ومن جانبه، قال عضو هيئة كبار العلماء ورئيس جامعة الأزهر الأسبق الدكتور أحمد عمر هاشم، إن القرار جاء لأسباب منها إطالة بعض الأئمة فى الخطبة بما يخالف سنة النبى أو الخروج عن الموضوع إلى جزئيات متناثرة أو احتوائها على تعصب لمذهب أو الخروج عن المنهج الوسطى، أو بالدخول فى أمور سياسية أو حزبية لا علاقة لها بمضمون الخطبة، مؤكدا أن مواجهة ذلك يكون بالتفتيش على هؤلاء ومنعهم وليس كتابة خطب لهم، محذرا من الإقدام على هذه الخطوة، ومشددا على أن هيئة كبار العلماء لن تقبل به.

وقالت أستاذة العقيدة والفلسفة السابقة بجامعة الأزهر وعضوة مجلس النواب الدكتورة آمنة نصير، إنها ترفض قرار وزارة الأوقاف، لأنه يعد نوعا من أنواع التضييق على الخطباء فى المساجد، وأنه سيخلق حالة روتينية مملة بين المصلين داخل المسجد.

وأضافت نصير، أن الهدف من تطبيق «الخطبة المكتوبة»، هو تحجيم التطرف من خلال الخطبة، ولكن التحجيم لا يأتى من خلال ورقة مكتوبة، وإنما بعقد لقاءات ومناقشات مع الخطباء وكبار شيوخ الأزهر والأوقاف، مشيرة إلى أن من شروط الخطبة أن تكونه ناضجة تتوافق مع كل منطقة وكل حى، وتختلف من مكان إلى آخر.

من ناحية أخرى، أكد أمين عام مجمع البحوث الإسلامية محيى الدين عفيفى لـ«الشروق»، أن عمل الوعاظ جزء كبير منه يتم بالتنسيق مع وزارة الأوقاف، وأن ما ينطبق على إمام الأوقاف يتم مع وعاظ مجمع البحوث الإسلامية، وأن موضوع الخطبة المكتوبة وتطبيقها وصياغتها أمر منوط به وزارة الأوقاف، لافتا إلى أن عمل الوعاظ عمل ميدانى متعلق بالمساجد، وعن تطبيق القرار، قال: «دعنا لا نستبق الأحداث وننتظر حتى توضع الآليات وسبل التطبيق وبالتالى نحكم على الأمر فيما بعد».

وشدد أمين سر اللجنة الدينية بمجلس الشعب الدكتور عمر حمروش، على أهمية «الخطبة المكتوبة»، مؤكدا أنها ستقضى على بعض المظاهر السلبية، كالخروج عن مضمون الخطبة أو استغلالها لأغراض سياسية أو حزبية أو التحيز للفكر المتطرف.

وأضاف حمروش لـ«الشروق» أن «الإمام أحمد ابن حنبل كان يفضل الخطبة المكتوبة لأنها أضبط فى القول وأفضل للمستمع من ناحية الإجادة، وأناشد الأئمة التريث وعدم التسرع خاصة ونحن فى مرحلة التمهيد لهذا الأمر، ولم يصدر موعد لتطبيقه حتى الآن»، مشيرا إلى أن الدولة المصرية الآن تواجه تحديات داخلية والخارجية فى معركة البقاء والبناء وهو ما يستلزم وحدة الصف الوطنى.

وعن موقف كبار العلماء وأستاذة الجامعة واعتراضهم على هذا الأمر، تابع حمروش بقوله إنهم لا يضرهم ولا يقلل من شأنهم أن يتلقوا الخطبة مكتوبة، لأن خطباء الحرمين الشريفين يلقون خطبا مكتوبة وكذلك فى كثير من الدول العربية والإسلامية.

وحصلت «الشروق»، على نسخة من شكوى لعدد من أئمة المساجد يعترضون فيه على قرار الوزير، وجاء فى الشكوى التى وجهت للوزير «إننا نعترض اعتراضا كليا من حيث الشكل والمضمون على قرار معاليكم بتشكيل لجنة علمية لإعداد وصياغة موضوعات خطب الجمعة، مع الاستمرار فى توحيدها، وتعميمها مكتوبة والتخلى عن الخطبة الارتجالية واقتصارها عن الخطباء المتميزين فقط»، مؤكدين أن ضيوف الرحمن من الشعب المصرى لم يعتادوا على إلقاء أئمة المساجد خطبهم مقروءة من الورق، فحينما يلجأ إليها شيوخنا كبار السن الذين يصعب عليهم التركيز ينصرف عنهم المصلين.

وشدد الأئمة على الاختلاف الكبير، بين إلقاء خطبة مكتوبة فى الحرمين الشريفين والتى توجه للملايين وأخرى تلقى لعشرات داخل المساجد، مشددين على أن ذلك سيؤدى إلى فقدان الروح للداعية وتعطيل طاقات البحث والإبداع.

وأضافت الشكوى: «فالكثير من الائمة والخطباء سيعتمدون اعتمادا كليا على الورقة فلن يحفظوا حديثا ولن يراجعوا آية ولن يحفظوا بيتا من الشعر يستشهدون به على موضوعاتهم، فضلا عن أنه سيقتل روح التنافس بين العلماء فى الدراسة والاطلاع ويصبح الجميع سواسية ويكون المجد المجتهد مع غيره وهذا لا يليق بعلماء الأوقاف».

ووصف الأئمة القرار بـ«المهين»، و«قاتل الإبداع»، مختتمين شكواهم بالتأكيد على أنه يمحو شخصية الإمام ويضيع ما تبقى من كرامته وسط جمهوره، وأنه يساوى بين الإمام وعامل المسجد بعد ذلك، متسائلين عن كيفية تعامل وزارة الأوقاف مع الأئمة المكفوفين فى حالة تطبيق القرار.
ولم يكتف الأئمة بتقديم شكوى للوزير ضد الاقتراح بل إنهم دشنوا هاشتاجا على موقع التواصل الاجتماعى «تويتر» بعنوان «#لا_للخطبة_المكتوبة»، والذى انتشر بشكل كبير بين المعترضين على القرار وأئمة الأوقاف فى مختلف المحافظات.

ومن جهته قال عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية عبدالغنى هندى، إن المشكلة ليست فى الورقة المكتوبة، ولكنها فى نص الخطبة نفسها فإذا ظلت كما هى إنشائية كما فى السابق فهذا سيؤثر بالسلب على تجديد الخطاب الدينى، أما إذا كان نص الخطبة تم إعداده من خلال مراكز بحثية متخصصة فى الشئون الإسلامية ويقدم حلولا عملية لبعض المشكلات اليومية التى يتعرض لها المواطنين فهذا سيكون شيئا ايجابيا يصب فى الصالح العام.

وأشار هندى فى تصريحات لـ«الشروق»، إلى ضرورة تقديم وزارة الأوقاف خطة واضحة حول كيفية تطبيق هذا القرار، وأن تضم اللجنة العلمية التى شكلتها الوزارة لإعداد وصياغة موضوعات خطب الجمعة عددا من الأئمة وعلماء الأزهر المتميزين والمعروفين بوسطيتهم.

من ناحيته أكد رئيس القطاع الدينى بوزارة الأوقاف جابر طايع، لـ«الشروق»، أن تطبيق «الورقة الموحدة» سيكون عاملا هاما فى ضبط الخطاب الدينى، خصوصا بعد ظهور بعض الأفكار المتطرفة التى تدعو للتشدد الفترة الأخيرة، متابعا: «المواطن يذهب يوم الجمعة لأداء الصلاة فى المقام الأول ثم متابعة خطبة الجمعة، وأداء الخطبة من خلال ورقة مكتوبة لا يضر المواطن فى شىء بل يجعل الخطيب ملتزما بتعليمات الوزارة والموضوعات المحددة».

وردا على المعترضين على الخطبة الموحدة، قال: «الدعوة إلى الله ــ عز وجل ــ ليست محصورة فى خطبة الجمعة، ولكنها جزء من ألف جزء فى الدعوة إلى الله»، مضيفا أن الغاضبون يريدون صنع نجومية زائفة كنجوم الشباك، وليس لدينا من أئمة الأوقاف من يعترض، ولكنهم يريدون أن تفهم لماذا أقدمت وزارة الأوقاف على هذه الخطوة، وما آلية تنفيذ ذلك؟.

وتابع وكيل وزارة الأوقاف، أن أئمة المساجد لديهم الدروس الدينية من السبت إلى الخميس فى الفترة ما بين صلاة المغرب والعشاء، وللإمام الحق أن يرتجل فى تلك الدروس كيفما شاء وأن يقول فى درس العلم ما شاء له، فضلا عن أن كل يوم خميس داخل المساجد هناك أمسية دينية، أما خطبة الجمعة فهى لإدارة وزارة الأوقاف»، قائلا: «سيبهالى دى بتاعتى أنا بقى.. وكلها 10 دقائق».

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved