حكايا من الشمال والجنوب.. الكتابة كوسيلة عبور إلى النفس والجمهور

آخر تحديث: الجمعة 15 يناير 2021 - 2:24 م بتوقيت القاهرة

الشيماء أحمد فاروق:

مع زيادة الضغوط والصدمات النفسية التي يعاني منها كثيرين في المجتمعات المختلفة، تظهر سبل متنوعة لمواجهة هذه المشاعر والتغلب عليها، ومنها الكتابة، كفعل يكشف ما في داخل النفس البشرية ويعمل على إزاحة كومات الضباب المتراكمة داخلها، وذلك ما تسعى له كثير من مؤسسات الدعم النفسي وورش الحكي.

وهذه التجربة في مصر يوجد نماذج كثيرة تطرحها، لمساعدة الآخرين على الحكي والإندماج والتواصل، ومن بينهم ورشة ونس الحكايات، التي أسست عام 2017، بمجهود من زهراء عبدالله، وأنتجت الورشة في الفترة الماضية، كتاب سيصدر حديثاً، تحت عنوان "حكايا من الشمال والجنوب"، ويضم 38 قصة قصيرة، لـ20 كاتب وكاتبة، وكل منهم لديه قصتين في المجموعة.

من صعيد مصر، جاءت زهرة إلى القاهرة بعد تخرجها من كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية، وعملت في ميسرة ورش حكي في مشروع "بصي"، وتعمل في مجال الدعم النفسي منذ عام 2013، وتقوم على إقامة مجموعات مساندة/ دعم نفسي، وفي عام 2017 بدأت مشروعها ورش ونس الحكايات للكتابة الإبداعية.

تقول زهرة لـ"الشروق": "تفاجئت بالنصوص اللي طالعة من المشاركين وبعد سنتين من الشغل مع المبتدئين والمحبين للكتابة والمتخصصين، فكرت ليه منشتغلش على النصوص ونضمها في كتاب واحد ونشارك الناس تجاربنا"، ومنها كانت الفكرة.

وأكملت: "بدأنا العمل في مستوى تاني من الورشة، للتدريب على كتابة أفكار مختلفة وتطوير الأسلوب وكل شخص كتب نصوص كتير، وتم اختيار اتنين لكل واحد منهم وقمنا بتجميعها ومراجعتها".

الهدف الأساسي من هذه الورش هو التركيز على الكتابة كنوع من أنواع الحديث مع الذات، وهو ما تشير إليه زهرة في قولها: "يمكن استشعار هذه المشاعر في كل نص من النصوص اللي اشتغلنا عليها، فكانت متنوعة كسرد تجارب علاج نفسي وسفر وتجسيد لمعاني الخوف والمحبة والصراع الداخلي".

والورشة لا زالت مستمرة، وهي تركز على كتابة القصة القصيرة ويوجد تفكير أن يستمر المشروع، ويكون في صورة سنوية دائمة، بأن تنتج مجموعة قصصية للمشاركين، والفكرة الأهم هو رصد الرحلة الذاتية للكاتب نفسه وخلق سبل تواصل بين الكاتب والجمهور ومشاركته في هذه الرحلة من خلال المجموعة.

ومن القصص التي تضمها صفحات المجموعة "ثورة جسد" لجون مجدي، و"لا تستمتع لصوتك الداخلي ليلاً" لسارة جاد، و"الكابوس الأبيض" لأحمد وصفي، و"روح معلقة" لنهى سعيد، و"ألم الأمل" لشيماء ورداني، و"على باب العناية المركزة" لمي يسري، و"لاجئة" لزهرة عبدالله.

ويهتم القائمون على الورشة بالتواصل مع الجمهور منذ بدايتهم لذلك كانوا يذيعون تسجيلات لبعض القصص عبر تطبيق الساوندكلاود، وإقامة أمسيات قصصية ومشاركة القصص الناتجة عن الورشة، وكنوع من التطور في التواصل قرروا في يونيو 2019 العمل على نشر كتاب يضم القصص المكتوبة لتوثيق التجربة.

تقول زهرة: "التمارين لها بعد نفسي لأني أؤمن أن الكتابة فعل كاشف، ولها قوة كبيرة في إخراج ما يدور داخل النفس البشرية ومحبوس لسنوات"، كما أن فترة الحظر وانتشار وباء كورونا، دفعتها للتفكير في أهمية الكتابة بصورة أكبر وتوظيف الأمر لمساعدة الآخرين، لذلك نظمت ورشة الكتابة للتعافي، وكان هدفها الأساسي التواصل مع الذات والمشاعر والأفكار لكل شخص مشارك، مثل كتابة رسائل امتنان لذواتهم وفكرة شجرة الدعم الذاتي للتعامل معها أثناء الشعور بالضغط، ويوجد طبيب نفسي للإشراف على هذه الأنشطة.

- الكتابة التعبيرية.. جسر للتخفيف عن النفس

الكتابة هي أداة علاجية يمكن استخدامها للتعامل مع مجموعة متنوعة من مشاكل الصحة العقلية، مثل القلق والاكتئاب والصدمات، ودمج بعض المتخصصين عدد من نظريات الإرشاد، مثل العلاج السردي في تقنياتهم العلاجية، لذلك ينصح بها خاصة بعد تعرض الشخص لصدمة في حياته.

يقول باتيك نورفال، مدرس الكتابة الاحترافية ومستشار اتصالات في جامعة "آر إم آي تي"، وهي جامعة بحثية في أستراليا، إنه تم توثيق الفوائد الصحية للكتابة عن الصدمة، واصفا إياها بـ"الجيدة"، وتشير الأبحاث إلى أن الكتابة عن الصدمات يمكن أن تكون مفيدة لأنها تساعد الناس على إعادة تقييم تجاربهم من خلال النظر إليها من وجهات نظر مختلفة، حسبما جاء في تقرير بموقع "ذا كونفيرزيشن" الأسترالي.

وأدت أبحاث الدكتور جيمس دبليو بينيباكر، رئيس قسم علم النفس في جامعة تكساس إلى فهم بعض الأمور المرتبطة بالكتابة، عند الكتابة عن الأحداث الصادمة يمكن أن يساعد ذلك في تخفيف الضغط العاطفي للتجارب السلبية، لكن الكتابة عن الصدمة ليست علاجًا شاملاً وقد تكون أقل فاعلية إذا كان الناس يعانون أيضًا من تحديات الصحة العقلية المستمرة، مثل الاكتئاب أو اضطراب ما بعد الصدمة.

ويؤكد الباحث والطبيب بيسيل فان دير كولك في كتابه "الجسم يحافظ على النتيجة"، أن الصدمة هي أكثر من مجرد ذاكرة مخزنة يتم محوها، بل إنها مؤثر قوي يخضع له عقلنا بالكامل وذواتنا وإحساسنا يمكن أن يتغير استجابة للصدمة، لأن الشعور بالألم معقد للغاية.

وأشار نورفال إلى أن الكتابة ربما ليست العلاج الوحيد أو الأدق أحياناً، ولكن إذا تمت إدارتها بشكل صحيح ربما يكون لها نتيجة جيدة، فإن مشاركة القصص حول المعاناة الشخصية يمكن أن تكون تجربة تعليمية ذات قيمة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved