من أجل زيكو.. بين الصدفة والاقتباس من فيلم little miss sunshine

آخر تحديث: السبت 15 يناير 2022 - 2:03 م بتوقيت القاهرة

الشيماء أحمد فاروق

منذ بداية العام الجديد وبدأ عرض عدد من الأفلام المصرية في السينمات المختلفة، ومن بين هذه الأفلام "من أجل زيكو"، الذي طُرح في 5 يناير الجاري، وقد حققت إحدى أغنيات الفيلم "الغزالة رايقة" انتشارا واسعا، بلغت نسب مشاهدتها 46 مليونا حتى الآن على يوتيوب، مما ساعد على الترويج للعمل نفسه قبل بداية عرضه واستمرار سماع الأغنية زاد من فضول المشاهد لرؤية أحداث العمل الذي تقوم ببطولته منة شلبي وكريم محمود عبدالعزيز ومحمود حافظ ومحمد محمود، ومن إخراج بيتر ميمي وتأليف مصطفى حمدي.

• من أجل زيكو.. رحلة قائمة على الصدفة

تدور أحداث الفيلم حول عائلة بائسة جدا، كما يصفها أحد أبطال العمل طول العمل، يسكن الزوج والزوجة والابن، ووالد الزوج المصاب بمرض ألزهايمر والأخ، في نفس المنزل فوق أسطح إحدى العمارات في منطقة شعبية، ويعمل الزوج –كريم محمود عبدالعزيز- سائق عربة لتكريم الإنسان، والزوجة –منة شلبي- غير متعلمة وتكسب رزقها من صناعة الطعام وبيعه، تقع صدفة لهذه العائلة قائمة على فكرة تشابه الأسماء، حيث يتشابه اسم ابنهم زكريا مع طالب آخر ضمن مسابقة أذكى طفل في مصر.

تبتهج الأسرة بالخبر ولكنهم لا يمتلكون المال الكافي للسفر إلى واحة سيوة للانضمام إلى المسابقة، لكن الوالدان يحاولان حل الأزمة رغم فقرهم الشديد والسفر بسيارة نقل الموتى، وأثناء تلك الرحلة تحدث أيضاً بعض الصدف المختلفة لهم لتجمعهم بشخصيات أخرى.

المرة الأولى صدفة تجمعهم بأم أحد الأطفال المشاركين في المسابقة، وهي من طبقة ثرية، والثانية تجمعهم بفتاة تحتاج مساعدة لأنها تعرضت لحادث بسيط على الطريق أثناء ذهابها لحفلة تنكرية، ومقابل ذلك يبرز المخرج أنها منحتهم بعض الأموال، ورغم هذا المشهد يتحدث الأبطال فيما بعد عن عدم امتلاكهم مال كافي لإكمال الطريق إلى الفندق في سيوة، ومن الصدف الأخرى تلتقي العائلة أثناء سيرهم بمجموعة من الباحثين، ثم عصابة لسرقة السيارات، ومن خلال هذه اللقاءات يحاول السيناريست والمخرج إبراز فروق اجتماعية بين العائلة البسيطة وعائلة الطالب الآخر، أو الحياة المختلفة التي تعيشها الأسرة مقارنة بأصحاب الحفلة التنكرية، وتعاطي رئيس العصابة مع فقرهم، وأخيراً الصدفة التي تجعل مايسترو الفرقة يعجب بصوت الطفل في مسابقة علمية ويقرر الاستمرار في العزف رغم رفض القائمين على المسابقة، وهكذا يقوم العمل من البداية للنهاية على فكر الصدفة.

الحبكة في العمل الدرامي هي الإطار العام للحدث، وهذا الإطار العام ينبغي أن يتضمن الشخصيات الأساسية في المواقف المختلفة، وداخل الحبكة تسير الأحداث باتجاه التعقيد من خلال قيام الشخصيات الرئيسية بأعمال معينة، تؤدي لخلق سلسلة من المواقف، وتوصف الحبكة الدرامية بالضعف عندما يلجأ الكاتب للصدفة، فالمشاهد لا يحب الحبكة المفتعلة أو غير الحقيقية لأنها تؤدي إلى فشل القصة كلها، وفق ما جاء في كتاب "السيناريو" للدكتور رفعت عارف الضبع، وبناء على ذلك فإن نقطة التحول الرئيسية في العمل تقوم على الصدفة، وتعرف هذه النقطة بأنها الحدث الذي يؤثر بشدة على القصة وتثري الإحساس الدرامي للقصة، وهو ما أكده عكاشة محمد صالح في كتابة "فن كتابة السيناريو"، حيث يقول "يجب أن تتميز مواضع الحبكة بالصدق بالنسبة لعالم النص وألا تأتي عن طريق الصدفة".

واعتبر أرسطو الحبكة أعظم الأجزاء الكيفية أهمية في بناء الدراما مما تفعله الشخصيات وما تفكر فيه وما تشعر به وعلى هذا يمكن القول إن مادة الحبكة هي الشخصية ومادة الشخصية هي الفكر، بحسب ما ورد في كتاب "فن الشعر" لأرسطو، ترجمة الدكتور إبراهيم حمادة، وعندما يعتمد بناء الحبكة على عدم المنطقية والمصادفة يضعف القصة ككل.

• إلى جانب الصدفة.. فيلم أمريكي يلوح في الأفق

إذا نحينا الصدفة جانباً، وتحدثنا عن التشابه بين الفيلم وفيلم آخر أمريكي من إنتاج عام 2006، وهو little miss sunshine، وقد تداول عدد كبير من مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي صورا وكادرات وأيضا صورة البوستر الخاصة بالفيلم ومقارنتها بالفيلم المصري "من أجل زيكو".

الفيلم الأمريكي من تأليف مايكل أرندت وإخراج فاليري فيرس، جوناثان دايتون، وبطولة أبيجيل بريسلين، جريج كينيار، ستيف كاريل، بول دانو، توني كوليت، وقد حصدت عدة جوائز عند عرضه، الأوسكار عن أفضل كتابة –سيناريو أصلي- وجائزة سيزر لأفضل فيلم أجنبي.

تدور أحداث الفيلم عن أب يلقي محاضرات في النجاح لديه زوجة وابن وطفلة، وأخ الزوجة يخرج من مصحة نفسية بعد محاولته الانتحار ووالد الزوج مدمن مخدرات ويعشق مغازلة النساء، والابن يعاني من مشكلة في الكلام وانطوائي، يعيشون جميعاً في منزل واحد، تترشح ابنتهم أوليف لمسابقة ملكة جمال الأطفال في ولاية أخرى وتتخذ الزوجة قرار بسفر العائلة لمساندة الطفلة رغم ظروفهم المادية غير المستقرة، ويستخدمون سيارة فولكس صغيرة للسفر نظراً لتعثرهم مادياً، وتعتبر رحلتهم هذه طريق لإصلاح المشاكل الكثيرة بينهم كأسرة واحدة.

لم يذكر الفيلم المصري في بدايته أنه مقتبس أو نسخة مُمصرة للفيلم الأمريكي، رغم تشابه الأحداث بدرجة كبيرة، نحن لدينا أسرتين يتجهون لمدينة أخرى لكي يساعدوا طفلهم/ طفلتهم للمشاركة في مسابقة رغم مرورهم بظروف مادية صعبة، ولم يتوقف التشابه عند هذا الحد بل انتقل إلى سمات الشخصيات والأحداث والكادرات أيضاً.

يعاني الزوجان من مشاكل في علاقتهما في كلا العملين، وتستمر الخلافات طول رحلتهم أيضاً، يعيش الجد في المنزل مع الزوج والزوجة، وهو رجل يحب النساء ويعشق مغازلتهن، وبينما يحلم أحد أفراد الأسرة في الفيلم المصري أن يصبح مطرباً، يحلم الآخر في الفيلم الأمريكي أن يصبح طياراً، أما عربة الموتى التي تستقلها العائلة المصرية، تقابلها وافة الجد في الفيلم الأمريكي في منتصف الرحلة، واضطرارهم لاستكمال الطريق بجثته معهم في السيارة، وكما تكمل الأسرة الأمريكية رحلتها دون أحد أفرادها، يحدث نفس الأمر في الفيلم المصري، لأن الشرطة تلقي القبض على أحدهم بتهمة سرقة السيارة.

أما ما يتعلق بالطفل/ الطفلة والأم في كل العملين، نجد أن الطفلين كلاهما غير مناسب للمسابقة التي سوف ينضم لها، الطفل الأول ذكاءه محدود، والطفلة لا تتطابق صفاتها مع صفات الفتيات المشاركات للحصول على لقب، ونلاحظ تغير شخصية الأم في كلا الحالتين من خلال محاولتها توجيه الطفل/ الطفلة للصفات التي يجب أن يكونوا عليها لكي يستطيعوا النجاح في المسابقة.

كما أن الفيلم لم يترك التفاصيل الصغيرة في الفيلم الأمريكي، مثل مشهد الشرطي في رحلة العائلتين، مع اختلاف السبب، وكما تصادف العائلة الأمريكية أحد أولياء أمر المتسابقين ويعامل الأسرة بازدراء في البداية، ثم يتغير موقفه في النهاية ويشجع أوليف عندما ترقص، يحدث نفس الأمر مع العائلة المصرية، حيث تلتقي بوالدة متسابق في بداية العمل وتعاملهم باحتقار يتبدل موقفها في النهاية وتدافع عن زيكو "زكريا" وتشجعه على الغناء.

ذكرت في السطور السابقة، أن كلا العائلتين تضم كثير من الخلافات فيما بينها، وبناء على هذه التفصيلة، تتشاجر العائلة الأمريكية فيما بينها وأثناء حديثهم لا يتذكرون ابنتهم ويتركونها في الاستراحة ثم يعودوا لها بعد التحرك بضع كيلو مترات، أما العائلة المصرية أثناء شجارهم يعتقدون أنهم لم يتذكروا الجد -المصاب بألزهايمر- ويعدوا إلى محطة البنزين للبحث عنه.

أما أفيش الفيلم المصري فهو يتكون من ذات العناصر التي يشملها الأفيش الأمريكي، وهم أفراد العائلة بالإضافة إلى السيارة التي استقلتها كلا العائلتين في طريقهم للمسابقة، فهي جزء رئيسي من الأحداث، وتوظيف الألوان الجذابة للعين والقوية مثل الأصفر والأحمر.

ويعرف الاقتباس أنه تناول معالجة سينمائية عن رواية أو عمل آخر، ويتم فيه نقل العمل إلى نسخة جديدة منه، وإعادة تقديمها مرة أخرى، سواء تم ذكر اسم المصدر الأصلي أم لم يتم ذكره، وهناك تسمية أخرى ترجع إلى اسم البلد المُقتَبِس كأن نقول تمصير أو أمركة أو فرنسة، ومعناه صبغ القصة الأصلية بالصبغة القومية وجعلها تدور في أجواء أقرب إلى المجتمع الذي اقتبس هذه القصة، وفق ما ورد في كتاب "الاقتباس المصادر الأجنبية في السينما المصرية" للناقد محمود قاسم، ويضيف أن الأفلام المقتبسة غالباً في مصر تكون سمتها التمصير أي نقل كل البيئات إلى بيئتها.

وبينما كان الفيلم المصري يعتمد على فكرة الطريق للقاء شخصيات مختلفة ومواقف بمحض الصدفة لمشاهدة طبقات مختلفة من المجتمع لكي تكون هذه الصدف سبيل لتغيير أفكارهم، كان الفيلم الأمريكي حريص على الوصول لأفكار جديدة لأبطاله نابع من المواقف الحقيقية التي تحدث بصورة منطقية وفق إطار الأحداث، لأنه لا يقوم على الصدفة في المسابقة بل حقيقتها لنقد المجتمع الأمريكي الذي يهتم بتسليع النساء في صورة نمطية وحتى الأطفال تحت مظلة لقب "ملكة الجمال".

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved