كيف يكون معرض القاهرة للكتاب هو الأهم عربيًا فعلًا وليس مجرد كلام؟

آخر تحديث: السبت 15 فبراير 2020 - 9:32 ص بتوقيت القاهرة

 سامح سامى:

إيجابيات: حسن التنظيم وتقليل التفتيش.. ونقاط تحتاج إلى تحسين: تقسيم أفضل لأجنحة دور النشر
مرت أيام على ختام الدورة الـ51 من معرض القاهرة للكتاب، وهى الدورة الثانية التى تعقد فى مقره الجديد بأرض المعارض الدولية بالتجمع الخامس، وعلى الرغم من إشادة البعض بالاقبال الكبير من الجمهور فإن هناك بعض الأمور التى تتطلب تحسينا لكى يزداد المعرض نجاحا وتألقا، حيث طالب الناشرون والجمهور بتلافى تلك الأمور فى الدورات المقبلة، مقدمين نقاطاواضحة لتحسين المعرض الذى يعد الأهم فى المنطقة العربية، وحتى يكون هدفه الأساسى والرئيسى هو القارئ والكاتب وتشجيع القراءة.
أجمع كثيرون على الشكل الحضارى للمعرض مقارنة بالدورات السابقة، واعتبره البعض «نقلة حضارية»، وحدثا مهما للقراءة والثقافة فى مصر، ومناسبة جيدة للاطلاع على جميع أنواع الكتب والعديد من المؤلفين والناشرين المصريين والعرب، وذلك وسط إشادة من الجمهور والناشرين من أن التنظيم هذه الدورة أفضل من الدورة السابقة، حيث تم حل بعض سلبيات العام الماضى مثل إجراءات التفتيش المتكررة على البوابات الخارجية والداخلية، فاقتصر التفتيش هذا العام على مرة واحدة فقط، كما أشادوا بتفاعل صفحة المعرض الرسمية، وكذلك النشرة الرسمية للمعرض ووجود ترجمة للغة الإشارة التى تساعد ضعاف السمع والبكم. لكن أشاروا إلى عدة سلبيات طالبوا بتلافيها وضرورة إيجاد حل لها مستقبلا، مثل عدم وجود شبكة اتصالات قوية داخل صالات دور النشر، وكذلك داخل قاعة الندوات، حيث تنعدم الشبكة، فلا يستطيع أى شخص إجراء اتصال تليفونى، وبالتالى كان هناك مشكلة فى الاتصال بالانترنت، وهو ما أدى أيضا إلى تعطل عمل «الفيزا» التى تساعد بعض الناشرين فى مسألة بيع الكتب، مما يضطر القراء إلى السحب الفورى من «مكن» البنوك، كما أن المعرض لا يوجد به إلا مكنتان فقط للسحب، وتعانيان زحاما شديدا، وهو ما يجعل القارئ يفقد الأمل فى شراء الكتب، وبالتالى خسارة للناشر.
تقسيم صالات أجنحة دور النشر كان بها مشكلة، فهى صالة طويلة لكنها ذات ممرات ضيقة، فأدت إلى عدم عرض الكتب بشكل جيد، فضلا عن وجود حالات كثيرة من ضيق التنفس والاحتكاكات بين الجمهور، وهذا كله يضاف إليه وجود دور النشر الحكومية فى صالة 2 مع دور النشر الأخرى، وهو ما يؤثر على حركة البيع والشراء. وعلى الرغم من الزحام الشديد على أنشطة الطفل التفاعلية فإنها لم تكن منظمة بالشكل الكافى. ومن النقاط الأخرى التى تحتاج إلى تحسين أماكن «الجراچات» حيث إنها بعيدة وممتلئة فى أغلب الأوقات، ولا توجد مساحات لـ«ركن السيارات»، فضلا عن عدم وجود سيارات إسعاف مجهزة، وسيارات الإسعاف الموجودة يقتصر دورها فقط فى نقل أى مصاب من مكان المعرض إلى أقرب مستشفى، فلا يوجد بها أبسط أدوات الإسعافات الأولية من «قطن وشاش».
أما السؤال الملح فيدور حول جدوى وجود سفراء لمعرض الكتاب، فما دورهم؟ وماذا فعلوا فى حركة القراءة؟ وماذا فعلوا لتشجيع القراءة أو تفاعلهم مع الجمهور، والأمر نفسه يدور حول جدوى أو أهمية البرنامج الثقافى الذى يمتلئ بكم هائل من الندوات، التى تقام فى التوقيت نفسه، ولأسماء غير موجودة فى مصر، وكأن الغرض من البرنامج أن يكون مملوءا بندوات كثيرة بدون جمهور أو تفاعل. كل هذا يأتى فى عدم وجود أماكن ملائمة للاستراحة، وغلق أبواب المعرض فى السابعة مساء، وهو ما منع كثيرين من الحضور.
ما قاله الناشرون والكتاب عن ضيق المساحات الخاصة بالممرات، أكده كثير من الجمهور، إذ قالت داليا عماد: «كنت أجد صعوبة فى الانتظار أمام الأرفف لقراءة عناوين الكتب، والاختيار من بينها، خاصة أننى أدفع أمامى عربة طفلى، وفى الأغلب كنت أضطر أن أمر بشكل سريع لا يمنحنى الفرصة للتمهل قبل الشراء، لأننى لم أجد مكانا لى أو لعربته، وكى لا أتسبب فى زحام لغيرى من الرواد، كنت أنطلق مبتعدة، وهو ما أفقدنى متعة التجول داخل أروقة المعرض كما حلمت بها قبل الزيارة».
شكوى أخرى نقلها لنا بعض الناشرين، حيث فوجئوا بعدم إقامة حفلات توقيع داخل الأجنحة، على الرغم من أن حفلات التوقيع أمر لابد منه، لما يخلق حالة من النشاط فى الجناح بشكل عام، وتساءلوا ما السبب وراء منع حفلات التوقيع فى الأجنحة.
وحول هذه الدورة، أوضحوا أنه من مميزاتها وجود خريطة واضحة للأجنحة موزعة فى كل مكان وعلى الواجهات الزجاجية كإعلانات، فانعكس ذلك على سهولة الوصول إلى دور النشر المختلفة، فضلا تحسن قاعات الندوات عن العام الماضى، حيث تم تزويدها بميكروفونات عديدة تسمح للمشاركين بالتفاعل أكثر، لكن يعيبها سوء شبكات التليفون المحمول والانترنت داخلها مما يعوق عمل الصحفيين أو القيام بالتغطية اللازمة على أكمل وجه.
وأشاروا إلى اختفاء أزمة الطوابير على أبواب القاعات بعد إلغاء التفتيش عليها والاكتفاء بالتفتيش على أبواب سور مركز مصر للمعارض الدولية فقط، وكانت الطوابير فقط على منافذ بيع تذاكر الدخول، لكن الدخول نفسه كان سهلا والتفتيش بسيطا، كذلك استمرار توفير مواصلات وخطوط ثابتة لمكان المعرض الجديد، لكنها غير ملتزمة بالجدول الزمنى المعلن بتوفير أتوبيس كل عشر دقائق من أماكن الانطلاق، ومن الأمور الإيجابية أيضا توفير مساحة خاصة للأطفال مجهزة بألعاب ووجود فقرات فنية وموسيقية حية فى الساحات الخارجية للقاعات، كما أن الدخول والخروج من القاعات كان يسيرا وسهلا خاصة مع السماح باستخدام أبواب الطوارئ الجانبية للدخول والخروج بحرية تامة. الأماكن المخصصة لحفلات التوقيع خارج القاعات تحسنت إلى حد ما كتصميم، إلا أنها ما تزال فى أماكن متفرقة فى أنحاء البلازا، وبها مائدة ومقعد وستاند لوضع الكتب فقط.
لكن الأمر الذى يطرح نفسه بقوة كان حول المشاركة العربية فى تلك الدورة.. يذكر أنه عند انتهاء الدورة السابقة عام 2019 أعلن محمد رشاد رئيس اتحاد الناشرين العرب أن هناك أكثر من ٣٥٠ ناشرا عربيا قرروا المشاركة فى الدورة المقبلة (يقصد دورة 2020) من معرض القاهرة للكتاب، بعد انبهارهم بالشكل الجديد للمعرض، أثناء وجودهم فى انتخابات الاتحاد السنوية، وطالب رشاد وقتها بزيادة صالات دور النشر قائلا: «هناك مشكلة سوف تواجهنا العام المقبل، فقد كان لدينا نحو ١٧٠ ناشرا عربيا مشاركا، والعام المقبل لدينا أكثر من 350 ناشرا يودون المشاركة».
لكن نظرة على المشاركة العربية فى الدورة الحالية، تخبرنا أن هناك معوقات كثيرة حالت دون المشاركة القوية أو المأمولة، وفى حين نردد أن معرض القاهرة هو الأكبر فى المنطقة. لكن لفظ الأكبر يتحقق حينما يشارك الناشرون العرب فيه، وليس بوجود ناشرين مصريين فقط. وقد علمنا أن محمد رشاد حاول مرارا التفاوض لتقليل المقابل المادى لتأجير الأجنحة للناشرين العرب، الذى يصل إلى نحو 3 آلاف و500 جنيه للمتر الواحد. لكنه لم يستطع!.
مسألة زيادة صالات دور النشر كان التحدى الأكبر، والذى لم يجد الناشرون له حلا، فقد اشتكى بعض الناشرين من المساحة الضيقة لصالة دور النشر التى لا تستوعب عرض كل إصدارات دار النشر، خاصة إذا كانت دار نشر كبيرة ولديها مئات من الإصدارات الجديدة والقديمة، يأتى هذا وسط تخصيص مساحات كبيرة لدور نشر صغيرة أو مبتدئة لا تحتاح إلى مساحات كبيرة فى عروض إصداراتها القليلة بطبيعة الحال.
تعليق آخر قاله بعض الناشرين ــ الذى ربما لا يوافق هوى بعض القراء ــ إلا أنها شكوى لابد من إيجاد حل لها، خاصة أنها تأتى من متخصصين فى صناعة النشر، وعلى إدراك كامل بكيفية إقامة عروض الكتب فى العالم، وتخص وجود مكتبات سور الأزبكية داخل المعرض، حيث إن وجود كتبهم يفقد الكتب الأخرى شكلها الجمالى وعن صناعة نشر الكتب بشكل عام، هذا فضلا عن خطر بيع كتب مزورة.
زيادة سعر تذكرة الدخول من جنيه إلى 5 جنيهات أمر يحتاج إلى مراجعة القائمين على ذلك الأمر، وعلى الرغم من قولنا إن هناك إقبالا كثيفا على حضور تلك الدورة فإن هذا لا يمنع من القول إنها أقل من الدورة السابقة، ولا يمنع تدعيم هذا الحدث الثقافى الكبير عبر أمور تساعد الجمهور على الذهاب والإياب براحة شديدة، وتوفير وسائل مواصلات لهم.. للأسف ما حدث الدورة السابقة لم ندعمه ونطوره فى الدورة الحالية.
النقطة المثيرة للجدل دوما هى مسألة الناشر الحكومى والناشر الخاص، وتوفير كتب أرخص حينما يدخل الناشر الحكومى طرفا فيها. هى مسألة تحتاج إلى حسم ما دور وزارة الثقافة وهيئاتها المختلفة فى دعم صناعة النشر وحركة القراءة؟ هل دورها يقتصر إلى طباعة ونشر كتب بشكل رخيص؟ على الرغم من أن ما يتصوره أنه «كتاب رخيص»، وهم؛ لأن الكتاب (الرخيص) الذى تطبعه هيئة الكتاب أو قصور الثقافة، هو من مال الضرائب الذى ندفعه كلنا. هناك طلبات كثيرة قالها مفكرون وكتاب وناشرون حول دعم وزارة الثقافة لصناعة النشر، يتلخص معظمها فى دعم الصناعة نفسها، عبر قوانين مشددة لمنع تزوير الكتب التى تهدد سوق النشر بالكامل، وتضعف القوى الناعمة لمصر، فضلا عن دعم الصناعة نفسها فى تقليل الجمارك أو أى مصروفات وضرائب تخص الورق والأحبار، بجانب دور الوزارة الأساسى فى تشجيع القراءة والتوسع فى المكتبات العامة، وتشجيع حركة الترجمة من العربية إلى اللغات الأخرى والعكس، وغيرها من الأنشطة البعيدة عن وصفها جهة لنشر الكتب والمنافسة مع دور النشر الخاصة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved