حلول لأزمة مياه مصر المفقودة.. 3 مليارات متر مكعب ضاعت بين وصلات مخالفة وشبكات متهالكة

آخر تحديث: الثلاثاء 15 فبراير 2022 - 9:58 م بتوقيت القاهرة

محمد علاء

وزير الإسكان لـ«الشروق»: حملات مكثفة لضبط الوصلات المخالفة والتوسع في تركيب العدادات لخفض الفاقد
تراجع نصيب الفرد من مياه الشرب إلى 110.1 متر مكعب
«القابضة للمياه»: نسبة الفاقد تراوحت بين 43.3% في شمال سيناء و19.5% بالدقهلية
تركيب 607 آلاف عداد من إجمالي 2.5 مليون مستهدف بحلول 2024
نائب رئيس القابضة للمياه: 15 مليار جنيه استثمارات مطلوبة لإحلال شبكات بطول 27 ألف كيلومتر.. ونستهدف تقليل الفاقد تدريجيًا
خبير ألماني يعرض عبر «الشروق» تجربة لإحلال وتجديد الشبكات دون فكها أو تكسير الطرق: تخفض التكلفة وتختصر الوقت
أبو زيد: العدادات مسبقة الدفع تقلل كمية المياه غير المحاسب عليها وتحفز الناس على الترشيد
قرابة 3 من كل 10 أكواب مياه نقية تنتجها محطات الشرب في مصر تتعرض للفقْد؛ فبحسب النشرة السنوية لإحصاءات المياه النقية والصرف الصحي، الصادرة في يونيو 2021، فقدت مصر 28.4% من إجمالي المياه المنتجة، بما يزد قليلا على 3 مليارات متر مكعب.

ويستخدم قطاع الشرب 11.5 مليار متر مكعب من مواردنا المائية الفقيرة؛ حيث تؤكد وزارة الري أن مصر انتقلت إلى مرحلة الندرة المائية.

«الشروق» تتبعت رحلة إنتاج وتوزيع مياه الشرب؛ للوصول إلى أسباب فقدان المياه، واستبيان مدى كفاية الحلول التي تتبعها الجهات المعنية، والبحث عن بدائل غير تقليدية للنزول بالفاقد، في ظل الاستثمارات الضخمة التي تنفقها الدولة لترشيد الاستهلاك وتعظيم الاستفادة من مواردنا المائية.

من ينتج مياه الشرب؟

أنتجت مصر 11 مليار متر مكعب من مياه الشرب النقية عبر 2733 محطة، في عام 2019/ 2020.
وتمتلك الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي (التابعة لوزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية) 2690 محطة على مستوى الجمهورية، أنتجت 8.9 مليار متر مكعب، بما يناهز 81% من كمية المياه المنتجة.
وتنتج هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة نحو 18% من مياه الشرب بما يزد قليلا على ملياري متر مكعب من خلال 39 محطة.


كما تمتلك هيئة قناة السويس 4 محطات تنتج 92.3 مليون متر مكعب سنويا من المياه النقية، دون 1% من كمية المياه المنتجة، وذلك في بعض مناطق محافظات القناة (السويس، والإسماعيلية، وبورسعيد).
ويشكل نهر النيل المصدر الأساسي لمياه الشرب؛ حيث أنتجت مصر 9.8 مليار متر مكعب في عام 2019/ 2020 من خلال 1110 محطات نيلية، كما أنتجت 1.1 مليار متر مكعب من مياه الآبار الجوفية خلال 1580 محطة، و0.1 مليار متر مكعب من مياه البحر المحلاة عن طريق 52 محطة.

وبلغ نصيب الفرد من مياه الشرب النقية في مصر 110.1 متر مكعب في عام 2019/ 2020 تراجعا من 113 مترا مكعبا في عام 2018/ 2019؛ مع انخفاض كمية المياه المنتجة 0.8% نتيجة "لبعض سياسات الترشيد بتشغيل المحطات بما لا يخل بمستوى الخدمة ولتقليل الفاقد في الشبكات"، بحسب النشرة السنوية لإحصاءات المياه النقية والصرف الصحي الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في يونيو 2021.

حجم الفاقد

بلغ فاقد مياه الشرب في عام 2019/ 2020 نسبة 28.4% تراجعا من 28.7% في العام 2018/ 2019، بحسب نشرة «المركزي للإحصاء»، التي استندت في قياس الفاقد إلى حساب فارق المياه المبيعة (التي تحصلت الجهة المعنية على مقابل عنها) من إجمالي المياه المنتجة عبر المحطات.


وفقدت محطات الشرب التابعة لهيئة قناة السويس 6.8 مليون متر مكعب بنسبة 7.4%؛ حيث أنتجت المحطات الأربع 92.3 مليون متر مكعب باعت منها 85.5 مليون متر مكعب.
وعلى مستوى المحطات التابعة لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، فإن كمية المياه المنتجة تعادل الكمية المبيعة، بإجمالي ملياري متر مكعب، بحسب نشرة «المركزي للإحصاء».
ووصل فاقد مياه محطات الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي إلى نحو 2.5 مليار متر مكعب، بنسبة 28.4%، حيث أنتجت 8.9 مليار متر مكعب فيما باعت 6.36 مليار متر مكعب.
ووفق بيانات حصلت عليها «الشروق» من الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي «المنتج الرئيسي لمياه الشرب»، فقد تراوحت نسبة الفاقد في المياه المنتجة بين 43.3% في محافظة شمال سيناء و19.5% في الدقهلية، وجاءت النسبة في القاهرة والجيزة 24.4% و33.7% على التوالي.

كيف تفقد مياه الشرب؟

الدكتور عاصم الجزار، وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، يشير إلى نوعين من فاقد مياه الشرب، الأول: فيزيائي، وهو ناتج عن الكسور وغسل الشبكات ومرشحات محطات مياه الشرب، بما يمثل 15% من إجمالي المياه المفقودة، وهي نسبة متعارف عليها عالميا. والآخر تجاري، وأبرز صوره: الوصلات المأخوذة خلسة والتعديات على شبكات المياه، النسبة المتبقية (بنسبة 13.4%).
وقال الجزار، في تصريحات لـ«الشروق»: إن وزارة الإسكان تستخدم أحدث الأجهزة للكشف عن تسرب المياه من الشبكات؛ لخفض الفاقد الفيزيائي، كما تكثِف من حملات الكشف عن الوصلات الخلسة، وتتوسع أيضا في تركيب العدادات مسبقة الدفع لتقليل الفاقد التجاري.


وبحسب تقرير سابق، فإن الشركة القابضة للمياه؛ ولتقليل الفاقد تعمل على تقسيم شبكات مياه الشرب إلى مناطق معزولة «DMA» محددة المداخل والمخارج، وتركيب أجهزة قياس التصرف والضغط وتحديد النسبة الفعلية من الفاقد الفيزيائي والتجاري بالشبكات.
واستهدفت الشركة 290 منطقة DMAs خلال 4 سنوات مضت بأطوال شبكات 5187 كم؛ فيما لفت التقرير إلى توفير نحو 33.5 مليون متر مكعب سنويا في المناطق المستهدفة.
كما تتجه الشركة حاليا إلى التوسع في تركيب أجهزة القياس للشبكات بعد تقسيمها إلى مناطق أوسع نطاقا DMZ لقياس كميات المياه المغذية للشبكات شهريا للحد من الفاقد بمعدلات أسرع.

تسرب المياه

تستهدف الشركة القابضة للمياه إحلال وتجديد شبكات المياه التي يزيد عمرها على 40 عاما، بإجمالي 27 ألف كيلومتر تقريبا، باستثمارات 15 مليار جنيه، بحسب نائب رئيس مجلس الإدارة، الدكتور أحمد معوض.
ونوه معوض بأن الدولة تخصص 1.5 إلى 2 مليار جنيه لأعمال الإحلال والتجديد سنويا، وفقا للمخطط العام «للشركة القابضة» الذي يشمل احتياجات القطاع كافة حتى عام ٢٠٣٧، ويحدَّث دوريا كل خمس سنوات.
وفي 4 مايو 2020، تقدم النائب إسماعيل نصر الدين، عضو لجنة الإسكان بمجلس النواب، بطلب إحاطة موجه إلى رئيس الوزراء ووزير الإسكان يدعو إلى إجراء حصر شامل لشبكات مياه الشرب والصرف الصحي كافة المتهالكة على مستوى الجمهورية، ومن ثم وضع آلية وفقا للاعتمادات المالية المخصصة لها لعمليات التطوير وفقا للحاجة الضرورية، على أن تكون هناك أولويات في التنفيذ؛ لتحسين مستوى الخدمة المقدمة للمواطنين المنتفعين بهذه الشبكات.

وأكد نصر الدين أن إحلال وتجديد شبكات المياه "يسهم بشكل كبير في تقليل نسبة الفاقد من مياه الشرب، بما يتماشى مع خطة الدولة لترشيد الاستهلاك وتعظيم الاستفادة من الموارد المائية، بالإضافة إلى رفع المعاناة عن المواطنين، خاصة أن عدم تجديد الشبكات المتهالكة يؤدي إلى انفجارها؛ مما يؤثر على الخدمة المقدمة".

وصلات مخالفة

في عام 2020/ 2021 تمكنت حملات شركات مياه الشرب من اكتشاف والتعامل مع 147 ألف وصلة خلسة/ مخالفة، وفق معوض.
وعن الإجراءات التي تتخذها الشركة عند اكتشاف وصلات خلسة، يوضح: بموجب الضبطية القضائية لشركات المياه يتم تصوير الوصلة الخلسة فور اكتشافها، ويحرَر محضرا بالواقعة، ثم تُقطع المياه عن العقار المتعدي على الشبكة، ويكون على المواطن التوجه إلى الشركة للتصالح وفقا لبنود اللائحة التجارية حيث يتم تركيب عداد كودي لا يعطي للمخالف أي صفة شرعية؛ وذلك لحين إحضار الموافقات الرسمية للتوصيل.
واستدرك: وفي حال عدم التقدم بطلب للتصالح، تتخذ الشركة المعنية الإجراءات القانونية نحو المخالفة.
وبدوره، قال أحمد رضا، مدير إدارة الإعلام فى الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي، لـ«الشروق»، إن حملات الكشف عن الوصلات الخلسة تضبط صورا لاستخدام المياه في غير أغراض الشرب أو الاستخدامات المنزلية عموما، ومنها واقعة لري مزروعات في محافظة مطروح.
ويحظر القانون رقم 27 لسنة 1978 إنشاء أو وضع تركيبات معدة لتوصيل المياه من أي مورد مائي عام إلا بعد الحصول على ترخيص بذلك من الجهة التي يعينها وزير الإسكان.
وتنص المادة 10 من القانون ذاته، على أنه يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنتين وبغرامة لا تزيد على مائتي جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعمد إلحاق الضرر بمصادر ومنشآت وشبكات المياه وتوصيلاتها أو جزء من أجزائها.
وإذا أدت هذه الجريمة إلى تعطيل المياه تكون العقوبة الحبس، وإذا كان الضرر نتيجة إهمال كانت العقوبة الغرامة التي لا تجاوز خمسين جنيها، مع إلزام المخالف بنفقات الإصلاح وإعادة الحالة إلى ما كانت عليه في الحالتين.
وفي أغسطس 2020، استصدرت الشركة القابضة المياه الشرب والصرف الصحي فتوى من دار الإفتاء المصرية تحرِّم شرعا عمل توصيلات المياه والصرف الصحي بصورة غير قانونية والتهرب من دفع رسومها.
وذكرت الفتوى ــ التي حملت رقم 15674 ــ أن في ذلك «من السرقة المحرمة وأكل أموال الناس بالباطل، والإضرار بالمصلحة العامة، وخرق النظام، وخيانة الأمانة، ومخالفة ولي الأمر الذي أمر الشرع بطاعته»، ولا يخفى ما وراء ذلك من «انتشار للفساد وضياع للحقوق، بالتعدي على حق الفقراء ومحدودي الدخل باستغلال الحصة المخصصة لحاجتهم الأصلية من الماء المدعوم في غير ما خصصت له».

عدادات مسبقة الدفع

وفي إطار مساعي خفض الفاقد التجاري، تستهدف الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي تركيب 2.5 مليون عداد مسبق الدفع ضمن خطة لاستبدال العدادات العاطلة حتى عام 2024.
وفي يناير 2022، نوه بيان صادر عن الشركة بتركيب 607 آلاف عداد مسبق الدفع حتى تاريخه، لافتا إلى «تصميم وتنفيذ وتشغيل برنامج موحد لتشغيل العدادات مسبقة الدفع».


وبدوره، أكد الدكتور خالد أبوزيد، المدير الإقليمي لبرنامج الموارد المائية بمركز البيئة والتنمية للإقليم العربي وأوروبا (سيداري)، أهمية التوسع في تركيب العدادات مسبقة الدفع، التي تهدف إلى خفض كمية المياه غير المحاسب عليها بالإضافة إلى تشجيع الناس على ترشيد الاستهلاك؛ فوجود عداد واحد للعقار بالكامل لا يوفر حافزا للترشيد؛ «مهما رشَّدت سأدفع نفس القيمة التي يدفعها غيري».
كما نوه لـ«الشروق» بأن تقليل فاقد مياه الشرب يستدعي إعادة تأهيل الشبكات المتهالكة، وهو ما يتطلب البحث عن وسائل بديلة للطرق التقليدية التي تقوم على تكسير الشوارع وفك المواسير المتهالكة وتركيب أخرى مكانها ومن ثمَ إعادة «سفلتة» الطريق؛ ما يؤدي إلى إرباك حركة المرور وتعطيل مصالح الناس، فضلا عن الاستثمارات الضخمة التي تتكلفها.

حلول بديلة

ومن جانبه، يقول كلاوس باير، الرئيس التنفيذي للاتحاد الألماني لتكنولوجيا إعادة تأهيل البنية التحتية GSTT، إن خسائر مياه الشرب في ألمانيا تقارب 5% فقط، تضعها في المرتبة الثالثة لأقل دول العالم فقدا للمياه.
ويوضح باير، لـ«الشروق»، أنه لتحديد موقع تسرُب المياه عبر شبكات التوزيع تستخدم أجهزة تعتمد على قياس صوت جريان المياه؛ فتباين صوت حركة المياه عند نقطة معينة يعد دليلا على وجود خلل ما، وهذه الآلية يمكن من خلالها تحديد موقع التسريب تحديدا، وحتى 10 إلى 20 سم بحد أقصى.

وهذه الطريقة قد تواجه صعوبة أحيانا في الأماكن التي يرتفع فيها منسوب المياه الجوفية أعلى مستوى مواسير شبكات مياه الشرب، بحسب باير.
كما أشار إلى إمكانية التعرف على وجود تسرُب من شبكات المياه من خلال قياس كمية المياه المستهلكة في غير أوقات الذروة، كساعات الليل المتأخرة؛ فإذا كان الاستهلاك زائدا عن الحد الطبيعي دلَّ ذلك على وجود مشكلة ما في الشبكة.
وعن أحدث التقنيات المستخدمة في عملية إحلال المواسير المتهالكة، أشار الرئيس التنفيذي لاتحاد تكنولوجيا إعادة تأهيل البنية التحتية إلى تبطين المواسير المتهالكة بأخرى جديدة، دون الحاجة إلى فكها أو تكسير الشوارع.
ويشرح باير تجربة تبطين المواسير المتهالكة: «تعتمد هذه الطريقة على تنزيل أنبوب يحوي مادة شبه صلبة Semi Sold إلى الماسورة المكسورة عبر نقاط معينة وإلحاقها بما يشبه المصباح الذي يصدر نوعا من الأشعة التي تعمل على تحويل هذه المادة إلى الحالة الصلبة وإحكام إغلاقها على الماسورة القديمة؛ ليصبح لدينا ماسورة جديدة داخل الماسورة الخارجية المتهالكة، وتصبح الأخيرة مجرد غطاء حماية لها».
وأضاف باير أن هذه الطريقة تسهم في خفض تكاليف عملية الإحلال والتجديد مقارنة بالطرق التقليدية، واختصار الوقت اللازم؛ حيث يمكن للمادة الموجودة داخل الأنبوب الواحد تغطية مسافة ماسورتين بطول 100 متر للواحدة خلال يوم واحد، وهو أمر مفيد جدا من الناحية الاقتصادية.

طموح لفاقد أقل

وتطمح الشركة القابضة لمياه الشرب إلى خفض الفاقد تدريجيا. وفي هذا السياق، يتوقع الدكتور أحمد معوض نائب رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة لمياه الشرب، النزول بنسبة الفاقد من 28.4% في عام 2019/ 2020 إلى 27.12% بنهاية العام الحالي 2021/ 2022.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved