ماذا يعني السفر عبر «خط التاريخ»؟

آخر تحديث: الإثنين 15 يوليه 2019 - 12:43 م بتوقيت القاهرة

د ب أ

توجد علامة واحدة فقط في جزيرة تافيوني الهادئة لتذكر الزائرين بأنه في الماضي كان يجتمع هنا يومان مختلفان إلى جانب بعضهما بعضا في نفس اللحظة، فإذا وقفت شرق الخط كنت في يوم أمس، أما على الجانب الغربي، فأنت اليوم، هل يبدو الأمر ضربا من الجنون؟ إنه كذلك بالفعل.

تفسير ذلك هو أن خطوط الطول عبارة عن أنصاف دوائر وهمية تمثل إحداثيات جغرافية تمتد من القطب الشمالي إلى القطب الجنوبي، وتساعد هذه الخطوط في تحديد موقع وجود شيء ما على سطح الأرض بدقة، ويمر خط الطول الصفر عبر جرينتش بالقرب من العاصمة البريطانية لندن.

وتقع تافيوني، وهي جزيرة تابعة لفيجي في جنوب المحيط الهادئ، على الجانب الآخر تماما من الكرة الأرضية، على خط الطول الـ180، ويمتد هذا الخط من الشمال إلى الجنوب عبر مساحات شاسعة من المحيط، والأهم من ذلك هو أن هذا الخط يمثل خط التوقيت الدولي الذي يفصل الأمس عن اليوم، أو اليوم عن الغد.

وكما لو أن هذا ليس مربكا بما يكفي، فإن الأمور قد تكون أكثر تعقيدًا، وعندما يمر المسافرون على متن سفن بالقرب من تافيوني عبر خط التوقيت الدولي متجهين شرقا، فإنهم يعيشون نفس اليوم مرتين، أما إذا توجهوا غربا، فإنهم يخسرون يوما كاملا.

على متن سفينة سياحية متجهة من فيجي إلى جزيرة تاهيتي، قال القبطان للركاب: "شركة هاباج-لويد للملاحة البحرية سخية، إذ تمنحك يوما إضافيا، السفينة تتجه شرقا عبر خط التوقيت الدولي، وهذا يعني أن يوم الأربعاء سيأتي مرتين على متن السفينة لأنه كان جميلا للغاية"، بحسب ما قال القبطان وهو يغمز بعينيه.

ويقضي الركاب ساعات وهم يحاولون فهم السبب الذي يجعل على المرء أن يحيا نفس اليوم مرتين، بالحدس وحده، فإن هذا شيء لا يمكن تفهمه بسهولة.

ولمحاولة فهم "خط التاريخ"، ينبغي على المرء أن يتخيل راكبين اثنين انطلقا جوا من خط الطول الرئيسي في لندن، وطارا في اتجاهين متعاكسين، أحدهما يتجه غربا، ويتعين عليه عند الوصول إلى كل منطقة زمنية جديدة إعادة ساعة يده ساعة زمنية إلى الوراء، بينما يطير الآخر شرقا، ويتعين عليه بدوره تقديم ساعته بمقدار ساعة واحدة للأمام في كل منطقة زمنية جديدة.

وعندما يصل الراكبان إلى خط الطول الـ180، سيكون كل منهما قد سافر بنفس المدة الزمنية، ومع ذلك فإن أحدهما قد ظل بصورة متكررة يفقد ساعة زمنية بينما ظل الآخر يكسب ساعة.

ومنطقيا، بما أن أيا منهما لم ينتقل إلى الماضي أو المستقبل، فيجب أن يكون هناك نوع من التوازن، ولذلك فإن المسافر القادم من الغرب يعود يوما إلى الوراء، بينما المسافر القادم من الشرق تقدم يوما للأمام.

ويعود اختيار خط الطول الصفري ليكون مارا عبر جرينتش إلى قرار تعسفي إلى حد ما اتخذ في مؤتمر دولي عقد في عام 1884، ما يعني أنه من الناحية النظرية، يمكن أن يكون "خط التاريخ" في مكان آخر أيضًا.

إلا أن حقيقة اختيار الخط الدولي ليكون مارا عبر المحيط الهادئ، حيث يعيش عدد قليل من الناس، كان بالفعل أمرا متعمدا. فهذا يعني أن مساحة صغيرة جدا من الأراضي الفعلية هي المقسومة في تقويمها إلى يومين.

ورغم ذلك، لا يتخذ خط التاريخ الدولي تماما نفس مسار خط الطول الـ180، حيث يتخذ الخط بعض التعرجات كون أن وجود تاريخين قد يمثل مشكلة كبيرة للبلدان التي يوجد بها.

وينطبق الأمر نفسه على المناطق الزمنية، التي نادراً ما تتبع خط طول ثابت، وهكذا فخط التاريخ الدولي لم يعد يمر اليوم عبر جزيرة تافيوني.

ويتخذ خط التاريخ الدولي مسارا أشبه بالمطرقة بالقرب من خط الاستواء، قريبا من جمهورية جزيرة كيريباتي، وفي عام 1995 سئمت كيريباتي من تقسيم توقيتها إلى يومين مختلفين، ومن ثم قررت أنها ستقع كليا غرب خط التاريخ الدولي، وتم إعلان تعديل المنطقة الزمنية مطلع الألفية، وهو ما أعطى الدولة الأرخبيل الواقعة في النصف الجنوبي من المحيط الهادئ لقب "جزر الألفية".

وفي عام 2011، أعلنت ساموا تعديل توقيتها من الجانب الشرقي لخط التاريخ الدولي إلى الجانب الغربي لأن هذا يحقق لها فوائد في تجارتها مع أستراليا ونيوزيلندا وآسيا.

وقبل ذلك، كان توقيت ساموا متأخرا بيوم من الناحية العملية، إلا أن ساموا الأمريكية ظلت في الشرق.

وعلق أحد الركاب على متن السفينة السياحية مع اقتراب الرحلة من نهايتها بالقول: "لقد ألهمنا خط التاريخ الدولي التفكير كثيرا في بعض الأشياء".

ويضيف الراكب، الذي يعمل محاضرا، في إشارة إلى اليوم الذي تكرر على متن السفينة: "ما زلت لا أعرف ما إذا كنت قد دفعت مقابل اليوم الثاني".

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved