بين الأمل والحصار.. طبيب عيون مصري يروي لـ«الشروق» كواليس العمل في في غزة
آخر تحديث: الثلاثاء 15 أكتوبر 2024 - 10:56 ص بتوقيت القاهرة
دينا النجار
- العمل في غزة مسؤولية إنسانية تفرض على الأطباء العمل لتخفيف معاناة المرضى*
- معاناة المرضى أثرت فيّ بشكل عميق على المستوى الشخصي والمهني
- الأثر النفسي الذي يتركه معاناة المرضى وذويهم يزيد إصراري على تخفيف تلك المعاناة*
- لن أنسى فرحة والدي طفل يعاني من إصابة خطيرة أجريت له عملية ناجحة
- رؤية الامتنان والأمل الذي أراه في عيون المرضى وأسرهم هو ما يدفعني للاستمرار
- نقص الموارد الطبية الأساسية يجعل إجراء العمليات الجراحية أكثر تعقيداً
- بسبب نقص الإمكانيات أضطر للعمل بابتكار في ظل الأدوات المتاحة
ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بصور الطبيب المصري، استشاري العيون الدكتور محمد توفيق، وهو يجلس مرهقًا في زاوية غرفة عمليات مستشفى غزة الأوروبي، بعد إجرائه 33 عملية جراحية لمرضى المياه البيضاء، على مدار 13 ساعة متواصلة دون راحة، قدم خلالها بصيص أمل لمرضى أنهكهم المرض والحصار والحرب.
وتوجه الطبيب المصري، إلى غزة مع فريق عمل تطوعي بالتعاون مع جهة طبية متخصصة في تقديم الرعاية الصحية في مناطق النزاعات.
وتأتي تلك الخطوة استجابة للواقع الإنساني الصعب الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني، والذي يفرض على الأطباء والمتخصصين مسئولية أخلاقية لتخفيف المعاناة الصحية في ظل نقص حاد في الموارد الطبية.
ولعل اختياره غزة جاء نظرًا للحاجة الملحة للرعاية الصحية المتخصصة، حيث تزيد القيود المفروضة على دخول الأدوية والمعدات الطبية، من تفاقم الأوضاع الصحية.
رغم ذلك، دفعت هذه التحديات الطبيب محمد، للانخراط في تقديم الدعم الطبي، بهدف المساهمة في تحسين أوضاع المرضى الذين هم بأمس الحاجة للرعاية، خاصة بعد تدهور الحالة البصرية للكثير منهم، بسبب حاجتهم لإجراء عمليات جراحية عاجلة.
• التأثير الشخصي والمهني
"العمل في غزة أثر فيَّ بشكل عميق على المستوى الشخصي والمهني"، بهذه الكلمات استهل الطبيب المصري محمد توفيق حديثه لجريدة "الشروق"، كاشفًا عن التحديات اليومية التي تواجهه نتيجة نقص الإمكانيات، مما يزيد من صعوبة التعامل مع الحالات الحرجة من ناحية، والأثر النفسي السيئ الذي تتركه معاناة المرضى وذويهم من ناحية أخرى، ومع ذلك، يزيد إصراره على تخفيف تلك المعاناة من خلال دوره الطبي.
• اللحظات المؤثرة
استرجع توفيق أكثر اللحظات المؤثرة التي مرت عليه خلال عمله في القطاع، قائلًا: "إحدى اللحظات التي تركت أثرًا عميقًا في نفسي كانت حينما أجريت عملية ناجحة لطفل يعاني من إصابة خطيرة في عينيه. رؤية الفرحة على وجهي والديه بعد العملية، والشعور بالأمل والامتنان الذي أراه في عيون المرضى وأسرهم هو ما يدفعني للاستمرار هنا لتقديم العون والمساعدة. هذه اللحظة، وغيرها من اللحظات المشابهة، تعزز لدي الشعور بالالتزام نحو المرضى والمسئولية الإنسانية".
وحتى الآن، أجرى توفيق عشرات العمليات الجراحية لمرضى يعانون من إصابات في العينين خلال زيارتين لغزة، قضى في كل منهما عدة أسابيع، عمل خلالها على تقديم الرعاية الطبية اللازمة رغم كل الظروف المحيطة ونقص الإمكانيات، وقد وصف تجربته كطبيب في غزة بأنها من أكثر التجارب تحديًا في مسيرته المهنية.
• التوازن بين الدورين الطبي والإنساني
أكد الطبيب أن العمل في غزة يفرض عليه القيام بدور مزدوج، حيث يتكامل الدور الطبي مع الإنساني. وأوضح أن كل عملية أو مساعدة طبية تعد عملًا إنسانيًا في حد ذاته، مشيرًا إلى أن تحقيق التوازن بين هذين الدورين يتم من خلال التركيز الكامل على تلبية احتياجات المرضى، رغم الظروف الصعبة التي يعاني منها القطاع.
• الصعوبات والتحديات
وعن أبرز الصعوبات التي واجهته في غزة، أوضح أنها تتمثل في نقص الموارد الطبية الأساسية في بعض الحالات، مما يجعل إجراء العمليات الجراحية أكثر تعقيدًا بسبب غياب الأدوات والمعدات اللازمة لإجراء بعض العمليات الحساسة، ما يضطره إلى التعامل مع هذه المواقف باستخدام الأدوات المتاحة والعمل بابتكار ضمن الإمكانيات المحدودة لتحقيق أفضل النتائج الممكنة.
أما على الصعيد الشخصي، فكان الابتعاد عن الأسرة والأحباء لفترات طويلة يشكل تحديًا آخر، خاصة مع قلق الأسرة المستمر عليه من المخاطر المحتملة في ظروف الحرب. ومع ذلك، فإن المسئولية الإنسانية تجاه المرضى جعلته يتحمل تلك الصعوبات.
• الحصار وتقديم الرعاية الصحية
وتحدث الطبيب عن أثر الحصار الذي يعاني منه القطاع منذ العدوان عليه في أعقاب عملية "طوفان الأقصى"، مؤكدًا أنه أثر بشكل سلبي على تقديم الرعاية الطبية، حيث تتسبب القيود على دخول الأدوية والمعدات الطبية في تعقيد العمليات، وإعاقة تقديم العلاج الضروري للمرضى، مما جعل عملهم أكثر صعوبة وتحديًا.
• رسالة للعالم
وفي ختام حديثه، وجه الطبيب رسالة إلى العالم من قلب القطاع المنكوب، قائلًا: "غزة تعاني من أزمة إنسانية وصحية كبيرة تتطلب تدخلًا دوليًا عاجلًا. المرضى هنا بحاجة ماسة للدعم والرعاية، والقيود المفروضة على القطاع الصحي تعرقل تقديم العلاج اللازم".