في ذكري ميلاد طه حسين.. «دعاء الكروان» تصالحت مع المجرم أدبيا وعاقبته على الشاشة السينما

آخر تحديث: الجمعة 15 نوفمبر 2019 - 7:31 م بتوقيت القاهرة

محمد حسين

قبل 130 عاما، وفي 15 نوفمبر 1889، كانت أسرة فقيرة تسكن بعزبة الكيلو بالمنيا في انتظار مولود جديد يضاف لعددها الكبير الذي تجاوز 10 أفراد، ولم تكن تلك الأسرة تدرك أن مولودها الجديد سيكون له نصيب كبير من جهود حركة التغيير وإثراء الفكر والتنوير في عشرينيات القرن الماضي، وأنه سيكون أيقونة ملهمة، لكل من يبحث عن نموذج في مصارعة التحديات الصعبة، فقد فقد الدكتور طه حسين بصره منذ طفولته، ولكنه وصل إلى من لم يسبقه غيره من المبصرين.

أثرى حسين المكتبة الأدبية بالعديد من الأعمال في الفكر والنقد مثل في الشعر الجاهلي وحديث الأربعاء، ولكن في بداياته جذبه سحر الرواية ليتخذها وسيلة للتعبير عن معاناة شخصيات رسمها في سطوره، من بين تلك الأعمال الروائية رواية "دعاء الكروان " والتي نشرت عام 1934،وبعد ربع قرن في 1959 حولها المخرج الكبير بركات لفيلم سينمائي من بطولة فاتن حمامة وأحمد مظهر.

حقق الفيلم نجاحا كبيرا، وتخلّد في ذاكرة السينما المصرية، وتم اختياره كسادس أفضل فيلم في تاريخ السينما المصرية(حسب استفتاء النقاد عام 1996).

ومع تحويل السطور الأدبية لمشاهد سينمائية، اختلفت الرؤية بين طه حسين وهنري بركات، فالجو العام كان ثابتا في العملين، فطه حسين ألبس كل شخصيات الرواية ثوب المعاناة حتى الذين ارتكبوا الأخطاء والجرائم، كانوا في نظر حسين ضحية لنفوسهم الشريرة.

1- صوت الكروان هو بطل الفيلم والرواية!

البطل الأساسي للرواية كان "صوت طائر الكروان"، والذي أطلق عليه حسين "الطائر العزيز" مع تتابع الأحداث، فهو الذي رافق كل الأبطال وكان شاهدا علي لحظات الألم والمعاناة من جهة ولحظات الحب من جهة أخري.

فمن تشريد الأسرة المكونة من الأم وابنتيها هنادي وآمنة كان صوت الكروان شاهدا، ولحظة التي صارحت هنادي أختها بأنها وقعت في غواية المهندس الري بعد ان أوهمها بأنه يحبها، ومع أكثر المشاهد ألما وهي قتل هنادي علي يد خالها بداعي الحفاظ علي شرف الأسرة، منذ اللحظة بدأت آمنة عهدا مع صوت الكروان بأن تثأر لأختها من المهندس وتذيقه الذل والهوان انتقاماً لأختها البريئة.

2- نهاية تصالحت مع المجرم!
الصراع الأساسي لقصة الفيلم كان بين آمنة (فاتن حمامة) ومهندس الري (أحمد مظهر) والتي تعمدت الأحداث أن لا تمنحه اسما يميزه كنوع من العقاب، فهي أخذت عهدا بالانتقام، وهو نسي جريمته وبدأ يفكر في ضحية جديدة، فتحاول بكل الطرق أن تصل للبيت الذي تم فيه خيانة مشاعر أختها والذي كان طريقها للموت، دبرت آمنة خطتها لتوقع المهندس في حبها وهو ما حدث بالفعل،ولكن دون أن تدرك وقعت هي الأخرى في ذات الشك، لتزداد معاناتها لإحساسها بأنها خانت عهدها بالانتقام لأختها.

ورغم طلب المهندس منها الزواج وقسمه لها بأن حبها غيره تماما، تختار آمنة الرحيل لأن طيف أختها وصوت الطائر العزيز سيكون حائلا أمام حبها لشخص أرادات يوما أن تنتقم منه قبل أن تغيرها مشاعر الحب !

ويأتي المشهد الأخير في توسل المهندس لآمنة بالبقاء وأن تغفر له، لكن يأتي دور العدالة الشاعرية في لقطة قتل المهندس بالخطأ على يد خال آمنة ويخبرها بأن فدائه لها بروحه هو الثمن الوحيد الذي كان من الممكن أن يمحو جرائمه.

النهاية الأدبية تغيرت عن ذلك، فأراد طه حسين أن يوضح التغير الكبير الذي حدث في شخصية آمنة من فتاة ساذجة تحمل مشاعر الطيبة، فيأتي علي لسانها " يا لقدرة النساء على الكيد و براعتهن في التلوين ونهوضهن بأثقل الأعباء وثباتهن لأفدح الخطوب" وهي تحاول أن تظهر مشاعر خلاف حقيقتها، ولمزيد من التعبير عن مدى تغير شخصيتها بعد حادث أختها المفجع،تم الاشارة اليها بعد دخولها لبيت المهندس باسم سعاد!

اختارت الرواية نهاية متصالحة مع المهندس فمشاعر الحب بالفعل قد صنعت منه شخصاً آخر، فقد أخذ آمنة وانتقل للعيش في وسط أسرته ولم يعد يعتبرها خادمة، وعرض عليه الزواج ولكن عندما صارحته بالحقيقة أخذ الصمت يخيم علي الأحداث في نهاية مفتوحة ولكن صوت الطائر العزيز كان حاضرا

فينهي حسين روايته بالجملة الشهيرة" دعاء الكروان! أترينه كان يرجِّع صوته هذا الترجيع حين صُرعت هنادي في ذلك الفضاء العريض؟! "والتي استخدمت أيضا بصوته في النهاية السينمائية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved