في مئوية محمد فريد.. سطور من حياة الزعيم الفريد

آخر تحديث: الجمعة 15 نوفمبر 2019 - 7:48 م بتوقيت القاهرة

محمد نصر

على عكس بقية الزعماء الوطنيين ممن عرفناهم في مدارسنا لم تسرد كتب التاريخ المدرسي معلومات تفصيلية عن حياة الزعيم محمد فريد، والذي تحل ذكرى مرور 100 عام على وفاته في مثل هذا اليوم من عام 1919، ولذا كان لدى غالبيتنا - ممن ولدوا في عقد التسعينات وما بعده - فتورا تجاه هذا الزعيم الوطني المخلص، وما جعله يستحق عن جدارة لقب الزعيم، إلا من نال حظ الاقتراب من المعرفة واستزاد من الموسوعات التاريخية، والتي لم تتوفر للغالبية من أبناء هذا الجيل بسهولة.

"إن ذكرى العظماء يبدو خلودها بمقدار ملاءمتها لكل زمان، وذكرى فريد لا تتقادم جدتها، ولا تتضاءل عظمتها، فهي أبدا قديمة جديدة، تتجدد على تعاقب السنين، بتجدد الحوادث والظروف، ونراها اليوم كالنور الساطع، يضيء لنا الطريق فيما يعرض لنا في حياتنا القومية من مسائل ومشكلات هامة"، هكذا كتب المؤرخ المصري الكبير عبد الرحمن الرافعي في مقدمة الطبعة الثانية (1948) من كتابه "محمد فريد.. رمز الإخلاص والتضحية" الصادر في عام 1941.

لم تكن نشأة فريد العائلية تنبئ بما سيؤول إليه حالة، مغتربا قبيل نهاية حياته بعيدا عن أسرته، فهو ابن أحمد فريد باشا ناظر الدائرة السنية 1868، وهو ما كان يؤهله لعيشة رغدة، بعيدا عن السياسة والنضال ضد المحتل، حيث ألحقه والده، ما إن نال شهادة الحقوق، بوظيفة مترجم في قلم قضايا الدائرة السنية عام 1887، تدرج في وظيفته بعد ذلك وحصل على البكوية ومنها إلى مساعد نيابة حتى وصل إلى منصب وكيل نيابة بالاستئناف 1895، ولكن وبحسب الرافعي كانت نفسه متوثبة منذ صباه إلى المثل العليا فقد بدأ منذ تخرجه في التأليف والنشر، إلى أن اصطدم بالاحتلال البريطاني في قضية كبرى حيث جهر بميوله الوطنية وانحيازه إلى جانب صاحب جريدة "المؤيد" الشيخ على يوسف في ما عرف بقضية "التلغرافات"، التي اتهم فيها صاحب "المؤيد"، بإذاعة أسرار وزارة الحربية في جريدته، وما إن صدر حكم ابتدائي ببراءة الشيخ، حتى تم نقل وكيل النيابة إلى مغاغة في نوفمبر 1896، ليقرر فريد الاستقالة لما رأى في ذلك من اعتداء على استقلال القضاء وامتهان لكرامته، ولكي يجاهد في سبيل تحرير بلاده.

اشتغل بالمحاماة من 1897، مدة سبع سنوات، واشتهر بالنزاهة والأمانة، ثم اعتزل المهنة أواخر عام 1904، قبيل هذا، وفي 1893، كان فريد قد تعرف إلى الزعيم مصطفي كامل، توثقت صداقتهما في 1895، بعدما تقابلا في باريس قبل أن يلقي مصطفى أول خطبة سياسية له في مدينة تولوز الفرنسية، ولازمه في جهاده في بعث الحركة الوطنية، وإدارة جريدة "اللواء" - الصادرة في العام 1900- وكان اختيار مصطفى كامل، لفريد وكيلا للحزب الوطني - أول الأحزاب المصرية- في أول جمعية عمومية للحزب، ووصيته بانتخاب فريد رئيسا للحزب من بعده، إيزانًا بمولد زعيم سياسي كبير استحق الزعامة بنضاله، ولم يسع إليها.

بعد وفاة مصطفى كامل في فبراير من العام 1908، تولى فريد رئاسة الحزب في ظروف حرجة، فقد نبهت وفاة "كامل"، الاحتلال إلى عظم شأن الحركة الوطنية، حفزته لإخمادها بإتباع سياسية الوفاق مع الخديو، لتجابه الحركة الوطنية سلطتين متحالفتين، سلطة الاحتلال الفعلية ممثلة في المعتمد البريطاني، وسلطة الخديو والحكومة، وبالرغم من ذلك استمر فريد في نضاله وذلك بالتمسك بالدستور والمطالبة به وضرورة جلاء المحتل، فتمت محاربته من الجهتين.

قبيل منتصف عام 1910، سافر محمد فريد إلى أوروبا، ليبين حقيقة الحالة والمسألة المصرية، حيث ألقى الخطابات وقام بجولات في كل من باريس وليون ولندن وستوكهولم وبروكسل، وشارك في المؤتمرات، كما كتب المقالات وأجرى الحوارات في الصحف الأوروبية، والتقى برجال السياسة والأحزاب في تلك البلدان.

بعد نحو ثمانية أشهر قضاها عبر أوروبا مدافعا عن القضية المصرية، عاد الزعيم إلى الإسكندرية، ديسمبر 1910، واستقبلته الجماهير فيها وفي كل محطات القطار وصولا إلى القاهرة، ولكن كان ينتظره السجن، في 4 يناير بدء التحقيق معه في قضية وطنيتي.

قضية "وطنيتي"
في يوليو 1910، قام الأستاذ علي الغاياتي، المحرر بجريدة اللواء، بإصدار ديوان شعري بعنوان "وطنيتي"، وقام كل من الشيخ عبد العزيز جاويش رئيس تحرير اللواء، والزعيم محمد فريد بكتابة مقدمة للديوان، والذي كان قد سبق نشر قصائده متفرقة في الصحف، وبالرغم من هذا أمرت الحكومة بمصادرة الكتاب والتحقيق مع الغاياتي وجاويش، واتهمتهما ومعهم الزعيم محمد فريد - والذي كان حينئذ في أوروبا يدافع عن قضية مصر- بتحبيذ الجرائم والتحريض على ارتكابها وإهانة هيئات الحكومة، وتم إحالتهم إلى محكمة الجنايات، حيث كانت الحكومة قد أمعنت في محاربة الحركة الوطنية، بتقييد حرية الصحافة، بعودة قانون المطبوعات القديم وإحالة الجنح الصحفية إلى محاكم الجنايات، وقد صدر الحكم في شهر أغسطس غيابيا على الغاياتي، الذي كان قد سافر إلى "الأستانة" ومنها إلى سويسرا، بالحبس سنة واحدة مع الشغل، وعلى جاويش بالحبس 3 أشهر.

وكان خصوم محمد فريد أشاعوا أنه لن يعود خوفا من الحكم عليه، فنفى ذلك من هناك في أوروبا، وكانت ابنته الكبرى قد راسلته في 14 أغسطس تدعوه للحضور إلى مصر، حيث قالت بحسب ما أشار الرافعي في كتابه: " ولنفرض أنهم يحكمون عليك بمثل ما حكموا به على الشيخ عبد العزيز جاويش، فدلك أشرف من أن يقال بأنكم هربتم، وما تحملتم الهوان في سبيل وطنكم"، وختمت بالقول: "وأختم جوابي بالتوسل إليكم باسم الوطنية والحرية، التي تضحون بكل عزيز في سبيل نصرتها أن تعودوا، وتتحملوا آلام السجن".

في 23 يناير 1911، حكم على محمد فريد بالسجن لمدة ستة أشهر في القضية، أكملها في 18 يوليو، ليعود في أغسطس إلي المحاماة من جديد، فلما سافر إلى مؤتمر السلام في سبتمبر 1911، وما إن عاد منتصف نوفمبر حتى يستأنف عمله، حتى حوكم للمرة الثانية بسبب خطبته في الجمعية العمومية السنوية للحزب 22 مارس سنة 1912.

كانت نية الحكومة شل حركته وإبقائه في السجن، بحسب ما يخبرنا الرافعي في كتابه عنه، فتداول أصدقاءه الرأي في شأن إحباط ما تدبره الحكومة، وأجمعوا على ضرورة هجرة الزعيم إلى المنفى، لكي يمكنه متابعة الجهاد من الخارج ورفع صوت مصر، وفي مساء 26 مارس كان هو وصديقه إسماعيل بك لبيب، على متن الباخرة الروسية "أو لجا" ووصل إلى الأستانة في 31 مارس، ثم إلى جنيف لحضور مؤتمر السلام نهاية سبتمبر 1912، ثم إلى باقي أرجاء أوروبا والمحافل الدولية.

مع بداية عام 1919، اشتد على الزعيم مرض الكبد، ولما أحس بدنو الأجل قال: " إنني أنا وأولادي وكل عزيز لدى فداء لمصر، لقد قضيت بعيدا عن مصر سبع سنوات، فإذا مت فضعوني في صندوق واحفظوني بمكان أمين، حتى تتاح الفرصة لنقل جثتي إلى وطني العزيز، الذي أفارقه وكنت أود أن أراه"، وفي مساء يوم السبت 15 نوفمبر، صعدت روحه إلى بارئها.

وبالرغم من أن فكرة نقل رفاته إلى مصر كانت تجول في خواطر الكثيرين ويرونها فرضا بحسب ما كتب الرافعي، لكن من أخذ على عاتقه نقل الرفات كان واحد من أبناء مصر، ليس من الزعماء ولا الرؤساء، ولكن قدر للحاج خليل عفيفي، وهو تاجر أقمشة من مدينة الزقازيق، أن يضطلع بهذه المهمة الشاقة في زمانها، وسافر في مارس 1920، إلى برلين، ليواجه الكثير من العقبات في سبيل نقل الرفات، وفي 8 يونيو 1920، وصلت الرفات على متن الباخرة حلوان، وشيعت الجنازة في العاصمة إلى مدافن العائلة بجوار السيدة نفيسة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved